الاستقواء من قبل بعض الأطراف العربية بإيران وبناء شراكات سياسية واستراتيجية هو الذي أفسح المجال أمام التمدّد الإيراني
لا تزال إيران أكبر مهدد للأمن الإقليمي في العالم العربي، وليس في منطقة الخليج العربي فقط، لأنها تخطط لإدارة الشرق الأوسط الجديد الذي تراه إيرانياً، ولا موقع فيه إلا للحضور الإيراني الذي يتباهى بوجوده في العواصم العربية تباعاً، وأنه قادر على أن يفرض مشروعه الأيديولوجي في التوقيت الراهن، خاصة مع رهاناته بالاستمرار في العراق وسوريا واليمن ولبنان عبر أدواته ووكلائه الذين ينفذون ما يُخطَّط له جيداً في دوائر طهران التي لا تريد أن ترتكن لقواعد حسن الجوار والتعامل المشروع والإيمان بقدرة الدول العربية على تحقيق أهدافها السياسية، وهو ما تتوقف أمامه إيران وترى أن تحقيق مطامعها ينطلق من توظيف اللحظة المناسبة، والتي تظنها مواتية للبدء في تنفيذ مشروعها في الإقليم بأكمله.
ما نحذر منه ويجب أن يكون لنا كدول عربية وقفة كاملة إزاءه، هو السماح للمشروع الإيراني بأن ينفّذ على أرض عربية وبأيدٍ عربية خاصةأن الأذرع التي تنفذ هي في الأساس عربية ومحسوبة على النطاقات العربية، وهي أبعد عن هذا.
1. حسناً فعلت الدول العربية عندما أطلقت رسالة أولى إلى إيران لمراجعة سياستها الراهنة والتي تمثل تهديداً للأمن القومي العربي، ومن ثم فإن التعامل العربي مع الجانب الإيراني يجب أن ينطلق من ركائز، ومصالح الأمن القومي العربي بالأساس.
وأمن العرب هو المحرّك السياسي والاستراتيجي في مواجهة المحاولات الإيرانية لإعادة هيكلة الأمن في الإقليم ليكون أمناً إيرانياً بالأساس، وكأن العرب عليهم أن يسلموا بما هو قائم، وهو منطق مرفوض شكلاً ومضموناً، وتعاملت معه الدول العربية والسعودية بالأساس برؤية استباقية، وأعلنت رفضها التحركات الإيرانية غير المشروعة في المنطقة ووجهت رسائل بليغة لعل الجانب الإيراني يتفهمها، ويتعامل معها بجدية بدلاً من سياسة التدخل المرفوضة والتي لن نقبلها عربياً .
2. إن ردع إيران عربياً يتطلب جملة من التحركات إزاء المواقف الملونة والتوجهات التوافقية التي دفعت بالوجود الإيراني للتمدد في السنوات الأخيرة، وتتطلب الآن مراجعة عربية وخليجية لفض الاشتباك بين المصالح العربية، وهي الأساس، وبين المصالح والمطامع الإيرانية التي تريد إعادة ترتييب المنطقة لحسابات إيرانية ليس فقط في الخليج؛ وإنما في المنطقة المغاربية، وجنوب الساحل ومروراً بسوريا و العراق وغزة والأردن تحت مسمى الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الإيرانية التي دفعت بتبني وكلاء في هذه المناطق، عبر مخطط متنام ومتعاظم يقرُّ بالحضور الإيراني وفق مصالح مرتب لها في العالم العربي بصورة جيدة، ووفق نظام محكم يخضع لتراتبية محددة ووفق قواعد صارمة ومنهج عمل زمني، ومراجعات مباشرة تقرّ سياسات التدخل والنفاذ إلي قلب المنطقة العربية .
3. إن إيران التي ابتدعت نموذجاً للتدخل وتوظيف أدواتها الفرعية هي ذاتها الدولة التي تمضي في مناكفة العالم، واستثمار التحولات في بنية النظام الدولي لتحقيق مكاسبها وأهدافها السياسية والاستراتيجية طويلة المدى، ولعل ما جرى في إطار الاتفاق النووي ما يشير إلى هذا، في ظل تباين الرؤى والتصورات بين الموقفين الأوروبي (الفرنسي) تحديدا، والأمريكي من جانب آخر حول جدوى الاتفاق النووي الراهن، ومدى التزام الولايات المتحدة بكل بنوده، وفي ظل المطالبات والضغوط الإسرائيلية، وبعض مواقف الدول الأوروبية والعربية بمراجعة الاتفاق والموقف الإيراني تحديداً من بعض البنود الخاصة بالتجارب الصاروخية والتخصيب والمراقبة الدولية من الوكالة عبر مفتشيها وغيرها من النقاط محل التجاذب، وهو ما يدفع طهران بالفعل للتشدد والإعلان بأنها لن تراجع مواقفها أو تقبل بإعادة التفاوض من جديد، وهو ما أعلنه وزير الخارجية جواد ظريف أكثر من مرة.
وبالتالي فنحن في انتظار المراجعة الأمريكية التي سيقرها الكونجرس في الالتزام الإيراني بالاتفاق أو يجري مراجعته، والمعنى هنا أن إيران كدولة ستظل تمثل تهديداً حقيقياً للسلام والأمن الدوليين، ولعل هذا الموقف الدولي يتماشى مع الموقف العربي الذي حذر من تداعيات ما تقوم به طهران وطالب بوقفة ومراجعة السياسات الإيرانية في الإقليم وخارجه .
4. إن الاستقواء من قبل بعض الأطراف العربية بإيران وبناء شراكات سياسية واستراتيجية هو الذي أفسح المجال أمام التمدد الإيراني في العالم العربي حتى مع الدول التي لم تقم علاقات دبلوماسية مع إيران، واستمرت في مقاطعتها سنوات طويلة مثل مصر التي لا تزال مستهدفة من إيران ومسعاها لتطوير حضورها الشيعي فيها، والعمل على نشر الفكر الفارسي التوسعي وهو ما تقف أمامه مصر ودول الخليج العربي التي تدرك جيداً حجم المخاطر على أمنها العربي، وتعمل على مجابهته سياسيا واستراتيجيا.
ولعل ما دار في اجتماع الجامعة العربية مؤخرا يشير إلى إدراك حقيقي بطبيعة ما تمثله إيران من تحديات للأمن القومي العربي بصرف النظر عن تحفظ بعض الدول على بعض ما جاء في البيان الختامي للاجتماع الطارئ للجامعة العربية التي ستظل مؤسساتها ودولها قادرة على مجابهة التحركات الإيرانية من جانب، وتصاعد مد التحركات التركية والإسرائيلية في المنطقة العربية بأكملها، وهو ما يتطلب وقفة عربية ممتدة بصرف النظر عن طبيعة العلاقات الراهنة بين بعض الدول العربية، وفي الإجمال وتركيا وإسرائيل، خاصة أن العالم العربي بات مستهدفاً بمشروعات ومخططات ورؤى خارجية تريد إعادة رسم وهيكلة المنطقة لحسابات القوى الإقليمية ومصالحها الاستراتيجية على حساب الأمن القومي العربي .
5. ما نحذر منه ويجب أن يكون لنا كدول عربية وقفة كاملة إزاءه هو السماح للمشروع الإيراني بأن ينفذ على أرض عربية وبأيدٍ عربية، خاصة أن الأذرع التي تنفذ هي في الأساس عربية ومحسوبة على النطاقات العربية، وهي أبعد عن هذا، وهو ما يدفعنا للتأكيد على البدء بالمواجهة عربيا ومن داخل جامعة العرب على أن يلي ذلك نقل الملف الإيراني أو الحالة الإيرانية بكل ملفاتها وعناصرها ، ومخططاتها إلى الأمم المتحدة وعبر آلية الجمعية العامة، ثم التدرج لمجلس الأمن، مع استثمار ما يجري إزاء إيران وإعادة فتح ملف الاتفاق النووي دولياً، مما قد يكسب للحركة العربية حضوراً حقيقياً ومباشراً، وهو ما يجب الانتباه إليه والتعامل معه، خاصةأن الموقف الأمريكي ومواقف بعض الدول الأوروبية مؤيد تماماً للتعامل مع الحالة الإيرانية المهددة للأمن الدولي، خصوصاً أنها تتشابه في إطارها مع الحالة الكورية، بل وتتماس مع دوائرها السياسية والاستراتيجية مثلما جرى في التجربة الصاروخية الإيرانية تشبُّهاً بما تقوم به كوريا الشمالية دورياً ...
6. إن توحّد وتوافق مواقف الدول العربية حول الحد الأدنى من التراضي بخصوص بعض القضايا المثارة، ومنها القضية العراقية واللبنانية والسورية واليمنية، هو المدخل الحقيقي لمواجهة التدخل الإيراني الساعي لتحقيق أهدافه السياسية والاستراتيجية، بالإضافة للنظر إلى الحضور الإيراني في الإقليم الذي يجب أن ينطلق من قواعد القانون الدولي ومبادئ وأسس العلاقات الدولية بين الدول، والتعامل على قدم المساواة وليس من منطلق الهيمنة والتدخل غير المبرر وغير المشروع، وهو ما رفضناه عربياً على أي مستوى ،كما رفضنا كل المشروعات الإقليمية المطروحة، سواء كانت إسرائيلية أم تركيّة أو شرق أوسطية ، ليبقى السؤال متى نعيد طرح مشروع عربي حقيقي في مواجهة كل هذه المشروعات، وفي مقدمتها المشروع الإيراني؟ .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة