أردوغان يحاول توريط نظام الحمدين في استفزاز الدول العربية كلها، كما يحاول توظيف حكومة السراج لتحقيق مكاسب سياسية في الدول الأوروبية
تتناقل وسائل الإعلام العالمية منذ فترة، الأنشطة السياسية التركية المشبوهة في عدد من الدول العربية، منها: ليبيا، وتونس، واليمن.
وللأسف أنها تتم بمساعدة قوى سياسية داخلية تتوافق في أيديولوجيتها مع فكر الرئيس التركي أردوغان وطموحاته السياسية في المنطقة العربية، مثل حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشي، والإخوان المسلمين في اليمن.
والأكثر سوءاً أن أردوغان يحاول توريط نظام الحمدين في استفزاز الدول العربية كلها، كما يحاول توظيف حكومة فايز السراج لتحقيق مكاسب سياسية في الدول الأوروبية المجاورة لليبيا مثل: اليونان وقبرص.
الواضح أن هناك شبه تطابق بين السياسات التي يتبعها نظام أردوغان حالياً مع قوى سياسية ودول عربية، وبين سياسات نظام إيران قبل عام 2003 مع دول عربية
ووصلت به الوقاحة أن يقوم بتهديد الدول الخليجية وحتى العربية عندما اشترك، قبل أيام، مع مستشاره ياسين أقطاي بالقول: إن تدخل الدول الخليجية (في إشارة إلى الإمارات والسعودية) في ليبيا ستكون له آثارٌ سلبية وعواقب وخيمة، وكأنهما يعتقدان أن الشعب التركي والعالم مغيب عما يحدث لجيشه ومرتزقته في ليبيا.
تعوّد نظام أردوغان منذ عام 2012 على ممارسة سياسات التدخل في الشأن العربي بدءاً من سوريا ومصر، ومؤخراً في العراق، وبشكل متكرر، بمناسبة وبغيرها، حتى وصل به الأمر لأن يهدد الآن بتقسيم ليبيا من خلال إثارة الفتنة الداخلية وتغذية الحرب الأهلية باستخدام تنظيمات إرهابية لتحقيق أطماعه السياسية: "أحلام الخلافة"، والاقتصادية: "التنقيب عن النفط والغاز"، كما تعوّد على ابتزاز أنظمة سياسية عربية للعب دور سلبي ضد جوارها.
فإذا كان نظام الحمدين في قطر يقوم اليوم بحملة إعلامية ضد دولة الإمارات والسعودية من خلال "قناة الجزيرة"، فإن حكومة السراج لم يعد أمامها مجال سوى القبول بأن تعطيه حق التنقيب عن النفط على السواحل الليبية ما يعني استغلال تلك السواحل في تنفيذ تهديداته للدول الأوروبية بفتح باب الهجرة إلى أوروبا، خاصة إيطاليا.
الواضح أن هناك شبه تطابق بين السياسات التي يتبعها نظام أردوغان حالياً مع قوى سياسية ودول عربية، وبين سياسات نظام الملالي في إيران قبل عام 2003 مع دول عربية وحزب الله اللبناني وبعض القوى السياسية الطائفية في العراق واليمن "الحوثيين"، للتمدد في تلك الدول، الأمر الذي يعطينا مبرراً للقلق من تكرار التجربة التركية خاصة في ظل الصمت العربي سواءً على مستوى النظام العربي "الجامعة العربية" أو مستوى الدول.
ولا يختلف الإصرار التركي عن الإصرار الإيراني في تحقيق مساعيه للحصول على نفوذ في الدول العربية المتواجد فيها، حتى لو أدى الأمر لتدمير اقتصاد بلاده وتجويع شعبه، وحتى لو كان يعاني رفضاً دوليا يهدد بخسارة العديد من أصدقائه كالذي كان يفعله النظام الإيراني إلى أن خسر فعلاً كل أصدقائه، وبات اليوم يواجه عقوبات دولية.
ما يعني أن الانتباه العربي لأفعال أردوغان والوقوف أمام مساعيه التخريبية، ضرورة وطنية ملحة تقتضيها مسألة عدم تكرار الخطأ الاستراتيجي العربي الناتج عن التردد في الوقوف في وجه طموحات الدول الإقليمية، التي أدت إلى سيطرة إيران على عدد من العواصم العربية.
فاليوم يتكرر المشهد العربي مع تركيا من تنظيم الإخوان المسلمين النسخة السنية، للميليشيات الشيعية في العراق ولبنان.
والشيء الملفت أنه في ظل تصاعد "النغمة" السياسية التركية "الشاذة" وحماقات رئيسها ضد الدول العربية، لا يوجد موقف عربي مشترك، مع أن مشروع أردوغان السياسي في إعادة ما يعرف بـ"الخلافة البالية" بمساعدة "الإخوان المسلمين" يمثل قاسما يهدد جميع العرب، وكأن تلك الدول حائرة كيف يمكن التصرف مع ما يفعله أردوغان أو كأنها تحاول الانتظار لترى ما سوف تؤول إليه الأمور وكأن التجربة الإيرانية لم تكن كافية.
سيناريو التمدد التركي في الدول العربية بوجود أنظمة سياسية وتنظيمات قبلت أن تخدم أجندات ضد أوطانها وضد أشقائها التي تحاول أن تحافظ على استقرار مجتمعاتها، وارد حدوثه.
فالتجربة الإيرانية تذكرنا بهذا السيناريو، لذا فإنه من المهم أن تقف الدول العربية وحتى الأوروبية والغرب عموماً مع دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، وإثبات جديتهم في وضع حد للغطرسة التركية وأن تكون مواقفها واضحة وغير مؤجلة لحين حدوث المفاجأة، لأننا نتعامل مع أنظمة لا تفكر بمنطق بقدر تعاملها بمفهوم "البلطجة"!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة