النقاش الدائر في "مؤتمر ميونيخ للأمن" هو نفسه يدور في كل النقاشات عندما يلتقي السياسيون،
تناقلت الوسائل الإعلامية أنباء عما دار في نقاشات "مؤتمر ميونيخ للأمن" الذي أنهى أعماله يوم الأحد عن قلق انتاب المؤتمرين على مستقبل استقرار العالم، انطلاقاً مما يحدث من تطورات في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على الرغم من كل الآمال التي عقدها الرأي العام العالمي على احتمال التعاون الأمريكي-الروسي في تحقيق الاستقرار بوصول الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، ولكن الأخير فاجأ العالم بأن سياسته فيما يحصل في المنطقة لا تختلف كثيراً عن سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي يبدو أن فريقه مازال يسيطر على السياسة الخارجية الأمريكية.
الشيء الوحيد الذي بات واضحاً بعد هزيمة تنظيم "داعش" أن التنافس الدولي على المنطقة صار على المكشوف، وأن الأقنعة السياسية التي كان البعض يتخفى وراءها، مثل محاربة الإرهاب والبحث عن الاستقرار في سوريا والعراق، سقطت ولم تعد موجودة.
فالملاحظ أن الحالة الاستراتيجية غير المسبوقة التي تمر بها المنطقة، والواضحة من خلال تنافس السياسة الدولية (الولايات المتحدة وروسيا)، والإقليمية (تركيا وإيران ومصر مجدداً)، ربما تؤدي في نهاية المطاف إلى حرب شاملة، ليس بين الدول الإقليمية فقط، ولكن حتى بين القوتين الكبيرتين، وقد يحدث ذلك في لحظة سوء تقدير في موقف معين، مثلما أرعب إسقاط إيران للصاروخ الإسرائيلي في سوريا من قيام حرب بين إيران وإسرائيل؛ لأن معظم القرارات التي تُتخذ حالياً يغلب عليها "العصبية السياسية" نتيجة لعدم رغبة أي طرف في التنازل عن المكاسب التي حققها، سواء في سوريا أو الإقليم، ما يعني أن العلاقات الدولية فيما يخص هذه المنطقة سوف تزداد توتراً تحت ضغط البحث عن ثنائية البحث عن الاستقرار وتمدد النفوذ.
الشيء الوحيد الذي بات واضحاً بعد هزيمة تنظيم "داعش" أن التنافس الدولي على المنطقة صار على المكشوف، وأن الأقنعة السياسية التي كان البعض يتخفى وراءها، مثل محاربة الإرهاب والبحث عن الاستقرار في سوريا والعراق، سقطت ولم تعد موجودة. وبات الكلام عن إزاحة كل واحد للآخر مباشراً وصريحاً، ولم يعد أي طرف يرى الآخر متعاوناً معه أو حليفاً استراتيجياً له. فتركيا التي تعد حليفاً للغرب منذ أكثر من سبعة عقود بات الغرب يراها منافساً إن لم نقل عدواً سياسياً ينبغي إنهاؤه.
ويفسر هذا التنافس الإقليمي والدولي أهمية هذه المنطقة في السياسة الدولية وفي الاستقرار الدولي، حتى ولو سمعنا من البعض بأن الإدارات الأمريكية الحالية أو السابقة تريد أن تهدم ما أثبتته نظريات السياسة الدولية حول أهمية هذه المنطقة في الاستراتيجية العالمية؛ لأن من يسيطر على الشرق الأوسط بقدرته أن يسيطر على العالم، ولذا لا أحد يريد أحدا أن يبقى متفرجاً في مرحلة إعادة رسم المنطقة.
وإذا كانت ملاحظات المراقبين تؤكد أن ملفات منطقة الشرق الأوسط هي الطاغية على كل لقاءات السياسيين في العالم، بل تعطي انطباعاً بأنه لا يوجد شيء في العالم أهم مما يحصل فيها، فإن السبب في ارتفاع حالة القلق الدولي من احتمال قيام حرب في المنطقة يتمثل في فقدان عامل الثقة؛ لأن الرهان الروسي وحتى الدولي كان مبنياً على وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الذي تبدو أسهمه السياسية لدى أبناء المنطقة مرتفعة باعتبار أنه جاء مدركاً لمصدر تهديدها، وبالتالي كان الجميع ينتظر منه العمل على احتواء تلك المصادر، ولكن لم يحدث شيء حقيقي في هذا الاتجاه لكبح الطموحات الإيرانية، بل إن المسألة زادت تعقيداً من خلال دخول الأتراك في حرب مباشرة في سوريا، ما زاد من احتمالات حدوث سوء تقدير يشعل المنطقة. ، ويؤكد أن ما يقوله الرئيس ترامب حول مصادر زعزعة استقرار المنطقة لا يتعدى مجرد كلام فقط.
لقد كان الظن قبل عام تقريباً يميل نحو تعاون كل من روسيا والولايات المتحدة في مجال القضاء على مصادر تهديد الاستقرار في المنطقة، ولكن مناقشات مؤتمر ميونيخ تثبت أن ذلك كان مجرد "وهم"، فالحقيقة أنه في السياسة لا يوجد فيها تعاون إلا وفق المصلحة، وانتفاؤها يعني انتهاء كل أشكال التعاون، وهذا واضح الآن بين تركيا والغرب عموماً.
فالأجواء الحالية هي أجواء استعداد لحرب، وهي تتصدر كل تصريحات المسؤولين لدول إقليمية لديها طموحاتها السياسية، وهناك مناوشات عسكرية بين دول أخرى أقلقت السياسيين من أن تؤدي إلى إشعال فتيل الحرب في وقت لم يستعد لها أحد، كما حدث عندما أسقطت سوريا (إيران) طائرة عسكرية إسرائيلية مؤخراً.
النقاش الدائر في "مؤتمر ميونيخ للأمن" هو نفسه يدور في كل النقاشات عندما يلتقي السياسيون، ولكن تزداد حدة النقاشات عندما يجتمع المتنافسون في مكان واحد، فإلى جانب الأمريكيين والروس هناك إيران وتركيا والسعودية، وهم أصحاب هذه المنطقة وهم من صناع قرارها في هذا الوقت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة