الفيدرالي الأمريكي يربك الأسواق.. خفض محدود للفائدة وتلميحات حذرة من باول
 
                                        أعلن صانعو السياسات في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يوم الأربعاء، خفض سعر الفائدة على الإقراض لليلة واحدة بمقدار ربع نقطة مئوية (25 نقطة أساس)، ليصل السعر المرجعي إلى نطاق مستهدف بين 3.75% و4%، وجاءت نتيجة التصويت 10 مقابل 2.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، حذّر من أن خفضًا جديدًا للفائدة في ديسمبر/كانون الأول "ليس أمرًا مفروغًا منه"، مؤكدًا أن المجلس يراقب التحولات في سوق العمل "بعناية فائقة" بعد موجة من عمليات التسريح في كبرى الشركات الأمريكية.
وقال باول: "نلاحظ عددًا متزايدًا من الشركات التي تُعلن عن تقليص التوظيف أو الاستغناء عن موظفين، وغالبًا ما تُبرر ذلك بتأثيرات الذكاء الاصطناعي". وأضاف: "نحن نتابع هذا التطور بدقة".
وجاءت تصريحاته بعد إعلان أمازون هذا الأسبوع عن تسريح 14 ألف موظف، وإقدام شركة باراماونت الإعلامية العملاقة على فصل نحو ألف عامل في مختلف أقسامها، من بينها "سي بي إس نيوز"، كما كشفت شركة "يو بي إس" عن نيتها إنهاء خدمات 48 ألف موظف خلال العام، في حين أعلنت "تارغت" الأسبوع الماضي عن إلغاء 1800 وظيفة، في أول عملية تسريح كبرى منذ عقد.

وفقا لشبكة CNBC، أوضح باول أن سياسة أسعار الفائدة الحالية من غير المرجح أن تؤثر على إنفاق قطاع التكنولوجيا في مجال الذكاء الاصطناعي، مضيفًا: "الإنفاق على مراكز البيانات لا يبدو حساسًا لسعر الفائدة مقارنة بقطاعات أخرى، إذ تُبنى هذه الاستثمارات على تقييمات طويلة الأجل تُشير إلى تعزيز الإنتاجية".
وأشار باول إلى أن صانعي السياسة النقدية بات لديهم شعور متزايد بضرورة التريث لتقييم آثار التخفيضين السابقين للفائدة هذا العام قبل اتخاذ خطوات جديدة، قائلاً: "لقد خفضنا أسعار الفائدة مرتين إضافيتين، ونحن الآن أقرب إلى مستوى الحياد، وهناك قناعة متزايدة بأن الوقت مناسب للانتظار على الأقل لدورة واحدة مقبلة".

وأضاف أن التضخم، باستثناء تأثير الرسوم الجمركية، "ليس بعيدًا عن الهدف البالغ 2%"، موضحًا أن الرسوم تمثل نحو نصف نقطة مئوية من مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (PCE)، ما يعني أن المعدل الفعلي للتضخم يتراوح بين 2.3% و2.4%. وأكد أن "الزيادة الناتجة عن الرسوم الجمركية مؤقتة ولن تتكرر".
وبيّن باول أن المجلس سيواصل تقييم الوضع الاقتصادي استنادًا إلى مصادر خارج البيانات الحكومية، خاصة في ظل الإغلاق الحكومي المستمر الذي يحد من توفر الإحصاءات الرسمية، مضيفًا أن "أي تغيّر جوهري في المؤشرات الاقتصادية سيؤثر في قرارات اجتماع ديسمبر المقبل".
وتُظهر العقود الآجلة لصناديق الاحتياطي الفيدرالي تراجع احتمالات خفض الفائدة مجددًا في ديسمبر/كانون الأول، إذ ارتفع احتمال الإبقاء على المعدل الحالي بين 3.75% و4% إلى 29%، مقابل 9% في اليوم السابق، فيما تراجعت احتمالات خفض آخر إلى أقل من 69% بعدما تجاوزت 90%.

وجاء ذلك بعد تصريحات باول التي أكد فيها أن "خفض الفائدة في ديسمبر/كانون الأول ليس حتميًا"، ما تسبب في هبوط ملحوظ للأسهم الأمريكية، إذ انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 66 نقطة (0.1%)، وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قليلاً، بينما حافظ مؤشر ناسداك على ارتفاع طفيف بنسبة 0.3%.
ووصف باول الإغلاق الحكومي المستمر -ثاني أطول إغلاق في تاريخ الولايات المتحدة- بأنه "يؤثر سلبًا على النشاط الاقتصادي"، مشيرًا إلى أن مكتب الميزانية في الكونغرس قدّر خسائر الناتج المحلي الإجمالي بنحو 7 مليارات دولار بحلول نهاية عام 2026، مع احتمال تفاقمها إذا استمر الإغلاق.
وأكد باول أن غياب البيانات الحكومية منذ أربعة أسابيع جعل تقييم سوق العمل أكثر تعقيدًا، قائلاً: "تشير المؤشرات المتاحة إلى تباطؤ في التوظيف، وتزايد مخاطر سلبية على سوق العمل في الأشهر الأخيرة".
كما أشار إلى أن البيانات الاقتصادية السابقة على الإغلاق أظهرت نموًا اقتصاديًا أقوى من المتوقع، مدفوعًا بزيادة إنفاق المستهلكين. لكنه أقر بصعوبة تقييم التقدم الحالي في ظل توقف عمليات جمع البيانات الحكومية.
وقال باول إن أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة تباينت آراؤهم حول الخطوة المقبلة، موضحًا أن "إجراء خفض جديد في ديسمبر ليس أمرًا مفروغًا منه، بل على العكس تمامًا، هناك حاجة إلى تقييم شامل قبل اتخاذ أي قرار".
ورأت ألكسندرا ويلسون-إليزوندو، كبيرة مسؤولي الاستثمار في "غولدمان ساكس"، أن نقص البيانات الاقتصادية بسبب الإغلاق جعل الفيدرالي أكثر حذرًا، متوقعة خفضًا إضافيًا بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر/كانون الأول إذا استمرت الظروف الحالية.
بينما قال سكوت هيلفشتاين، رئيس استراتيجية الاستثمار في "غلوبال إكس"، إن "انخفاض الفائدة مع وفرة السيولة يُشكّل مزيجًا قويًا للأسواق"، لكنه حذر من أن ضعف البيانات قد يؤدي إلى سوء تقدير لقوة الاقتصاد الأمريكي.
وبعد إعلان القرار، سجلت المؤشرات الأمريكية الثلاثة الرئيسية ارتفاعات جديدة، إذ صعد مؤشر ناسداك 0.5%، وستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.1%، وارتفع داو جونز الصناعي 96 نقطة (0.2%)، مسجلة جميعها مستويات قياسية خلال الجلسة.
وأكد بيان اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أن النشاط الاقتصادي "يتوسع بوتيرة معتدلة"، مشيرًا إلى تباطؤ نمو الوظائف وارتفاع طفيف في البطالة حتى أغسطس، فيما ظل التضخم مرتفعًا "إلى حد ما".
ويؤثر القرار الجديد للفيدرالي بشكل مباشر على أسعار القروض وبطاقات الائتمان ذات الفائدة المتغيرة، إذ من المتوقع أن تنعكس التخفيضات على معدلات الفائدة الأساسية خلال دورة أو اثنتين من الفواتير، بينما تتأثر القروض العقارية والسيارات والطلاب بوتيرة أبطأ، لكنها تبقى ضمن دائرة التأثر العام بسياسات المجلس النقدية.
وأوضحت الخبيرة الاقتصادية كلوديا سهام أن نقص البيانات بسبب الإغلاق قد يدفع الفيدرالي إلى التريث قبل إجراء أي تعديل جديد، مضيفة أن المجلس "قلق من تباطؤ خلق الوظائف واحتمال تحوله إلى ركود اقتصادي محتمل".
وختمت سهام تصريحها بالقول إن الفيدرالي "يريد أن يفهم زخم الاقتصاد الحقيقي قبل اتخاذ أي قرار جديد"، مؤكدة أن البيانات القادمة لشهر سبتمبر ستكون حاسمة لتوجه اجتماع ديسمبر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY5IA== جزيرة ام اند امز
 
                                                            
                                                     
                                                            
                                                     
                                                            
                                                    