العثمانية الجديدة التي يحاول أردوغان تسويقها، إنما تدفع المنطقة إلى استعادة أسوأ المآسي التاريخية.
أردوغان وقح.. بمعنى أنه يمكن أن يقول أي شيء، من دون أن يتورع، ولا أن يضع حواجز بينه وبين زلات اللسان.. وهو انفعالي إلى حد يجعله أقرب إلى طفل نزق.
ولكن هناك في تركيا من هو أوقح منه.. هو تلميذه النجيب ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو.. والتلميذ عادة ما يتفوق على معلمه.
هذا الأوغلو، شن هجوما شرسا على الإمارات لا تعرف من أين به، أو كيف تجمعت له القدرة عليه. ولكن كان فيه ثمة ما هو ملفت بحق، إنما بقدرته على لوي عنق الحق، وركله بالأقدام.
فبعد بيان مشترك صدر عن الإمارات ومصر واليونان وقبرص وفرنسا يدين التدخل العسكري التركي في ليبيا وسعي أنقرة إلى زعزعة استقرار المنطقة، رد أوغلو باتهام باطل ومزور لدولة الإمارات.
حسنا. ولكن كيف يمكن التمييز بين القول الحق وبين الوقاحة؟
يمكنك على الأقل أن تطرح بعض الأسئلة:
هل تقوم الإمارات باحتلال أراضي الغير؟ لا.
هل تدعم تنظيمات عقائدية مسلحة؟ لا.
هل لديها مشروع أيديولوجي تحاول فرضه أو إملاءه على أي أحد؟ لا.
هل قامت بالاستيلاء على حقول نفط تملكها دولة في الجوار؟ لا.
هل قدمت دعما لغير مؤسسات وطنية أو حكومات شرعية؟ لا.
هل لديها حزب يرعى تنظيمات إرهاب؟ لا.
هل تمارس انتهاكات لحقوق الإنسان؟ لا.
هل أرسلت جيشها إلى خارج البلاد لتغيير أنظمة؟ لا.
هل قامت بتقسيم دول، وحالت دون إعادة الوحدة لها؟ لا.
هل انطوت سياساتها الخارجية على دفاع عن أي حروب أو نزاعات؟ لا.
هل تدخلت في الشؤون الداخلية لأي دولة؟ لا.
وهل لديها أي مشروع توسعي؟ لا.
الملفت هو أن أوغلو وقف أمام المرآة، وقرأ وصفا لما تفعله تركيا، فأنكره ورمى ببطلانه على الإمارات، زورا وبهتانا.
أول السجل الأردوغاني، هو أن حزبه ونظامه ظل يرعى التجارة مع تنظيم داعش عندما كانا يتصرفان كـ"دولتين" في الجوار.
والأدلة على ذلك من الكثرة بحيث لا يستطيع نكراها ولا حتى من قبل ذلك الأوغلو نفسه. ضباط من جيش بلاده، وصحف تركية عدة، وشهادات شهود عيان، قدموا تفاصيل كثيرة عن طبيعة العلاقات السرية التي ظلت تربط بين هذين "البلدين"!
وعندما تمت هزيمة داعش، على يد السوريين من الأكراد والعرب، بدعم من التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة، فقد كان أول ما فعلته تركيا هو أنها هاجمتهم ودفعت بقواتها لتحاربهم وتدمر قراهم وتحتل أراضيهم، انتقاما لهزيمة "الشقيق" العقائدي لتنظيم حزب العدالة والتنمية.
ترعى تركيا مليشيات مسلحة في سوريا، تابعة في جلها لتنظيمات إرهابية، تدعي الإسلام، وتحاول أن تجعل منها مطية للتحكم بمستقبل هذا البلد.
تركيا تقسم جزيرة قبرص منذ عدة عقود من الزمن على أساس عرقي. وعرقل نظام أردوغان كل محاولات استعادة وحدة الجزيرة. من أجل أن يجعل من الجزء التركي للجزيرة قاعدة للهيمنة في البحر الأبيض المتوسط.
وترعى تركيا مليشيات مسلحة في سوريا، تابعة في جلها لتنظيمات إرهابية، تدعي الإسلام، وتحاول أن تجعل منها مطية للتحكم بمستقبل هذا البلد. وكان ذلك نصف المصيبة. النصف الآخر هو أنها حولت هذه المليشيات إلى مرتزقة لكي تخوض الحرب في ليبيا، دعما لحكومة شقاق لا حكومة وفاق هناك.
الليبيون منقسمون، ولكنهم أولى في النهاية بشؤون بلدهم ومستقبله. وكانوا على مقربة، لعدة مرات، من التوصل إلى حلول لمشاكلهم العالقة قبل أن تضع تركيا إصبعها في الأزمة فدعمت مليشيات إرهاب، كانت هي التي هيمنت على الحكومة التي نشأت في أعقاب اتفاق الصخيرات، ومزقته من الناحية العملية.
والدافع الرئيسي لذلك، كان رخيصا بحذ ذاته. فالتدخل التركي في ليبيا، كان تجارة مربحة دفع ثمنها ممولون للزعزعة والحروب الأهلية والإرهاب.
وداعش ليس هو التنظيم الشقيق الوحيد لحزب العدالة والتنمية. إنه الشقيق الفاقع فقط. أما الشقيق الآخر، فهو تنظيم الأخوان المسلمين، وبخاصة فرعه المصري الذي كاد أن يدفع مصر إلى هاوية بلا قرار، قبل أن يخرج ملايين المصريين للإطاحة بسلطته.
ولم تكن الأعمال العدوانية التركية في الخارج إلا جزءا من تصور امبراطوري مكشوف ومعلن.
العثمانية الجديدة التي يحاول أردوغان تسويقها، إنما تدفع المنطقة إلى استعادة أسوأ المآسي التاريخية.
والتخلف لم يكن سوى الجزء الظاهر من جبل المأساة، لدولة زعمت أنها تدافع عن الإسلام ولكنها استعبدت المسلمين، وأهانت عصبه بدوافع عنصرية، وأطفأت جذوته.
لقد كان يمكن، في جميع الأحوال، اعتبار الهجوم على الإمارات، مجرد عمل من أعمال الهذيان، فننساه. ولكن أن ينظر المرء في صورته ويلصق أفاعيلها بآخرين، يتطلب مقدارا شاسعا من الجرأة على دوس الحق بالأقدام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة