خفض للفائدة بالأفق.. هل تسبح روسيا ضد التيار العالمي مجددًا؟
دائمًا ما تحمل البيانات الاقتصادية في طياتها إشارات نحو تطبيق سياسات ربما تكون مفاجئة وصادمة للأسواق العالمية، كما هو الحال في روسيا.
ففي ظل السباق العالمي للبنوك العالمية على تشديد سياستها النقدية ورفع معدلات الفائدة لاحتواء التضخم المتسارع والحد من مخاوف الركود التضخمي الذي بات تهديدًا رئيسا للاقتصادات، تمضي روسيا نحو إقرار خفض جديد لأسعار الفائدة.
خمول نشاط المستهلك.. كلمة السر
البيانات المتاحة اليوم تشير إلى استمرار تراجع نشاط المستهلك في روسيا، وبحسب تقديرات بنك جازبروم ومجموعة "رومير" الروسية للأبحاث فإن الإنفاق الحقيقي للأسر خلال هذه الفترة جاء أقل بنسبة 11.4% عما كان عليه قبل عام.
خفض جديد للفائدة.. والسبب انكماش الاقتصاد
بحسب ما ذكره مصرف "جازبرومبانك"، قد يخفض البنك المركزي الروسي سعر الفائدة الرئيسي في اجتماع مقرر له في 16 من سبتمبر/أيلول المقبل، بواقع 50 نقطة أساس في حالة "استمرت الاتجاهات الإيجابية"، مع وصول تكلفة الاقتراض إلى 7% بحلول نهاية العام.
ونقلت وكالة "بلومبرج" للانباء الخميس 18 أغسطس/آب 2022، عن الخبير الاقتصادي المقيم في موسكو، بافيل بيريوكوف، قوله في مذكرة، إن "الانكماش المستمر، وإن كان بوتيرة أبطأ، مازال يأتي مدفوعًا بضعف الاستهلاك".
وكان إحصاء تداعيات الحرب بالنسبة لروسيا قاتمًا، فالاقتصاد الذي كان ينمو بوتيرة متسارعة في بداية عام 2022 أصبح متجهاً نحو انكماش خلال الربع الثاني.
لكن بيانات صدرت في 12 أغسطس/آب الجاري، أظهرت انكماش الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة منذ أكثر من عام، لكنَّه ظل أفضل من المتوقَّع، فقد سجل انكماشاً على أساس سنوي بنسبة 4%.
بالنظر إلى الناتج الاقتصادي المفقود؛ فإنَّ الناتج المحلي الإجمالي الآن يعادل تقريباً حجمه في عام 2018، بحسب "بلومبيرج إيكونوميكس".
وتسبّبت صدمة العقوبات الدولية الناتجة عن الحرب في تعطيل التجارة، وأصابت صناعات مثل تصنيع السيارات بحالة شلل، بينما توقف الإنفاق الاستهلاكي.
بالرغم من أنَّ تراجع الاقتصاد حتى الآن ليس سريعاً كما كان يُتوقَّع في البداية، إلا أنَّ البنك المركزي في البلاد يتوقَّع تفاقم الركود في الأرباع السنوية المقبلة ليبلغ أدنى مستوياته في النصف الأول من العام المقبل.
وكان البنك المركزي الروسي قد فاجأ الأسواق أواخر يوليو الماضي، عندما اتخذ قرارًا بخفض سعر الفائدة بواقع 1.5% "150 نقطة أساس" إلى مستوى 8% سنوي، مسجلاً الخفض الخامس على التوالي منذ أن أطلق زيادة طارئة من 9.5% إلى 20% في أواخر فبراير/شباط الماضي.
وأشارت رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، إلى أن المركزي سيستمر في تغيير سعر الفائدة الرئيسي بناء على معدل خفض التضخم.
وجاء القرار مخالفا لتوقعات الأسواق، إذ توقع خبراء ومحللون أن يخفض المركزي الروسي سعر الفائدة الرئيسي بواقع 0.5% - 1%.
احتواء العقوبات الغربية.. هل تنجح الفائدة المنخفضة؟
لقد أدت تدابير التحفيز المالي والتخفيضات الكبيرة في أسعار الفائدة إلى الحد من التأثير قصير الأجل للعقوبات.
كان من الممكن أن يكون الانكماش أعمق بكثير لكن البنك المركزي اتخذ إجراءات فورية لمنع حدوث أزمة مالية. كما يبدو أيضًا أن مرونة قطاع الطاقة في روسيا خففت من تأثير العقوبات الغربية.
وعلى الرغم من أن العديد من الاقتصاديين يركزون على التهديدات الهيكلية طويلة الأجل للاقتصاد الروسي، التي تسعى الحكومة والبنك المركزي لمواجهتها، فإن الانهيار الفوري الذي تنبأ به البعض لم يؤت ثماره.
وكما قال كريس ويفر، الرئيس التنفيذي لشركة "ماكرو-أدفايزوري" ومقرها موسكو، الاقتصاد الروسي "يتعثر ولا يغرق"، فالدولة الروسية تمثل أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أقل من 25%". وأضاف، أن "هذا الخلل يقيد النمو خلال الأوقات العادية، ولكنه يعزل الاقتصاد في أوقات الأزمات".
الحكومة والشركات والأشخاص معتادون على الأزمات الاقتصادية (هذه هي الأزمة الخامسة منذ عام 1991) وهياكل الدعم لأصحاب العمل والمجالات الاجتماعية متطورة بشكل جيد". وفي غضون ذلك، عادت ثقة الأعمال التي انخفضت بشكل حاد في مارس وأبريل الماضيين، إلى المتوسطات طويلة الأجل لكل من التصنيع والخدمات.
انتعاش الاحتياطيات الدولية
وفي 12 أغسطس/آب الجاري، كان البنك المركزي قد أعلن في بيان أن الاحتياطيات الدولية للاتحاد الروسي بلغت 580.6 مليار دولار، بعد أن زادت بنسبة 1.01٪ (أو 5.8 مليار دولار) خلال أسبوع واحد فقط، تحت تأثير رفع إيجابي للعملة، واعتبارًا من 5 أغسطس 2022، بلغ حجم الاحتياطيات الدولية 574.8 مليار دولار.
والاحتياطيات الدولية، وهي أصول أجنبية عالية السيولة يحتفظ بها بنك روسيا وحكومة الاتحاد الروسي، تتكون من صناديق العملات الأجنبية وحقوق السحب الخاصة ومركز الاحتياطي في صندوق النقد الدولي والذهب النقدي.
وفي وقت سابق، قالت رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، إنه نتيجة للعقوبات الغربية تم تجميد حوالي 300 مليار دولار من احتياطيات روسيا من الذهب والنقد الأجنبي.
وحدد بنك روسيا سعر الصرف الرسمي للدولار في 19 أغسطس 2022 عند مستوى 59.957 روبل، أي 79.82 كوبيل، أقل من الرقم السابق، وتم تخفيض سعر صرف اليورو الرسمي بمقدار 93.65 كوبيل إلى 60.8957 روبل.
وتحسنت المعنويات الاقتصادية للروس مقارنة بشهر مارس 2022، وانخفضت نسبة المواطنين المتشائمين بأكثر من النصف وذلك، وفق بيانات الاستطلاع لمؤسسة الرأي العام (FOM) المنشورة يوم الخميس على الموقع الرسمي للمنظمة.
وبحسب الاستطلاع، كانت نسبة المواطنين المتفائلين في يونيو 2022 حوالي 9% مقابل 19% في مارس من العام نفس، وبلغت نسبة المتفائلين إلى حد ما 13% في مارس و 19% في يونيو.
وظلت نسبة المستجيبين ذوي المشاعر الاقتصادية المحايدة دون تغيير تقريبًا وبلغت 33% مقابل 37% على التوالي في مارس من هذا العام وكان هناك 17% يميلون إلى التشاؤم، وفي يونيو انخفضت حصتهم إلى 12% كما انخفض عدد المواطنين المتشائمين بشكل لا لبس فيه إلى أكثر من النصف - من 29% إلى 13%.
ومن بين المتفائلين، اشتكى 10% فقط من العمال من انخفاض في الدخل، بين أولئك الذين يميلون إلى التفاؤل، كانت هذه النسبة 11%، وكذلك بين المحايدين (11%)، وبين أولئك الذين يميلون إلى التشاؤم – 16%"، جاء في التقرير.
aXA6IDUyLjE0LjExMC4xNzEg جزيرة ام اند امز