عبدالعزيز النجار: النبي وجه للاجتهاد وعلينا إعداد جيل من الفقهاء (حوار)
دعوات لا تنقطع من القرن الثالث الهجري تطالب بفتح باب الاجتهاد المطلق، وإنشاء مذاهب جديدة.
بعض المذاهب يظهر على استحياء لكنه يندثر مع الزمن نتيجة عدم الاستجابة له، أو عدم اهتمام السلطة الحاكمة بنشره.
آخر هذه الدعوات، كانت دعوة الشيخ السعودي صالح المغامسي، والذي طالب بإنشاء مذهب فقهي جديد، وهي الدعوة التي أثارت الجدل حول مدى الحاجة إليها أو رفضها.
لكن المغامسي لم يكن الوحيد الذي يطالب بالتجديد، فالعديد من رجال الدين وحتى رجال السياسة والاجتماع في الدول الإسلامية يطالبون بهذا التجديد، للتكيف مع مستحدثات وعوارض العصر.
"العين الإخبارية" حاورت الشيخ عبدالعزيز النجار، وكيل الوزارة السابق بالأزهر الشريف ومدير إدارة الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية سابقًا، للحديث عن رؤيته لهذه الدعوات، وكيفية التعامل معها في ظل الظروف الحالية للأمة الإسلامية.. وإلى نص الحوار:
- ما رأي فضيلتكم في دعوات إنشاء مذهب فقهي جديد؟
في البداية لابد أن نتعرف على كلمة مذهب وكلمة فقه، فالمذهب هو الطريق والسبيل، وفي الاصطلاح فهو مذهب ومنهج العالم في الأمور الشرعية، ويطلق لفظ المذهب عند علماء الإسلام على الأحكام الفقهية المستفاد من أدلتها بطريق الاجتهاد.
ونستطيع أن نقول أن الفقه يطلق على منهج إمام معين في الأمور الفقهية، مثل الفقه الشافعي، أي المذهب الشافعي، وهو الفهم للشيء والعلم وفهم الأحكام الدقيقة والمسائل الغامضة، وهو في الأصل مطلق الفهم ولكن غلب استخدامه في الأمور الدينية.
وهناك فرق بين الفقه والشريعة، فالفقه يهتم بالأحكام العملية ولا يبحث في العقيدة، فهو جزء من الشريعة، التي تشمل ما يهم الإنسان وعلاقته بربه عن طريق القرآن والسنة والعبادات والمعاملات، فهي أعم من الفقه.
والإبقاء على المذاهب الفقهية القديمة بما فيها من علوم مستنبطة أولى من هدم هذه المذاهب، وتبني مذهب جديد من قبل النخبة التي تريد أن تفصل الدين عن أمور الحياة، وتخضع الأمور الفقهية لأهوائهم بعيدًا عن نصوص الشرع.
وإذا كان المراد بالجديد الاحتفاظ بالقديم وتجديد بعض الأمور الفقهية الفرعية فلا بأس، أما إذا كان الجديد يعني هدم القديم وبناء جديد، فلا نأمن ممن يتربصون بهذا الدين.
- وما تعليقك على القول بإن باب الاجتهاد مغلق ولا بد من إعادة فتحه؟
باب الاجتهاد لم يغلق، وفتحه النبي على مصراعيه وهو على قيد الحياة، فعندما أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذ بن جبل لليمن، فدار بينهما حوار، تبين فيه أن مصادر التشريع كتاب الله ثم سنة النبي، ثم الاجتهاد، وكان الإقرار من النبي يفتح لنا جميع الاجتهاد.
والاجتهاد يحدث عندما لا نجد في القرآن أو السنة حكمًا واضحًا لأمورنا المستجدة.
وباب الاجتهاد مفتوح بكل قوة إذا وجد المجتهد المجدد الذي لا يعتمد على هوائه، أو يراعي انتماءات معينة، أو يبعتد عن القواعد الشرعية المعمول بها في الاجتهاد، وهي الفقه في الدين وليس مجرد علم فقط، فهي علم وفطنة، ومن ثم كان حديث النبي: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)، ولم يقل يعلمه الدين.
من يطالبون بالتجديد من غير المختصين يقولون: الإسلام صالح لكل زمان ومكان، هذا صحيح، والسؤال: كيف يكون صالحًا للزمان والمكان دون وجود نصوص واضحة لما يجد للناس في كل زمان ومكان.
وعلينا جمع الهمم في إعداد جيل جديد من فقهاء الدين، ليجددوا للناس الأمور المستحدثة، ويكونوا مؤهلين علميًا ولديهم أدوات الاجتهاد والقياس، لاستخراج فقه جديد للأمور الجديدة، ولا يمكن أن نأتي بمذهب جديد إلا بعد التنقيب والبحث في التراث والتأكد عما يمكنه أن يكون ملائمًا للعصر.
ولا ننس الإشارة للتجديد الذي قام به الفاروق عمر في مسائل المؤلفة قلوبهم وتعطيل الحدود في عام المجاعة.. فباب الاجتهاد لن يغلق حتى قيام الساعة.
- وهل تعتقد أن هناك علماء في هذا العصر قادرون على إنشاء مذهب فقهي جديد؟
نعم، فالعلماء المشهود لهم بالفطنة والفقه والعلم الشرعي والقدرة على الاستنباط ما أكثرهم في الأمة إلى قيام الساعة، ولكن ينبغي الاستعانة عند إلحاق الأمور المستحدثة بالشبيه بالشبيه والمثيل بالمثيل من المذاهب الفقهية، وعدم هدم التراث والمذاهب الفقهية.
وهناك فرق بين التجديد والتبديد، فهناك من يسك مسلكًا فقهيًا شاذًا ينطلق إلى هذا المسلك بوازع نفسي من هواه، دون التقيد بضوابط الشريعة، وبالتالي علينا أن نحسن الاختيار عند رغبتنا في التجديد في بعض القضايا الفقهية المعاصرة.
- البعض يقول إن المستحدثات العصرية في آخر قرن لم تكن موجودة في القرون السابقة ولذلك لابد من تعامل فقهي مختلف معها؟
الاختلاف بين علماء المسلمين ينحصر في الفروع، أما الأصول فقد حسمت، والفروع أقصد بها المسائل الظنية، وهذه يحق للمجتهدين التوصل لأحكام فيها حسب كل وقت، ولامانع من ذلك بشرط أن تكون المسألة من الفروع ولم تتعرض لها النصوص الشرعية، فعنئذ يجتهد المجتهدون بإلحاقها بحكم مسألة أخرى تشاركها في علتها.
وإذا استجد أمر فلا مانع أن يجتهد المجتهدون في ذلك.
- ما رأيك في "الفقه الميسر" الذي أصدره الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي؟
الفقه الميسر جعل العلماء الثقات يشهدون له أنه سابق لعصره، ومن المجددين لبعض المسائل الفقهية العصرية التي لم تكن موجودة من قبل، واستعان بأتباع المذاهب الإسلامية.
وهذا الكتاب قدمه بشكل ميسر يفهمه الجميع، ولا يمكن اعتباره مذهب فقهي جديد لأنه لا ينطبق عليه ذلك، فهو قام بترجيح الآراء في بعض المسائل الفقهية، ولم يقم بإنشاء حكم جديد أو مذهب جديد.
- هل ترى أن الخطاب الديني بحاجة لتجديد؟
التجديد في الخطاب الديني لازمة من لوازم الشريعة الإسلامية، ولا ينفك عنها، فمسائل الفروع مرنة وتقبل الفهم والتطويع لمناسبة أحوال الناس في كل وقت.
والتجديد بدأ من القرن الأول بداية من الخليفة عمر بن عبدالعزيز، ولم ينقطع في أي وقت، وقد شارك فيه جميع شيوخ الأزهر، والمدقق في الدين الإسلامي يجده دين متجدد باستمرار.
وكون الناس لا تشعر بهذا التجديد، ربما هذا راجع لأن الجهات التي تقوم بتدريب الدعاة على تجديد الخطاب الديني، ربما تنفق أموالاً كثيرة ولكننا لا نجد تجديدًا فيبقى الخطاب كما هو، وكأن هناك انفصال بين التدريب والتطبيق، لأن الموضوعات التي تم تدريب الدعاة عليها يتم وضعها في الأدراج، وما زال خطاب الكراهية والعنف هو المسيطر، وكذلك التعصب للأحكام الفقهية القديمة التي كانت تناسب عصرها.
- كيف تفسر حديث : "إنَّ اللَّهَ يبعَثُ لِهذِه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سَنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها "؟
قوافل التجديد في الخطاب الديني لم تتوقف من عصر النبوة وعصر الصحابة والتابعين حتى عصرنا، وعندنا نتأمل لبعض ألفاظ الحديث، نجد النبي يقول: (من يجدد)، اسم موصول يفيد الإطلاق يحتمل أن يكون فردًا أو جماعة أو مجمع فقهي.
وقال الحافظ بن حجر: لا يلزم أن يكون على رأس كل مائة واحد فقط، وإنما الأمر قد يكون طائفة، أي جماعة من العلماء المتخصصين.
وكذلك قد يكون المجدد في العلم، لكنه بلا سلطة فلا يسمح له بتجديد أحوال الناس، بل قد يكون التجديد في جوانب دعوية أو تربوية، فالله يبعث لها أفرادًا أو جماعات على مر العصور ليوضحوا للأمة ما استجد عليهم.
- وكيف نعرف المجدد من مدعي التجديد؟
نعرفه بتفوقه العلمي ونبوغه وشهرته بين الناس، وأن يكون ذا قدم راسخة في العلوم الشرعية والعربية، مع قدرته على النقد والتصحيح، وأن يكون مجتهدًا مشهورًا بين العلماء ببراعة الاستنباط.
وعلينا أن ننظر إلى تراثه العلمي، فإن وافق الشريعة فهو مجدد، وإن خالفها فهو مدعي.