عمر البسطويسي لـ"العين الإخبارية": زيارة سرية وراء إطلاق الشيخ طنطاوي "الفقه الميسر" (حوار)
في أجزاء ثلاثة قدّم شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي (1928- 2010) بصورة ميسرة للقراءة والفهم كتاب "الفقه الميسر"، الذي جمّع فيه أبواب الفقه الإسلامي من مصادرها الأولى: القرآن والسنة، واستند إلى المراجع الفقهية المعتمدة، القديمة والمعاصرة.
تجاوز الإمام الأكبر خلافات المذاهب الفقهية، واختار منها ما اطمأن إليه قلبه مما ذهب إليه جمهور الفقهاء، ثم عرض اختياراته بأوضح عبارة وأيسر أسلوب.
"العين الإخبارية" حاورت الشيخ عمر البسطويسي، رئيس قطاع مكتب شيخ الأزهر السابق، والذي عمل سنوات طويلة مع الشيخ طنطاوي، لنعرف منه كواليس صدور الكتاب، وهل يعد ذلك مذهباً جديداً، في ظل الدعوات لإنشاء مذهب جديد. وإلى نص الحوار:
بداية.. لماذا أصدر شيخ الأزهر السابق "الفقه الميسر"؟
في الأزهر تُدرَّس مذاهب عدة، وكان الطالب يختار مذهباً يدرسه ويتقنه فلما يخرج إلى العالم إذا كان شافعياً يوجّه الناس إلى مذهبه لأنه لا يعرف بقية المذاهب.
في مرة من المرات، تخفى الشيخ طنطاوي للصلاة في مسجد ما، وكان من عادته أن يتخفى ويصلي في مساجد عدة حتى يقيّم بنفسه وضع الدعوة الإسلامية وعلماء الأزهر.
جلس الشيخ طنطاوي في المسجد واستمع إلى درس شيخ المسجد، فلما ناقشه بعض المصلين عقب الدرس في حكم مسألة، قال لهم: "لا أعلم لها حكماً إلا ما قلت".
وقتها قرر الشيخ طنطاوي ضرورة أن يتعلم طلاب الأزهر نبذة عن المذاهب الأخرى، حتى لا يكون هناك تعصب لمذهب أو فرض لمذهب بعينه، فكان إصدار "الفقه الميسر" من أجل أن يتعلم الطلاب آراء المذاهب الأخرى بجانب آراء المذهب الذي تخصصوا فيه.
هل تؤيد دعوات إنشاء مذاهب فقهية جديدة؟
لا بالطبع، ليس هناك حاجة لمذاهب جديدة، فنحن لدينا المذاهب السنية الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وقد أقر العلماء 4 مذاهب أخرى هي: الجعفري والزيدي والظاهري والإباضي، فعندنا ثمانية مذاهب، فلا حاجة لمذاهب جديدة.
البعض يتهم العلماء بغلق باب الاجتهاد، ما قولك؟
الاجتهاد مفتوح في المسائل التي لم تكن موجودة قبل ذلك، أما عموم المسائل فموجودة وقد غطاها السابقون وقتلوها بحثًا.
علينا الاهتمام بالاجتهاد في المستحدثات، وهو اجتهاد مطلوب، أما الاجتهاد في المسائل التي اجتهد فيها السابقون فهي مضيعة للوقت والجهد، خصوصًا أن المجتهدين الأوائل كانوا على قدر عالٍ من العلم وأنهوا الكثير من القضايا.
لكن البعض يطالب بتجديد الخطاب الديني باستمرار، ويقول إن بعض المسائل التي أنهاها السابقون بحاجة لتجديد الاجتهاد فيها، فماذا ترى؟
حتى لو فتحنا الاجتهاد في المسائل القديمة، فلن نأتي بشيء جديد، لأن الفقه والمذاهب والأمور الفقهية والكتب التراثية تم الانتهاء منها بطريقة علمية معتمدة ومتقنة وبها كل المعلومات، وكل ما نحتاجه.
ومع ذلك، لا مانع من التجديد في نطاق الأساسيات: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
وما رأيك في مطالبات تنقية التراث الإسلامي؟
هناك مَن يشكك في التراث، وهناك مَن يطعن في الأحاديث النبوية، لكن لا يجوز أن نحذف من الكتب ما بها، فلا بد أن تظل كعلوم موجودة للعلماء.
وبالنسبة لنا في هذا العصر، علينا أن نأخذ من القديم ما ينفعنا ويناسب أحوالنا.
كيف ترى تفاعل المصريين مع مسألة المذاهب الفقهية؟
مصر تبنت منذ البداية التعددية المذهبية، فأصبح الخطاب الديني المصري وسطياً جامعاً، وإذا عُممت تجربته لحدث استقرار فقهي في العالم الإسلامي.
وتحضرني هنا مقولة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله: "الإسلام نزل في مكة، ولكن الفقه والدراسة في الأزهر"، لذلك تجد أن علماء مصر هم الذين درسوا المذاهب للعديد من الدول الإسلامية، ولذلك ترى أفواجاً من أئمة الأزهر تغادر كل عام للعديد من البلدان في القارات المختلفة، لأن الأزهر منارة العالم الإسلامي.