لعنة "الكراسي الشاغرة".. استقالة "نواب الصدر" تثير مخاوف إيران
بعد استقالة نواب التيار الصدري من البرلمان العراقي، يبدو أن المشهد السياسي بات أكثر تعقيداً مما كان عليه في ظل مخاوف من موجة احتجاجات واسعة.
وجاءت الاستقالة الجماعية لنواب الصدر للدلالة على الرفض وعدم التسليم بتقاسم "كعكة" السلطة مع خصومهم من القوى الشيعية المقربة لإيران.
ورغم أن رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر، قد أفسح المجال واسعاً أمام منافسيه وأحيا حظوظهم الانتخابية الهابطة التي أفرزتها نتائج انتخابات أكتوبر/تشرين الأول التشريعية، فإن ذلك قد يحمل الشؤم لهم في الوقت ذاته، وفق المثل القائل "إذا رأيت أنياب الليث بارزة لا تظن أنه يبتسم".
فبعد أن تلافت قوى الإطار التنسيقي خطوة انسحاب الصدر بابتلاع إرثه النيابي إلا أنها بدأت تستكشف سريعاً أن "لقمة" الكراسي الشاغرة، غير قابلة للمضغ وإذا ما أصرت ستكون أشبه بـ"حصان طروادة".
ومع اجترار الوقت وتكشف المواقف التي أفرزتها الاستقالة الجماعية، باتت نواقيس الخطر تدق خشية أن يكون الصدر قد يعود عبر أنصاره الغاضبة لتحطيم الوجود السياسي لخصمه المقرب من طهران عبر احتجاجات من الصعب إيقاف نيرانها إذا ما استعرت.
إيران التي التزمت الصمت إزاء ما حدث مؤخراُ، لم تستطع السكوت طويلاً حيث صبت صحفها ووسائل إعلامها جام غضبها على قرار الاستقالة النيابية وعدتها خطوة من الصدر "لعبة جديدة"، لإزاحة "قوى الإطار" من المشهد السياسي.
ونشرت صحيفة "صبح نو"، الممولة من رئيس البرلمان الإيراني، على صفحتها الأولى صورة كبيرة لمقتدى الصدر وجاء ترويستها بعنوان "ضد الوحدة".
وأبدت الصحيفة في تقريرها المنشور عن تساؤلات يغلفها الشك والريبة أنه "ثمة قراءة مطروحة بجدية أن هذا الحدث ينظر إليه على أنه بصدد الانسحاب الكامل من السياسة والحكم في العراق.. ولكن إلى أي مدى يمكن تصديق الاستقالة الكاملة لمقتدى الصدر من السلطتين التنفيذية والتشريعية؟".
وتحت عنوان "المقاطعة على طريقة الصدر"، جاء تقرير صحيفة "إيران" الرسمية تناولت خلاله التطورات في العراق.
وأشارت من خلاله إلى أنه "على الرغم من أن التيار الصدري قدم تضحية لأجل الوطن، لكن يرى مراقبون أنه يمكن أن يضع بغداد أمام تحديات كبيرة وسيناريوهات مبهمة".
وتعقيبا على ذلك، قال المحلل السياسي، منقذ داغر، إنه "من المتوقع أن تتخذ إيران ذلك الموقف ضد الصدر وتشكك في نواياه بعد أن ظل عصياً عن الثني والكسر الوطني".
وأضاف داغر، لـ"العين الإخبارية"، أن "انسحاب الصدر يعد خروجاً عن النص السياسي المعمول فيه والمعتاد عليه منذ نحو عقدين في البلاد ما بعد 2003، وفي الوقت ذاته هو إحراج إيران في وضع سياسي معقد أكبر من قدرتها على تفكيكه بما ينسجم مع مصالحها المتمثل جزء منها في القوى السياسية المقربة لها في العراق".
واستدرك بالقول: "هناك خشية من أن تنعكس استقالة النواب الصدريين على الشارع الاحتجاجي الذي بات ناقماً غاضباً لا يحتمل التجريب والتغريب للمسار الذي اختطه ما بعد انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019".
وكان مراقبون قد وصفوا تحرك الصدر نحو الاستقالة الجماعية بأنها أشبه بـ"تفاحة مسمومة"، رمى بها إلى أفواه خصومه في البيت الشيعي السياسي مما يضعهم أمام خيارات مرة وعسيرة بأكلها أو التخلي عنها.
وتأتي مخاوف الإطار التنسيقي ومن ورائهم إيران بحسب مراقبين، من عدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة قادرة على كسب ود الجماهير العراقية التي ترفض جملة وتفصيلاً وصول هؤلاء إلى السلطة مرة أخرى والإدانات الموجهة إليهم بسفك الدماء وسرقة الدولة.
إحسان عبدالله، الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي، قال إن "إيران تدرك جيداً بابتعاد الصدر عن المشهد السياسي في مضمونه تعرية لأذرعها في العراق والدفع بهم نحو هاوية السقوط الجماهيري".
وأضاف عبدالله لـ"العين الإخبارية" أن "تطورات المشهد السياسي المحتدم انتهت اليوم إلى مسارين الأول إما حكومة أغلبية وطنية يكون ضحاياها قوى الإطار التنسيقي وإما مشهد مرتبك يدفع باحتمالية أن تتشكل حكومة توافقية مهددة بغضب احتجاجي يتجاوز في مداه وتأثره ما شهده العراق في خريف 2019".
وليل أمس الثلاثاء، عثر في أماكن عامة عند العاصمة بغداد، على منشورات وصمت بعبارات "العاصفة قادمة"، و"ساعة الصفر"، في إشارة إلى ما ستؤول إليه الأحداث في قادم الأيام عقب تنحي الصدريين عن السلطة.