الأرقام التي جاء بها روحاني هذه السنة مثيرة للتأمل ومدعاة للتساؤل.. هل بدا انكسار نظام الملالي بالفعل
على مشارف عام مالي جديد كان ولا بد من أن يقدم الرئيس الإيراني حسن روحاني مشروع الموازنة المالية للعام الجديد إلى مجلس الشورى لإقرارها، كما هو الحال كل عام.
غير أن الأرقام التي جاء بها روحاني هذه السنة مثيرة للتأمل ومدعاة للتساؤل.... هل بدا انكسار نظام الملالي بالفعل، وهل البنود الواردة في الموازنة تشير إلى أن الهيمنة والغطرسة الإيرانيتين حكم إلى زوال؟ لا سيما بعد أن بدأت العقوبات تؤتي أكلها؟
في فبراير المقبل يكمل نظام ولاية الفقيه أربعة عقود على وجوده سيئ الذكر، غير أن أحدا يتمتع بحصافة ذهن لا يمكنه أن يتوقع استمرار نظام على هذه الشاكلة إلى مدى أبعد من ذلك، سيما بعد أن فقدت العملة الإيرانية 400% من قيمتها
دعونا بداية نتعاطى مع أرقام الموازنة ومدلولاتها، فالأرقام لا تعرف التلاعب أو المكر الإيراني غير المقدس، ولتكن البداية من عند حال العملة الإيرانية التي انهارت من عند 42 ألف ريال في مقابل الدولار إلى نحو 100 ألف الآن، الأمر الذي جعل موازنة إيران تهوي إلى أقل من نصف رقمها العام الماضي، وبإجمالي 47.5 بليون دولار للعام 2019.
في تصريحاته أمام البرلمان كان روحاني يقر بأن الاحتياطي من العملات الأجنبية قد وصل إلى الصفر، ما أرغم البلاد على اتخاذ قرارات صعبة لإنقاذ الوضع المتردي .
لا يزال روحاني يأمل في أن تنطلي خدعة العزف الكاذب على مشاعر وتصرفات الإيرانيين، وهو يدرك جيدا ما أشار إليه الامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت من قبل حين قال إن :" الجيوش تمشي على بطونها"، ونقول بل إن الشعوب بالأكثر هي التي تمشي على بطونها، أي أنه بدون مصادر حقيقية للدخل فإنه من المؤكد ستنقلب على حكام غير قادرين على توفير العيش الكريم لها، حتى وإن كانت مصادر الدولة غنية بالموارد لكنها تنفق على دعم الإرهاب حول العالم.
يقول روحاني، إن الموازنة وضعت تماشيا مع العقوبات الأمريكية التي وصفها بالجائرة، وأنها أثرت سلبا في معيشة المواطنين وتنمية البلاد ونموها الاقتصادي، وهو هنا يعكس قراءة الآية، إذ لم يتساءل ما السبب الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تعود من جديد لتفرض العقوبات على إيران؟ أليست النوايا السيئة الكامنة في العقلية الإيرانية، وبخاصة لدى الملالي في حيازة سلاح نووي لتكون المهدد الأكبر والأخطر لدول الجوار، ولتفرض توازنات غير طبيعية على من حولها، بل أكثر من ذلك حلمها أن تتقاسم النفوذ الشرق أوسطي والخليجي مع إسرائيل؟
حين فرض الرئيس ترامب العقوبات من جديد، ألم يكن من أسباب ذلك البرنامج الصاروخي الباليستي السادرة طهران في غيه غير مرتدعة بمجتمع دولي أو مناشدات أممية؟
عقوبات أمريكا على الملالي، ألم يفكر رشيد بينهم أن مردها مليارات الدولارات التي تنفقها حكومة البلاد على دعم المليشيات التي تعد وكلاء شر لطهران حول العالم، ناهيك عن الإنفاق الذي جاوز 16 مليار دولار خلال بضعة سنوات (2012 إلى 2016) على الحرس الثوري وفيلق القدس وبقية عصاباتها الإجرامية في شرق الأرض وغربها؟
يحاجج روحاني بأن هدف أمريكا الأساس هو تركيع إيران، وأنها ستفشل، وهو حديث لا ينطلي إلا على أصحاب صغار العقول، فالمقارنة بين البلدين لا تجوز، إنما الشر المجاني الذي تسعى إيران في طريقه، صباح مساء كل يوم، هو الذي سيدفعها للركوع عما قريب.
يتعلل روحاني أمام أعضاء مجلس الشورى وكذا في مواجهة جماهير الشعب الإيراني التي خرجت إلى الشوارع بعد أن كفرت بالشعارات الجوفاء، بأن الحل لدى القطاع الخاص الذي لا بد له أن ينشط، وأن تعتمد موازنة البلاد على مداخيل غير النفط، حتى يخف تأثير العقوبات الأمريكية على البلاد.. هل ينطلي الحديث السابق على أحد؟
الشاهد أنه في دولة بوليسية كإيران، لا مجال لحريات حقيقية للقطاع الخاص لكي يتحرك وينتج ويبدع بل ويبتكر، فكل الأنشطة الكبيرة وذات المردود العالي قد صادرها الحرس الثوري الإيراني لحسابه، ما يعني أنه لا يوجد في الأصل قطاع خاص أو عام دفعة واحدة.
لم يقتنع نواب البرلمان الإيراني بخطاب روحاني وارتفع صوتهم بالاحتجاج أكثر من مرة، ذلك أنهم يدركون زيف حديثه عن إصلاح المصارف والنظام الضريبي، وعن الربح الأكثر للتجار والضريبة الأقل، وحتى دغدغة المشاعر بالقول إن لدى الحكومة ثروات وضعت في المخازن وأقفل عليها، وأنها تمتلك أراضي خصبة وقيّمة في المدن وأطرافها، لم تنفع أو تشفع في تهدئة النواب ولسان حالهم يقول: "إذا كان ذلك كذلك، فكيف لا نجد ماء الشرب النظيف ولا الغذاء والدواء بأسعار معقولة ومقبولة من جموع المواطنين؟
لن تتحسن أوضاع إيران الاقتصادية بل ستمضي في طريق أكثر سوءا في قادم الأيام، سيما وأن نواب الكونجرس يلاحقون إيران لقطع الطريق على استخدامها العملات المشفرة "البيتكوين"، كطريق للهروب من العقوبات ولغسل أموال المخدرات وتهريبها لزخم الاقتصاد الإيراني بصورة غير مشروعة، وذلك قبل أن تهوى العملة الإيرانية بصورة مريعة تعجل بسقوط نظام الملالي القادم على بساط الريح عما قريب.
في الأيام الاولى من العام الجديد سوف يشهد الكونجرس مناقشة تشريع جديد، وأغلب الظن أنه سيقر سريعا قرارا موجها ضد إيران، سيلاحق بموجبه كل شخص أو مؤسسة، تساعد نظام الملالي على ترويج عملتها، وسوف يتم إدراج المخالف فورا بقائمة العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
ويبقى السؤال الحيوي التالي: هل الانهيار الاقتصادي الداخلي سيؤدي ولا شك لتراجع إيران عن مواقفها السياسية المتصلبة جهة أعدائها أم سيقودها إلى مزيد من التشدد الذي يذهب بها مرة وإلى الأبد إلى غير رجعة؟
في فبراير المقبل يكمل نظام ولاية الفقيه أربعة عقود على وجوده سيئ الذكر، غير أن أحدا يتمتع بحصافة ذهن لا يمكنه أن يتوقع استمرار نظام على هذه الشاكلة إلى مدى أبعد من ذلك، سيما بعد أن فقدت العملة الإيرانية 400% من قيمتها، ولا ينتظر لإيران أن تقفز على كبوتها المالية التي تحولت إلى سقوط شنيع في الدرك الأسفل.
أقرب الأبواب لواشنطن تل أبيب فهل لهذا غيرت لهجتها من إسرائيل مؤخرا؟
مؤخرا، نفي جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني الاتهامات بأن طهران تسعى إلى محو إسرائيل، قائلا إن: "بلاده لم تقل أبدا إنها ستمحو إسرائيل من الخريطة"، لكن سجل التصريحات الإيرانية يذكر جيدا ما قاله أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، خلال مهرجان نظمه الحرس الثوري في فبراير الماضي، ردا على ما جاء في كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بمؤتمر ميونيخ الأمني، حين قال "نحن نقول له (نتانياهو) إنه في حال أقدمت إسرائيل على أصغر تحرك ضد إيران، فاننا سنسوي تل أبيب بالأرض، ولن نمنح نتانياهو فرصة للهرب".
الخلاصة أن الهروب لا يفيد الملالي من الغضب الشعبي القادم والانهيار الاقتصادي، لن تدركه المماحكات السياسية أو تغيير المواقف الصورية.. إيران إما التراجع المطلق والذي لا يظن أنها ستقوى عليه أو الانكسار مرة وإلى الأبد .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة