مصالح ومخاوف.. روسيا وأوروبا في ميزان ملتقى أبوظبي الاستراتيجي
ناقشت الجلسة السادسة لملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثامن، التنافس الحالي على النفوذ بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، في ظل المصالح
والمخاوف المشتركة للجانبين.
الخلاف بين روسيا وأوروبا حول ملف الهجرة واللاجئين بشكل حاد، برز بشكل كبير خلال مناقشات الجلسة السادسة للملتقى، ويبدو أن الأزمة المشتعلة بين أوروبا وبيلاروسيا حول ملف الهجرة غير الشرعية، ألقت بظلالها على النقاش. كما برز الخلاف حول قضايا الاعتماد المتبادل، والطاقة، والأمن السيبراني، وقضايا حقوق الإنسان.
في السياق أكد زكي لايدي؛ مستشار أول للمثل الأعلى ونائب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، أنه لبحث الموقف الحالي بين الجانبين يجب التأكيد على أن أوروبا ليست دول-أمة واحدة، وبالتالي لا يجب النظر إليها كقوة عالمية واحدة، بل مجموعة من الأمم التي قررت التنازل لبعضها البعض في مجال السيادة، ومشاركة الصلاحيات حول عدد من القضايا.
وأوضح زكي لايدي، خلال حديثه في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثامن الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات، أن المشروع الأوروبي بُني أساسا ضد السياسة، وخارج سياقها، لأنه كان يهدف بالأساس إلى جمع الأوروبيين معاً، بعد عقود من الصراع البيني، وهذا الهدف العظيم تحقق بالفعل، ولكنه لم يكن يهدف مطلقاً إلى بناء قوة عالمية جديدة، ربما باستثناء الفرنسيين الذين كان يدور في رأسهم مثل هذا الهدف.
وتابع، اكتشف الأوروبيون بأن الاعتماد المتبادل مع بعض القوى الدولية يخلق مواطن ضعف، وأن بعض الأطراف يستغلون هذا الاعتماد المتبادل كورقة في التنافس الجيوسياسي. ولذلك قلنا للروس بأننا سندفعكم إلى الوراء، وسوف نقلل من الاعتماد المتبادل بيننا. وعلى الرغم من ذلك، ظل لدينا خريطة واسعة من الأهداف المشتركة مع روسيا.
التوازن الاستراتيجي العالمي
ترغب روسيا بالتعافي وبالعودة كقوة وازنة في المشهد الدولي، ويجب أن تحترم أوروبا هذه الرغبة، كما يجب أن تنظر روسيا بعين الاهتمام إلى مصالح أوروبا، وهواجسها الأمنية التي تقع في دائرة اهتمام وتأثير روسيا.
وهنا أكد نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، أن روسيا مطالبة اليوم باستخدام نفوذها لدى دول شرق أوروبا خاصة نظام لوكوشينكو في بيلاروسيا الذي يستخدم المهاجرين غير الشرعيين كورقة من أجل الضغط على أوروبا، وابتزازها.
من جانبه قال أندريه كورتونوف؛ المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية، أن روسيا قوة عظمى، وهي مهمة للتوازن الاستراتيجي العالمي، ولديها قوة ضخمة، وهي عضو دائم في مجلس الأمن، ولديها العديدة من المنظومات الاقتصادية، والتكتلات، والأسواق، ويتمتع الروس بمستوى عالٍ من التعليم.
وأوضح أندريه كورتونوف، خلال حديثه في الجلسة السادسة للملتقى، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلم جيدا أن على موسكو تنويع ملفات السياسة الخارجية الخاصة بها من أجل زيادة تأثير روسيا.
وأضاف أن من وجهة نظر روسيا فهي ترى أوروبا تتراجع، وفي المقابل يرى الأوروبيون أن روسيا تواجه العديد من الأزمات الداخلية، وأنها معرضة للمخاطر. ومن الضروري معرفة أن كلا وجهتي النظر هاتين خاطئة.
في المقابل روسيا والاتحاد الأوروبي لديهما مصالح ومخاوف مشتركة من احتمالية اتجاه النظام الدولي إلى ثنائية قطبية بدلا من تعددية الأقطاب. ويبدو من الضروري لروسيا والاتحاد الأوروبي تحديد قواعد الاشتباك، وثمة فرصة للعمل على الأقل في إطار مشترك، إن لم يكن بينهما أجندة مشتركة. وعلى سبيل المثال تستطيع روسيا والاتحاد الأوروبي العمل معها في المنهجية القارية لمواجهة الهجرات خاصة مع التطورات في أفغانستان.
التحالفات
وحول التحالفات الدولية، قال كليف كوبتشان رئيس مجموعة أوراسيا المتخصصة في استشارات المخاطر السياسية، إنه في إطار التنافس الصيني الأمريكي، اختارت روسيا الشراكة مع الصين، فيما تميل أوروبا بشكل طبيعي إلى أمريكا، لكن أوروبا راغبة بمزيد من الاستقلال عن أمريكا. ولا تزال المنافسة قوية بين الولايات المتحدة والصين في مسألة استقطاب أوروبا ما يشير إلى أهمية أوروبا بالنسبة لهما.
وتابع، رئيس مجموعة أوراسيا المتخصصة في استشارات المخاطر السياسية، "الاتحاد الأوروبي يصعب مقارنته بدولة واحدة، ولا يجب النظر إليها كلاعب أو فاعل واحد في المشهد الدولي، وهذه المقاربة تخلق تصورات خاطئة".
في السياق وصف باولو ماجري؛ نائب الرئيس التنفيذي للمعهد الإيطالي لدراسات السياسة الدولية، موقف أوروبا وروسيا بـ"صديقان يذهبان للجيم" أحدهما قوي في القدمين، والآخر قوى من اليدين والكتفين، وكل منهما يرى نقاط ضعف الآخر، لكن لو تدرّبا معا، سيستفيد كلاهما من الآخر.
وأكد باولو ماجري، أن أوروبا تميل بشكل واضح إلى جانب أمريكا، لكنها تتمتع بروابط قوية مع الصين، ولا يفضل الأوروبيون أن يضطروا للاختيار. روسيا وأروبا يفضلان عالما متعدد الأقطاب، وهذا لا يتعارض مع الاعتماد الأوروبي الكبير على الولايات المتحدة، شريطة الحفاظ على الاستقلالية، ولذلك هناك حاجة إلى مزيد من المبادرات الجماعية التي تظهر للولايات المتحدة والصين بأنه دائما لدى أوروبا خيار الذهاب باتجاه الطرف الآخر.
من جانب أخر قال سيرجي بريليف؛ رئيس اتحاد الطاقة العالمي ونائب المدير العام لقناة "روسيا الأولى" ، إن عنوان الجلسة النقاشية فيه تمييز بين روسيا وأوروبا لكن روسيا هي أوروبا، فكلاهما امتداد واحد. صحيح أن هناك مقولة في روسيا مفادها أن حلفاء روسيا هم جيش وبحرية روسيا فقط، وعلى الرغم من ذلك، فروسيا ممتدة طبيعيا، واقتصاديا في أوروبا.
وأضاف سيرجي بريليف أن الأوروبيون والروس ارتكبوا العديد من الأخطاء، وجعلوا من أوكرانيا مشكلة، بدلا من أن تكون جسرا بينهما. في المقابل، في صربيا والبوسنة نجحوا في التوصل إلى حلول مستدامة، ويمكن البناء على هذه التجربة في مواقع أخرى.
الخلاصة
ترغب روسيا بالتعافي والعودة كقوة وازنة في المشهد الدولي، وهناك عديد من القضايا الخلافية تثار بينها وبين الاتحاد الأوروبي على الرغم من تنوع وتعدد مجالات التعاون. وعلى سبيل المثال روسيا والاتحاد الأوروبي لديهما مصالح ومخاوف مشتركة من احتمالية اتجاه النظام الدولي إلى ثنائية قطبية، بدلا من تعددية الأقطاب.
يبدو من الضروري لروسيا والاتحاد الأوروبي تحديد قواعد الاشتباك، وثمة فرصة للعمل على الأقل في إطار مشترك، إن لم يكن بينهما أجندة مشتركة. وعلى سبيل المثال تستطيع روسيا والاتحاد الأوروبي العمل معها في المنهجية القارية لمواجهة الهجرات خاصة مع التطورات في أفغانستان.
وفي إطار التنافس الصيني الأمريكي، اختارت روسيا الشراكة مع الصين، فيما تميل أوروبا بشكل طبيعي إلى أمريكا، لكن أوروبا راغبة بمزيد من الاستقلال عن أمريكا.