"إيريني".. كابوس أوروبي يبدد أوهام أردوغان في ليبيا
العملية التي تستهدف مراقبة تطبيق حظر توريد السلاح إلى ليبيا ستنهي آمال الإرهاب في هذا البلد وتقطع تدفق الأسلحة التركية إلى المليشيات
منذ إعلان الاتحاد الأوروبي إعادة إطلاق العملية البحرية "إيريني"، تعاملت حكومة الوفاق غير الدستورية في طرابلس ونظام تركيا مع الإجراء باعتباره موجها ضدهما.
فالعملية التي تستهدف مراقبة تطبيق القرار الأممي الذي يتجدد دوريا منذ صدوره قبل 9 أعوام بحظر توريد السلاح إلى ليبيا، ستنهي على الأرجح آمال الإرهاب في البلد الغني بالنفط مع قطع تدفق الأسلحة التركية على المليشيات.
وتجاهل بيتر ستانو، المتحدث باسم وزير الخارجية بالاتحاد الأوروبي، رسالة فايز السراج، رئيس ما يسمى حكومة الوفاق، أوائل الشهر الماضي، والتي أبدى فيها احتجاجه على العملية "إيريني"، وأكد التوصل لاتفاق بين الدول الأعضاء في الاتحاد لتوفير أولى السفن والطائرات والأقمار الصناعية اللازمة لبدء العملية.
ولن تؤثر العملية إيريني أو "السلام" باليونانية على تدفق السلاح التركي للإرهاب في ليبيا فقط وإنما أيضا على دعم مليشيات طرابلس بـ"مرتزقة سوريا".
- أطماع أردوغان الاستعمارية تنسف خطوات السلام في ليبيا
- كاتب تركي: أردوغان يجند لوبي لتغيير سياسات ترامب بشأن ليبيا
ومنذ توقيع مذكرتي تفاهم بين السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نهاية العام الماضي، خرج دعم أنقرة للإرهاب إلى العلن بعد سنوات من السرية، وتولت تركيا تصدير الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا لإنقاذ تنظيم الإخوان الذي حاصره الجيش الليبي في الغرب.
من سوريا إلى ليبيا.. أطماع تركيا لا تتبدل
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه ليبيا تصاعدا للعمليات العسكرية غربي البلاد، حيث يسعى الجيش الوطني الليبي لبسط سيطرته على كامل التراب الليبي ودخول العاصمة طرابلس وإنهاء وجود المليشيات والجماعات الإرهابية.
ومع تقدم الجيش الليبي في معاركه لدحر الإرهاب، حصلت المليشيات المنضوية تحت سلطة حكومة فايز السراج غير الدستورية على دّعم تركي وقطري واسع بالأسلحة والعتاد الحربي وأنظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيرة والمقاتلين المرتزقة من سوريا ومن التنظيمات الإرهابية الفارة من الحرب السورية، ودعم إعلامي عبر منصات الدوحة.
واستنفر الدعم التركي جهودا دولية للحيلولة دون استمرار تدفق السلاح للإرهاب في طرابلس، الأمر الذي يؤخر كل المساعي لاستقرار البلاد.
ويأتي التدخل التركي في ليبيا في إطار سياسة دأبت عليها أنقرة من خلال التعبير عن السخط والهلع عندما يقع أي متغير يسير في غير هواها وليس في صالحها في البلدان التي تدس أنفها فيها وتحاول النفاذ إلى أوضاعها السياسية وثرواتها الاقتصادية وأهميتها الأمنية والاستراتيجية.
وعززت تركيا من وجودها العسكري في ليبيا مؤخرا، وكثفت من دعمها التسليحي لمليشيات حكومة الوفاق الليبية، بهدف تمكينها من تحقيق تقدم ميداني على الأرض في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
واستغل نظام أنقرة انشغال أوروبا بمواجهة فيروس كورونا، لذلك أراد أن يحرز تقدما قبل تمكن الدول الأوروبية من بدء عمليتها البحرية "إيريني" فعليا، خاصة أن معظم الدعم العسكري التركي لمليشيات الوفاق يأتي عن طريق البحر.
وأسهم التدخل التركي على خط الأزمة الليبية في تعقيد مهمة التوصل إلى حل سياسي شامل، كما دفع باتجاه خرق مليشيات حكومة الوفاق لاتفاق وقف إطلاق النار في أكثر من مناسبة لاستغلال ذلك من أجل تحقيق مكاسب ميدانية.
ويجمع مراقبون على أن تدخل أردوغان في ليبيا لا يتوقف فقط عند حدود دعم تنظيم الإخوان الإرهابي وإنما أيضا نهب نفط البلاد والسعي لتوفير موطئ قدم على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض لتضييق الخناق على حقوق التنقيب القبرصية.
وكشف رئيس لجنة السيولة في المصرف المركزي الليبي بالبيضاء رمزي آغا، في فبراير/شباط الماضي، أن "المركزي الليبي" بطرابلس حوّل 4 مليارات من احتياطياته النقدية إلى المصرف المركزي التركي وديعة بدون الحصول على عائد عليها.
ورغم الرفض الليبي للوجود العسكري التركي، فإن أنقرة تؤكد بين الفينة والأخرى أنّها ستواصل الدفاع عن حكومة السراج، وكان آخر تأكيد في هذا الصدد قد صدر عن الخارجية التركية، الأربعاء الماضي.
والحقيقة البادية للجميع أن أردوغان وحكومته وببساطة شديدة لا ينظران إلى ليبيا إلا على أنها من أسلاب العثمانيين وبقايا استعمارية مباحة لمن هب ودب، وهو ما يتصدّى له الشعب الليبي، رافضاً الوصاية التركية وكل أشكال العبودية والتبعية، بحسب انتقادات صدرت عن المعارضة في الداخل ومختصين في الشأن التركي.
المعارضة التركية ترفض التدخل بليبيا
ولا شك أن التدخل العسكري التركي في ليبيا هو توجه النظام الحاكم فقط، أما أحزاب المعارضة، فترى في ذلك زجا بالبلاد والجيش في أزمات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، متهمة أردوغان بالسعي لتأجيج الأوضاع بليبيا كما فعل بالجارة سوريا.
وفي وقت سابق، وبعد تحرك القوات التركية لليبيا، قالت ميرال أكشينار، زعيمة حزب "الخير" المعارض، إن الرئيس رجب طيب أردوغان "لا يصلح أن يتولى منصب الرئاسة، خاصة عقب الإخفاقات التي شهدتها البلاد مؤخرا بعد التدخل العسكري بكل من سوريا وليبيا".
تصريحات أكشينار جاءت ردا على اعتراف أردوغان بسقوط قتلى من الجنود الأتراك في ليبيا، حينما قال في هذا الصدد: "لدينا بضعة قتلى في ليبيا"، ما أثار حفيظة المعارضة لاستخدامه كلمات لا تليق بالمقام، كما يقولون.
أكشينار اعتبرت تصريحات أردوغان في هذا الشأن "اعترافا بمقتل الأتراك من أجل مجد شخصي لأردوغان".
بدوره، طالب كمال قليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، نظام أردوغان بعدم التدخل في ليبيا.
وقال قليجدار أوغلو في تصريحاته: "الدبلوماسية هي السبيل لحل الأزمات"، داعيا الحكومة "للابتعاد عن الحرب في الشرق الأوسط".
وعبّر زعيم المعارضة عن أمله في عدم انجراف الشرق الأوسط إلى الهاوية، مضيفا: "لا سيما أن الأوضاع هناك ستزداد سوءا".
وكان قليجدار أوغلو قد دعا، في وقت سابق أيضا، الأمم المتحدة لإرسال القوات التابعة لها إلى ليبيا على وجه السرعة، مطالبا حكومة بلاده بالنأي عن التدخل في الشأن الليبي.
في السياق ذاته، قال علي ماهر باشارير، النائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية: "يبدو أن أردوغان لا يتعلم من أخطاء سياساته بشأن سوريا، ويريد تكرارها ثانية في ليبيا".
وتابع باشارير قائلا: "عندما اضطربت الأوضاع في سوريا قلنا علينا ألا نتدخل ونصبح طرفا ضد آخر، لكنه لم يسمع لكلامنا (في إشارة إلى أردوغان الذي كان حينها رئيسا للوزراء) وفعل ما فعله، وها هو حال سوريا الآن لا يخفى على أحد".
وأضاف قائلا: "نعم، حال سوريا يراه الرئيس بأم عينيه، ويدرك أن قراره كان خاطئا، ومن تبعات القرار السلبية أن هناك 5 ملايين سوري يعيشون في تركيا".
ومتحديا أردوغان، قال باشارير: "إذا كنت ترى أن الأمر لا بد منه، ومن ثم قررت إرسال جنودنا إلى هناك ليقاتلوا، فلترسل (نجلك) بلال إلى هناك ليعلي من شأن الوطن كما تظن وتتوهم".
وتساءل: "لماذا على جنودنا أن يقاتلوا هناك لرغبة رئيس البلاد في ذلك؟ وماذا سنفعل إذا تدفق الليبيون على تركيا عند انهيار الأوضاع في بلادهم، كما فعل السوريون؟".
انتقادات لتمرير البرلمان إرسال قوات لليبيا
المعارضة الداخلية للتدخل التركي في ليبيا بدأت مبكرا عند صدور قرار، مطلع العام الجاري، من البرلمان التركي الخاص بإرسال قوات مسلحة إلى ليبيا، حيث واجه حينها سيلا من انتقادات رافضة لاتخاذ هذه الخطوة، والتي تأتي بإصرار من نظام أردوغان، الذي نجح حزبه العدالة والتنمية في تمرير القرار بمساعدة حليفه التقليدي؛ حزب الحركة القومية المعارضة.
وفي هذا السياق، قال حينها أوزغور أوزل، نائب الكتلة النيابية لحزب الشعب الجمهوري، إن "من يخطو خطوة خطيرة كهذه ولا يفكر في عواقبها لا يمكن أن يكون رجل دولة"، في إشارة إلى أردوغان.
وتابع قائلا: "مثل هؤلاء الأشخاص لا يمكنهم إدارة دولة بحجم تركيا، ومثل هذه المواقف والقرارات التي تتخذ دون دراسة للعواقب، لا نراها إلا في الشوارع".
وأضاف أوزل قائلا: "رجال الدولة يدرسون جميع القرارات المصيرية، ويختارون الأنسب منها من حيث استقرار البلاد وأمنها، وهذا ما لم يحدث".
وشدد على أن "قرار البرلمان يتنافى مع جميع الأعراف الدبلوماسية، وسيعزز من توتر الأوضاع في ليبيا والمنطقة"، مضيفا: "أيليق بتركيا أن ترسل جنودها ليكونوا حراسا لحكومة طرابلس التي نجح رئيسها (فايز السراج) في جر الجنود الأتراك إلى هناك، وكان ذلك مقابل توقيعه الاتفاقية المتعلقة بالمنطقة الاقتصادية في المتوسط".
من جانبه قال أونال تشفيك أوز، نائب رئيس الشعب الجمهوري، إن "المذكرة التي وافق عليها البرلمان التركي قرار كارثي بكل المقاييس".
وتابع قائلا: "قيام نظام أردوغان بإرسال جنود أتراك إلى ليبيا يعني تعريض تركيا لخطر كبير"، مؤكدا أن "تحويل تركيا إلى دولة تحارب بالوكالة عن جهات أخرى أمر مخزٍ، لا سيما أن هذا القرار انتهاك للدستور التركي، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
وأضاف تشفيك أوز قائلا: "هذه المذكرة تتعارض مع المادة 92 من الدستور التركي، ومع قرارات مجلس الأمن"، متابعا: "الحل العسكري للأوضاع في ليبيا يجب أن يكون آخر خيار، لأن هذه الخطوة الخطيرة ستزيد الأمور تعقيدا".
aXA6IDMuMTMzLjEzMy4zOSA= جزيرة ام اند امز