بقاء النظام الإيراني من عدمه اليوم ليس قضية يمكن للتاريخ أن يحسمها وفق معايير الملاءمة الزمنية لهذا النظام.
الصورة القائمة أمامنا سياسيا أننا أمام إيران مأزومة بشعب تجاوز مرحلة المفاضلة فيما يخص خيارات النظام الإيراني إلى مرحلة جديدة من خيارات سياسية ينتجها الشعب الإيراني كنتيجة طبيعية لمعاناة اقتصادية.
الصورة القائمة في المشهد الإيراني اليوم تثير الأسئلة المهمة حول هذا النظام ومدى سيطرته إلى مستوى معين للتحكم بدرجة الحرارة الشعبية القابلة للارتفاع عبر الثورات القائمة، بحيث لا تؤدي إلى أي شكل من أشكال الذوبان أو "تسييل" سياسي للنظام الأيديولوجي، النظام الإيراني كما يقال عنه في دوائر البحث والتحليل في مواقع كثيرة من العالم إنه قد تجاوز عمره الافتراضي عطفا على رجعية هذا النظام وآليات أدائه السياسي التي لا تبدو متسقة مع الواقع القائم عالميا، وهذه الفرضية سليمة إذا ما أخذناها في مسار المقارنة السياسية التاريخية.
الصورة القائمة أمامنا سياسيا أننا أمام إيران مأزومة بشعب تجاوز مرحلة المفاضلة فيما يخص خيارات النظام الإيراني إلى مرحلة جديدة من خيارات سياسية ينتجها الشعب الإيراني كنتيجة طبيعية لمعاناة اقتصادية
وجود النظام الإيراني بشكل قريب من منطقة الشرق الأوسط وارتباطه الأيديولوجي المتين بها أسهما بقدر كبير في منح هذا النظام المقاومة والاستمرار، خاصة أن هذا النظام لم يكن يوما بعيدا عن رعاية غربية له تعددت أشكالها ومساراتها، ولعل أعلى مراتب هذه الرعاية توقيع الاتفاق النووي بين دول من أكبر الدول العالمية في جانب وإيران في جانب آخر "خمسة زائد واحد".
بقاء النظام الإيراني من عدمه اليوم ليس قضية يمكن للتاريخ أن يحسمها وفق معايير الملاءمة الزمنية لهذا النظام، الحسم النهائي للنظام الإيراني قضية معقدة في ظل وجود الحرس الثوري الواثق من قدراته في إخماد أي شكل من أشكال الثورات، وقد ترقى وبشكل واضح الحرس الثوري في سيطرته على مفاصل النظام والشعب معا حتى إنه يمكن القول وبحسب الكثير من التحليلات السياسية إن الحرس الثوري هو "المرشد الأعلى" الفعلي.
ما موقف الشعب الإيراني من النظام؟ وفي أي اتجاه يقف هذا الشعب من النظام ككتلة سياسية؟ وهل يمكن القول إن الشعب الإيراني أدرك عبر الوعي السياسي النتيجة السلبية التي تحققت نتيجة تدخلات النظام وتوسعه على حساب الجبهة الداخلية؟ ولذلك هو بدأ يدخل في مسار واقعي لتجاوز مرحلة المفاضلة بين المكاسب الجيوسياسية للنظام وبين المكاسب التنموية للداخل الإيراني.. هناك إحدى أهم الأزمات الخفية في المشهد الإيراني حيث لا أحد يعرف كمية التوافق الفعلية وقياسها؛ فهذا النظام مغلق إلى درجة كبيرة، من حيث التأييد أو الرفض بين النظام وبين الشعب الإيراني في جانب التوسع الجيوسياسي، هل الشعب الإيراني متوافق مع نظام أيديولوجي توسعي؟ لم أحصل على وثيقة تحليلية تفيد في هذا الجانب.
على الجانب الآخر نجح هذا النظام الثيوقراطي المتعصب أن يشوش على المشهد الخارجي عن الداخل الإيراني، ففرضية إيران قوية بسلاح نووي فكرة ذكية أطلقها المرشد هدفها حماية الثورة ونظامها الرجعي عبر استخدام مفهوم التاريخ والشعب الفارسي للتغطية والتضليل، وقد تم تضليل الشعب الإيراني منذ اليوم الأول للثورة وما زال، حول مفهوم القوة التي ترغب إيران بامتلاكها على حساب التنمية والتطور الداخلي.
اليوم نحن نشهد مظاهرات مماثلة لتلك التي حدثت في عام 2017 وهي جميعا تنطلق بالطريقة ذاتها وتتوسع إلى أن يقوم الحرس الثوري بالقضاء عليها، فهذا النظام بحرسه الثوري يقلق من فتح الأسئلة حول التنمية وخفض مستويات الفقر والبطالة، والحقيقة أننا والعالم كله لم نصل بعد إلى فهم دقيق للداخل الإيراني في جوانبه الخاصة بالهوية والتركيب الاجتماعي والصور الواضحة حول المشروع الأيديولوجي، كل ما أعتقد أنه تحقق هو قدرة وصفية للواقع الإيراني لا تتعدى فهما شاملا لهذا الواقع الشعبي، ولكنه لا يعطي القدر الكافي من المعلومات التي يمكن من خلالها التنبؤ بتحولات تلك الثورات أو ما الأزقة والطرقات الصحيحة التي يجب أن توجه إليها تلك الثورات لكي تحقق أهدافها. نحن نعلم أن هناك ثورة، ولكن ليس أكثر من ذلك، وهذا يطرح الأسئلة حول الأسباب التي مكنت هذا النظام من الصمود.
إن عسكرة السياسة الخارجية التي اختطها النظام الإيراني بجذور أيديولوجية إلى عواصم عربية مهمة قد غيرت شكل المعادلة فيما يخص ثورة الداخل الإيراني التي سوف تؤدي في النهاية إلى نتيجة قد تكون مؤجلة وقد تحدث فجأة، ولكن يبقى السؤال المهم حول هذه النتيجة التي قد تصل إليها المظاهرات هل هي ما نريد أم لا؟ الصورة القائمة أمامنا سياسيا أننا أمام إيران مأزومة بشعب تجاوز مرحلة المفاضلة فيما يخص خيارات النظام الإيراني إلى مرحلة جديدة من خيارات سياسية ينتجها الشعب الإيراني كنتيجة طبيعية لمعاناة اقتصادية، وأخيرا فإن الصورة الثورية في إيران لم تنضج بعد، وعلى العالم دعم الشعب الإيراني لتحقيق أهدافه.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة