زيارة آبي هي الفرصة الأخيرة للنظام الإيراني إذا كان يريد حقاً تفادي الصدام مع الولايات المتحدة.
لا أحد في المنطقة والعالم يتمنى أن تخيب توقعات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أبداها خلال زيارته إلى طوكيو الشهر الماضي، والتي أعرب فيها عن اعتقاده بأن إيران تريد الحوار وقال "أعتقد حقاً أن إيران تريد الحوار.. وإذا كانوا يريدون الحوار فنحن أيضاً نريده".
الأرجح ألا يفصح النظام الإيراني عن نواياه بشفافية كاملة لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، ولكن هذه ستكون مجازفة سياسية كبيرة، فإن لم يلتقط الفرصة ويحسن التعامل معها بما تتطلب من واقعية وعودة للرشد السياسي والتزام بمسؤوليات إيران بموجب ميثاق الأمم المتحدة، فسيكون الخاسر الأكبر في هذه الزيارة المهمة
انطلاقاً من هذه التوقعات والتقديرات جاءت زيارة رئيس الوزراء الياباني شبيزو آبي التي قام بها أمس (الأربعاء) إلى طهران، حيث اعتبره بعض الخبراء والمتخصصين "وسيطاً مثالياً" في الأزمة المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة لارتباط بلاده بعلاقات استراتيجية مع طرفيها، حيث حصل على "ضوء أخضر" من الرئيس ترامب الذي رحب مسبقاً بمساعدة آبي في التعامل مع إيران، وكذلك فعلت روسيا التي تدعم هذا التحرك الياباني.
والحقيقة أن زيارة آبي هي الفرصة الأخيرة للنظام الإيراني إذا كان يريد حقاً تفادي الصدام مع الولايات المتحدة، لأسباب واعتبارات عدة؛ أهمها أن الإيرانيين قد خسروا كل فرص الوساطة المحتملة بعد الانتقادات الحادة، التي وجهت لأوروبا خلال زيارة وزير الخارجية الألماني مؤخراً إلى طهران، حيث بدت لغة الخطاب السياسي الإيراني خالية من الدبلوماسية وتهدف فقط إلى الضغط على الجانب الأوروبي كي يساند النظام الإيراني في مواقفه من دون البحث عن مخارج وحلول جادة من المأزق الراهن الذي وجدت إيران نفسها فيه بسبب ممارسات هذا النظام.
زيارة رئيس الوزراء الياباني لإيران هي بمنزلة "بوصلة" لاتجاهات الأزمة، فهو بالتأكيد بات على دراية كبيرة، ولا نقول كاملة، بنمط تفكير الرئيس ترامب في هذه الأزمة، وحين يجلس مع المرشد الإيراني الأعلى فهو يخاطب قمة هرم النظام ومن بيده الحل والعقد في البلاد. والنتيجة التي سيخرج بها هي القول الفصل بعيداً عن المهاترات السياسية والخطابية، وليس علينا أن نتوقع إعلاناً كاملاً لما تتوصل إليه هذه الزيارة المهمة، فهناك رسائل قد يحملها آبي إلى الجانب الأمريكي وهناك جهد دبلوماسي قد يعقبها، لا سيما أنها تأتي قبيل انعقاد قمة العشرين في طوكيو نهاية الشهر الجاري، وقد لا يكون الأمر كذلك بالمرة في حال استمر التعنت الإيراني ولم تلتقط طهران خيوط هذه الفرصة الأخيرة.
النجاح الأكبر لرئيس الوزراء الياباني سيكون في حلحلة الأزمة وإقناع المرشد الأعلى الإيراني بضرورة استئناف الحوار مع الولايات المتحدة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن هذا الأمر يتوقف على رغبة النظام الإيراني في تفادي تصاعد الأزمة وانزلاقها إلى مواجهة عسكرية سيكون حتماً الخاسر الأكبر فيها.
اعتاد العالم من النظام الإيراني أن يلجأ إلى البراجماتية و"التقية السياسية" حين تشتد عليه الضغوط ويستشعر الخطر حيال مستقبله، وقد فعل ذلك من قبل أثناء حربي أفغانستان والعراق، وأبدى سراً أقصى قدر من التعاون مع من يصفه بـ"الشيطان الأكبر"، ولكن هذه المرة قد تختلف قليلاً لأن الحرب قد تكون طوق الإنقاذ الوحيد لمستقبل النظام بعدما بدد جل موارد الشعب الإيراني في تمويل تنظيمات الإرهاب والحروب الطائفية، ولم يعد بوسعه التخلي عن هذه التنظيمات والأذرع التي استشرت في منطقة الشرق الأوسط، وباتت هي والنظام الإيراني وجهان لعملة واحدة، أو توأم ملتصق، لا يمكن لأحدهما مواصلة الحياة من دون الآخر!
هذا الواقع يتطلب، إن أراد المرشد الإيراني الأعلى البحث عن ممر آمن للخروج، البحث عن استراتيجية مغايرة، والتخلي عن التنظيمات الإرهابية والأذرع الطائفية، ولكن هذا الأمر لن يحدث قبل توظيف هذه الأوراق جميعها في إطار صفقة شاملة يعقدها مع الولايات المتحدة، وبالتالي فليس هذا وقت الحديث عن تراجعات أو تنازلات، وكلنا يعرف طبيعة المفاوض الإيراني التي ظهرت خلال مراحل الاتفاق النووي الموقع في فيينا عام 2015.
الأرجح ألا يفصح النظام الإيراني عن نواياه بشفافية كاملة لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، ولكن هذه ستكون مجازفة سياسية كبيرة، فإن لم يلتقط الفرصة ويحسن التعامل معها بما تتطلب من واقعية وعودة للرشد السياسي والتزام بمسؤوليات إيران بموجب ميثاق الأمم المتحدة، فسيكون الخاسر الأكبر في هذا الزيارة المهمة، التي تبدو أقرب لاختبار نوايا دولي جاد للنظام الإيراني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة