إيران تمد «حبال الود» لمصر.. مسار تقارب تعرقله «نقاط خلافية»
تصريحات إيرانية تخرج بين الحين والآخر تخطب ود القاهرة اعتبرها محللون نوعا من "الانفتاح المحسوب" لكنه "سيكون مرهونا بما تظهره طهران من تحركات إيجابية بشأن القضايا الخلافية المتعددة مع مصر".
كان أحدثها إعلان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أن بلاده تجري "مفاوضات استشرافية" لتحسين العلاقات مع مصر، و"اتخذنا خطوات مشتركة وسنواصل هذا الطريق".
إشارة إيران التي لم تكن الأولى من نوعها، أرجعها خبراء في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، إلى رهان الأخيرة على شرق أوسط جديد يعاد ترتيب الأوراق فيه من جديد.
إلا أنهم أشاروا إلى عدد من النقاط الخلافية العالقة بين البلدين، بل زاد بعضهم بأن "الرغبة الإيرانية ليست عن قناعة حقيقية، بل محاولة لتخفيف الضغط السياسي والدبلوماسي عليها".
واجتمع وزير الخارجية الإيراني مع نظيره المصري سامح شكري، مؤخرا، على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي. وجرى خلال اللقاء بحث آخر تطورات الجهود لتعزیز العلاقات الثنائیة.
توقيت بالغ الحساسية
وعن الدافع الإيراني لإعادة العلاقات مع مصر ودلالة التوقيت، قال الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن "طهران حريصة على التقارب مع القاهرة ليس الآن فقط، بل منذ وقت طويل، وتتحين الفرص من حين لآخر من أجل تحقيق هذا الإنجاز، فيما كانت مصر تتحفظ، وتعتبر أن الظروف غير مواتية لهذا الأمر".
لكن "التوقيت الآن بالغ الحساسية؛ لأن إيران انكشفت استراتيجيا بعد التصعيد العسكري الذي وقع بينها وبين إسرائيل مؤخرا، على خلفية الحرب في غزة، في وقت تشتد الضغوط على الاقتصاد الإيراني بسبب وطأة العقوبات"، وفق المحلل المصري.
وفي هذا الإطار، يشير عبدالفتاح إلى أن "إيران تعتقد أن الشرق الأوسط بعد الحرب سيشهد حالة من السيولة الجيوسياسية، بما يسمح بإعادة ترتيب الأوراق من جديد".
فالحرب على غزة، والتصعيد مع إسرائيل، والانفتاح التركي المصري، وحدوث تقارب إيراني – سعودي، كلها عوامل تمهد السبيل لعودة العلاقات مع القاهرة، والعمل لاحقا على محاولة تشكيل نظام أمني إقليمي في مواجهة إسرائيل، لا تكون تركيا بعيدة عنه، وذلك وفقا لعبد الفتاح، الذي يؤكد في نفس السياق أن "إيران تراهن على شرق أوسط جديد تعاد هيكلته بعد الحرب".
تعامل حذر
أما عن موقف القاهرة في مقابل تحركات إيران لعودة العلاقات، فيرى الخبير المصري، أن مصر تتعامل بحذر، فهي لا تغلق الأبواب في وجه إيران، في وقت تحاول فيه تنويع وتوسيع نطاق الحركة الاستراتيجية من خلال فتح اتصالات مع دول الجوار مثل تركيا وإيران بشكل كبير.
وإزاء ما تقدم، لم يستبعد أن تشهد هذه العلاقات نوعا من "الانفتاح المحسوب"، لكنه سيكون مرهونا بما تظهره إيران من إيجابية بشأن القضايا الخلافية المتعددة بين القاهرة وطهران.
عراقيل بوجه التقارب
وحول إمكانية أن تفضي "المفاوضات الاستشرافية" بين مصر وإيران لنفس نتائج مفاوضات الأولى مع أنقرة، يقول عبدالفتاح: "التقارب المصري التركي أسهل بكثير؛ لوجود عقبات عديدة تحول دون حدوث تقارب مع طهران، منها ما هو ثنائي، وما هو إقليمي ودولي"، موضحا : في الحالة التركية جاءت النتيجة إيجابية، لكن مع طهران فالأمر يتوقف على مساحات التفاهم والتوافق الذي سيتحقق بين البلدين.. لكن بشكل عام لا مستحيل في السياسة".
وبسؤاله، عن أبرز النقاط الخلافية بين مصر وإيران التي تعرقل عودة العلاقات لطبيعتها، أجاب: "سياسات إيران الإقليمية، والإصرار على فرض نفوذها في دول عربية، فضلا عن علاقاتها بجماعة الحوثي، وتأثير ذلك على أمن الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس بما يضر بالاقتصاد المصري".
ومن العراقيل، والحديث لعبد الفتاح، "تبني إيران مقاربة مغايرة في إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية، يعرقل جهود مصر لإرساء السلام، إضافة إلى الاختلاف بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي في مسألة أمن الخليج، الذي يرتبط بالأمن القومي المصري، ومساعيها لتطوير قدراتها التسليحية بشكل يثير مخاوف دول الجوار".
التقارب هام لأمن المنطقة
حرص طهران على عودة علاقاتها بالقاهرة، أرجعه الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إلى أنها "تدرك تماما أهمية وثقل الدور المصري".
وقال آل عاتي إن البلدين لديهما قناعة بعودة علاقاتهما، وفقا لمصالحهما، وطبقا لقاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهما واحترام سيادة الدول".
وإذ أشار إلى أن القاهرة وطهران، قطعا شوطا كبيرا من التفاهم والتباحث لعودة العلاقات، والتعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي، يلفت المحلل السياسي السعودي، إلى أن قضية التدخلات الايرانية في الشأن العربي لا تزال نقطة خلاف سياسية قائمة، ورؤية وآليات أيضا كل منهما لحل الصراع في المنطقة.
ونبه آل عاتي إلى أن "التقارب المصري – الإيراني هام لأمن المنطقة واستقرارها، خاصة عقب توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في بكين في 10 مارس/آذار الماضي، وهو الاتفاق الذي أدخل المنطقة مرحلة من التفاهم والتعاون وخلق أجواء تسمح بالتشاور حيال ملفات المنطقة".
تخفيف الضغوط
وقدر الدكتور وجدان عبدالرحمن، الخبير في الشأن الإيراني المقيم في بريطانيا، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أن رغبة إيران في استعادة علاقاتها مع مصر، ليست نابعة من قناعة إيرانية حقيقية، بل فقط محاولة لتخفيف الضغط السياسي والدبلوماسي عليها في ظل العزلة السياسية الدولية.
ويرى عبدالرحمن أنه "إذا كانت طهران جادة في بناء علاقات مع مصر، فعليها ألا تضغط على الأخيرة اقتصاديا، حيث إن دعم طهران للحوثيين أضر بالاقتصاد المصري من خلال قناة السويس".
وفي وقت سابق، أكد الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس في تصريحات لإعلام محلي أن هناك 40% تراجعا في العائدات الدولارية قناة السويس منذ بداية 2024 مقارنة بنفس الفترة في العام الماضي بسبب الهجمات على السفن في البحر الأحمر.
ويستبعد الخبير في الشأن الإيراني أن يتم حل نقاط التباين بين مصر وإيران بشكل سريع، قائلا: "من النقاط الخلافية الكبيرة، الحرب في غزة، والدور الإيراني بها، إضافة إلى أن طهران تريد – بعد البحر الأحمر- أن يكون لها موطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط، والقاهرة تعلم بهذه النوايا".
وتدهورت علاقات مصر وإيران عقب الثورة في إيران عام 1979 وتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وجرت الاتصالات عبر مكاتب مصالح، وهى شكل أقل مستوى من التمثيل الدبلوماسي.
aXA6IDMuMTQyLjIxMi4xMTkg جزيرة ام اند امز