لا شك أنه من المبكر الحديث عن ما يمكن لحكومة "الكاظمي" أن تحققه على المستويين الداخلي والخارجي، ولكن لا يخفى على أحد صعوبة هذه المهمة.
شهدت الحكومة العراقية برئاسة "مصطفى الكاظمي" ولادة عسيرة، ولكنها ولدت ورأت النور مما يعطيها سمة خاصة وعنواناً من النجاح بمجرد رؤيتها النور في خضم الواقع السياسي والميداني والاقتصادي المضطرب حد المواجهة، لا سيما وأن الأجندات الخارجية هي اللاعب الأبرز على محور التيارات السياسية على حساب القضايا الوطنية والقومية لبلاد الرافدين.
الأجندات التي لا تخفى على الرجل ذي الخلفية الاستخباراتية التي بين يديها كل الملفات الداخلية والخارجية، بدءاً من الملفات السياسية والميدانية، وليس انتهاء بالملفات الاقتصادية، مما يعطي "الكاظمي" ميزة العلم بكل ما يدور على الساحة العراقية الأمر الذي أسهم بما لا يدع مجالاً للشك في نجاحه بتشكيل الحكومة التوافقية التي يرأسها.
إلا أن الأمر ليس مرهوناً بالداخل العراقي الذي يعيش واقعاً صعباً بل لا غلو في قولنا أن الواقع السياسي الخارجي أكثر وعورة وأشد تشابكاً إذا ما تم طرحه على طاولة التوازنات الاستراتيجية للعراق، والتي تتبلور في توازنين لا يقل أحدهما أهمية – على تعالقهما – عن الآخر ألا وهما:
التوازن الإقليمي: منذ الإطاحة بنظام "صدام حسين" والعراق ما بين مد وجزر بين ملفين رئيسين على المستوى الإقليمي إن لم يكونا حقيقة معسكرين وتيارين متناقضين، الأول إيراني دخيل والآخر عربي أصيل، فمن تداعيات الفراغ بسقوط النظام العراقي أن وجدت إيران لنفسها محط قدم على الساحة العراقية.
قدم لا تدخر دولة المرشد ورقة ولا سياسة لترسيخها بل وحتى الاستفراد بالعراق وإخضاعه كحديقة خلفية لطهران على مدى عقدين من الزمن، إلا أن التيار الوطني العراقي ضاق ذرعاً بهذه السياسة والتبعية ليعود بالتيار القومي المناهض للمشروع الفارسي لإثبات ذاته على الساحة السياسية العراقية، والذي بدأت إرهاصاتها الحقيقية بشكل لافت منذ حكومة "العبادي"، التي حاولت بشتى الطرق أن تكون توافقية معتمدة التوازن الاستراتيجي على المستويين العربي الأصيل والإيراني المفروض بمنطق حكم الواقع.
لا شك أنه من المبكر اليوم الحديث عن ما يمكن لحكومة "الكاظمي" أن تحققه على المستويين الداخلي والخارجي، ولكن لا يخفى على أحد صعوبة هذه المهمة وإشكالياتها المعقدة .
الأمر الذي أكد تنامي التيار الوطني والقومي، والذي تُرجمت أصالته وتناميه بما لا يدع مجالاً للشك بزيارة رئيس الحكومة العراقي السابق "عادل عبد المهدي" في بداية توليه رئاسة الحكومة للمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى تغيير المزاج السياسي العام في العراق الداعي إلى عدم سلخ العراق من هويته العربية لتؤكده زيارة الرئيس العراقي "برهم صالح" عام 2018 بُعيد تكليفه بمنصب رئيس الجمهورية العراقية، للمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.
لتأتي اليوم حكومة "الكاظمي" بمباركة عربية وإن حاولت الأذرع الإيرانية تصوير حكومة "الكاظمي" على أنها بمباركتها الخالصة، إلا أن الواقع يثبت أن هذه الحكومة جاءت بتوازن استراتيجي – على المستوى السياسي – بين التيارين الإقليميين العربي الأصيل والإيراني الدخيل الذي بدأ بالتضاؤل، الأمر الذي يجعل هذه الحكومة أمام ملف جد شائك في مواجهة النفوذ الإيراني المتغلغل الذي لا يحظى بأي قبول إقليمي أو دولي، ولا سيما بعد أن حاولت "طهران" تحويل العراق لساحة مواجهة ونقل معاركها الدولية إلى الساحة العراقية .
التوازن الدولي: إن ملف التوازن الدولي لا يقل خطورة وتشابكاً عن ملف التوازن الإقليمي بل إن أحدهما مبني على الآخر بعلاقة تبادلية لا يمكن فصل أي منهما عن نظيره، لا سيما وأن العراق اليوم يواجه تحديات شتى على كافة المستويات السياسية والسخط الشعبي والتناحر السياسي بين التيارات المتصارعة على السلطة، والميداني المتمثل بتهديدات تنظيم "داعش" الذي لم يزل تهديده بشكل نهائي، إلى تنامي ميليشيا "الحشد الشعبي" التي تدين بالولاء لطهران حد اعتبار نفسها القوة الضاربة التي لا تعترف حتى بالمؤسسة العسكرية العراقية الوطنية.
وأيضا التحديات المتمثلة بمحاولات زعماء الميليشيات المسلحة تنفيذ الأجندات الإيرانية بضرب المصالح العراقية ولا نقول الأمريكية، لأن الواقع العراقي الراهن يفرض على العراق التساوق مع المصالح الأمريكية التي تمثل السياسة الدولية، وما من شأنها من المحافظة على تماسك الحكومة وهيكلة المؤسسات وتأمين التوازن اللازم للعبور بالعراق من مأزقه الراهنة.
ولا سيما على المستوى الاقتصادي الذي يعيش أسوأ أيامه بعد "جائحة كورونا" وتهاوي أسعار النفط الدخل الرئيس للعراق، ومما يثبت لحكومة "الكاظمي" مصداقيتها لدى السياسة الدولية بأنها ستنجح في ضمان هذا التوازن ما أعرب عنه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في اتصال هاتفي مع "الكاظمي" بعد تشكيل حكومته، من استعداد واشنطن لتقديم المساعدات الاقتصادية للعراق بالإضافة إلى التشديد على رغبة الولايات المتحدة في تعزيز العلاقات مع "بغداد".
لا شك أنه من المبكر اليوم الحديث عن ما يمكن لحكومة "الكاظمي" أن تحققه على المستويين الداخلي والخارجي، ولكن لا يخفى على أحد صعوبة هذه المهمة وإشكالياتها المعقدة والملفات الوعرة التي تنتظرها، إلا أن مجرد تشكلها يعد نجاحاً يحسب لها لما له من خلق توازنات إقليمية ودولية لا يخفى على رئيسها المعلَن منها ولا المخفي، وهو الرجل الذي جاء بعد عمل طويل بالاستخبارات فهو أدرى بما ينتظره وحكومته من تلك الملفات بسريتها وعلانيتها، فكان هذا الرجل الخيار الأفضل لمثل هذه المرحلة الحساسة من الواقع العراقي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة