سلطة أردوغان تمثل نموذجا لعهد مظلم. وعلى الرغم من كل تاريخها المضطرب وتجاربها المتعثرة، فإنها تكاد لم تعرف عهدا أسوأ منه
يحشد الرئيس التركي من الجرائم والانتهاكات ما بات لا يحصى. سجونه تمتلئ بعشرات الآلاف ممن تم تزوير اتهامات ضدهم لمجرد أنهم عارضوه، أو لمجرد أنهم قالوا في استبداد سلطته كلمة حق. وهي جرائم لم تقتصر على تركيا وحدها، بل تعدت إلى كل مكان مد يده إليه.
في سوريا قام بإنشاء مليشيات مسلحة، وحدد لها وظيفة تكاد تكون وحيدة هي مواجهة السوريين من أكراد وعرب، من الذين قادوا الهجوم على تنظيم داعش وكنسوا دولته من الرقة وغيرها من المناطق. واستخدم هذه المليشيات لكي يحولها إلى مرتزقة تخوض حربه الأخرى في ليبيا.
يقول تقرير للجنة حماية الصحفيين، إن تركيا من البلدان الأكثر قمعا للصحفيين، إذ حيث بلغ عدد الصحفيين الذين اعتقلوا في العام 2016 بمفرده، 273 صحفيا.
وعلى الرغم من كل الدعوات الدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار هناك، بل وعلى الرغم من الهدنة التي عرضها المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، فإن مليشيات أردوغان التي تتحكم بحكومة فايز السراج رفضت الهدنة وقررت استمرار المعارك، التي يقودها ضباط أتراك بالأساس.
وهو استخدم قواته وسفنه لتعتدي على حقوق الغير في البحر الأبيض المتوسط مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات ضد بلاده، والى التنديد بأعمال التنقيب عن النفط والغاز قبالة الساحل القبرصي، التي تمثل نوعا من أعمال القرصنة المكشوفة.
واستخدم المهاجرين واللاجئين كأداة ابتزاز ضد الاتحاد الأوروبي، على نحو مكشوف أيضا، حتى أنه لم يتورع بدفع قوات الأمن إلى حمل هؤلاء اللاجئين إلى الحدود ليفتح أمامهم الطريق، رغم معرفته المسبقة بأنهم سوف يواجهون جدارا صلدا من الصد والمعاناة.
وبينما أصبح أردوغان أكثر زعماء العالم إثارة للسخرية، فانه أكثر من قام باعتقال كتاب وأدباء وصحفيين على وجه الكرة الأرضية أيضا. وكان بينهم الصحفي والروائي أحمد ألطان الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة. كما اعتقلت رئيسة حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، كانان كافتانسيو أوغلو، بتهم تشمل إهانة الرئيس وحكم عليها بالسجن لتسع سنوات. وصلاح الدين دميرتاش الرئيس السابق لثالث أكبر حزب في البرلمان التركي. واليوم يحاول حزب أردوغان نزع الحصانة عن 29 من نواب هذا الحزب بالتهمة نفسها وهي تأييد حزب العمال الكردستاني المعارض.
ويقول تقرير للجنة حماية الصحفيين، إن تركيا من البلدان الأكثر قمعا للصحفيين، إذ حيث بلغ عدد الصحفيين الذين اعتقلوا في العام 2016 بمفرده، 273 صحفيا، بينما اعتقل 47 صحفيا في العام 2019 و68 صحفيا في العام 2018.
وهناك الآلاف من النساء المعتقلات اتهمن بدعم المحاولة الانقلابية في 15 يوليو 2016، ولكن الأمر لم يقتصر على النساء وحدهن، بل وعلى أطفالهن أيضا. وهناك تقارير تتحدث عن وجود 864 طفلا دون سن السادسة، بينهم 149 رضيعا ولدا في السجن.
ومنذ المحاولة الانقلابية الفاشلة تلك، تم فصل أكثر من 170 موظفا من وظائفهم، وهو ما كان يعني تجويع أسرهم أيضا، واعتقل أكثر من 41 ألف مواطن من بين 445 خضعوا للتحقيقات وأعمال الترهيب والابتزاز.
وبينما أطلق أردوغان سراح مجرمين ارتكبوا أنماطا شتى من الأعمال المخلة بالشرف، للتخفيف من زحمة السجون تحت وطأة تفشي وباء كورونا، فقد آثر أن يُبقي معارضيه ومنتقديه تحت رحمة الوباء. وكان الأمر ينطوي على تمييز حقود بين السجناء، ونزعة كراهية متأصلة ضد بعضهم. بل وربما خوف شديد أيضا.
وتم عزل أكثر من 40 رئيس بلدية من بين 65 بلدية صوتت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي. ومن بينهم رئيس بلدية ديار بكر، أكبر مدينة كردية في تركيا، فضلا عن غيرها من المدن الكبرى مثل ماردين وفان.
ومثل كل الأنظمة القمعية الأخرى، فان هناك عشرات الآلاف من الأتراك الذين فروا من الجحيم الذين يفرضه أردوغان على شعبه.
وتتنوع جرائم أردوغان إلى درجة أن عدة دول عضو في مجلس حقوق الإنسان في جنيف طالبت تركيا بمطلب مختلف، وكلها تشير إلى أنماط مختلفة وضحايا متفاوتين لانتهاكات يتعرض لها ملايين الأتراك.
أيسلندا، على سبيل المثال، أدانت القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي ونشر خطاب الكراهية في تركيا. وبيرو طالبت تركيا باحترام حقوق الأقليات. وكوريا الجنوبية طالبت بوقف التمييز والعنف ضد المرأة. وبوركينافاسو طالبت بمحاربة ظاهرة زواج الأطفال والعمل على ضمان حقوق المرأة. وكندا طالبت بضرورة الفصل بين جميع السلطات. وتشيلي طالبت تركيا بالانضمام إلى اتفاقية الاختفاء القسري.
سلطة أردوغان تمثل نموذجا لعهد مظلم. وعلى الرغم من كل تاريخها المضطرب وتجاربها المتعثرة، فإنها تكاد لم تعرف عهدا أسوأ منه، أو أكثر قهرا وتعسفا.
ناقدوه، الذين ظلوا خارج السجون، بالكاد يستطيعون، هم أنفسهم، التصريح بما يريدون قوله. ويضطرون إلى استخدام لغة غامضة، وغير مباشرة، للتعبير عن مواقفهم ضد سياساته، ذلك لأن سلطته صارت بالمعنى الحرفي للكلمة تضع شرطيا على أفواه كل الناس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة