المعادلة الناشئة على أرض الرافدين تميل لمصلحة هدير العراقيين الثائرين ضد هيمنة إيران عبر أدوات عراقية محلية
التحولات الشعبية المتسارعة على أرض العراق باتت تفرض على طهران حصاد أشواكها التي زرعتها وبذرتها بيدها.. حطم العراقيون الـ"تابو" الإيراني في قلب معاقله من البصرة إلى الناصرية إلى كربلاء فالنجف إلى بغداد.. إيران في العراق بعد هذا المشهد الذي سطره العراقيون لن تكون ذاتها كما كانت هناك سابقا.. التلكؤ والتشوش والاضطراب سمات رافقت حتى الآن سلوك وأسلوب التعامل من جانب حكومة بغداد مع ثورة العراقيين ومطالبهم.. الطبقة السياسية بمختلف مواقعها أظهرت في غالبيتها العظمى مدى التماهي مع رغبات طهران ورؤيتها وعكست حالة من التردد الناجم عن الخشية من رد فعل المرجعية الإيرانية تجاهها.. طهران الحائرة في رهاناتها وخياراتها لإجهاض انتفاضة الشباب العراقي تبدو كمن يتجرع المرّ رويدا رويدا، فلا هي تستطيع خوض مواجهة مباشرة ومكشوفة مع الثائرين العراقيين لأسباب منها داخلية إيرانية، ومنها خارجية إقليمية ودولية، فضلا عن الأسباب العراقية الذاتية بأبعادها المذهبية والوطنية لأنها باتت على يقين بأنها ستجد نفسها في مواجهة شرائح من المجتمع العراقي توهمت طهران بأنهم موالون لها على حساب انتمائهم الوطني العراقي، وهذا ما برهنت عليه الأحداث على امتداد الساحات من الجنوب إلى الوسط وتحديدا كربلاء برمزيتها الأكثر بلاغة وتعبيرا كنموذج لرفض العراقيين لكل أشكال الوجود الإيراني بأبعاده السياسية والمذهبية وغيرها، ولا هي قادرة أيضا، كما يبدو حتى الآن، على رسم خارطة لمواجهة انتفاضة العراقيين وتنفيذها عبر وكلائها في الحكومة العراقية وأدواتها من الميليشيات العديدة التي تأتمر بإمرتها وتنفذ سياستها وتصون مصالحها دون أي اعتبار للمصالح الشعبية والوطنية العراقية.
هل من خيارات لدى طهران للملمة شظايا الألغام التي تتوالى تدريجيا ضدها في العراق؟ هل تستطيع تحمل فاتورة سياستها على القرار العراقي الوطني السيادي مع استمرار ثورة العراقيين؟ هل يمكن أن تلجأ إلى افتعال اقتتال داخلي كي تضمن بقاء هيمنتها ولو جزئيا على العراق؟
المعادلة الناشئة على أرض الرافدين تميل لمصلحة هدير العراقيين الثائرين ضد هيمنة إيران عبر أدوات عراقية محلية، صرخة العراقيين منذ لحظتها الأولى كانت تعبيراً عن إحساس متراكم رافض للظلم والاستبداد والاستعباد بكل أشكاله، كما هو رافض للارتهان للمشروع الإيراني بأشكاله العرقية والمذهبية.. ليس من شك في أن قادة إيران استثمروا كثيرا في نهج الفساد والاستبداد المستشري في أوصال الدولة العراقية منذ عام 2003 من خلال سياسييها المرتهنين لطهران الذين مروا على كراسي السلطات جميعها؛ السياسية منها والاقتصادية والعسكرية.. وظفت طهران مقدرات البلاد والعباد الاقتصادية تحديدا لخدمة أجنداتها ومشاريعها ونزعتها التوسعية في العراق وخارج العراق، علاوة على الاستفادة من تلك المقدرات في تعويض النقص الحاصل لديها داخليا وتلبية الاحتياجات الملحة للمجتمع الإيراني ولو بحدها الأدنى، خاصة أن العقوبات المفروضة على إيران التي استجلبتها سياسة الابتزاز والتهديد التي تنتهجها قد فعلت فعلها في أوصال الحياة العامة للإيرانيين بمختلف شرائحهم ومستوياتهم.
حقول الأشواك التي زرعتها طهران أشبعت العراقيين ألما ومعاناة وتهميشا.. ثوار العراق اليوم يؤكدون أنهم لم يعودوا مستعدين لتحمل المزيد، وخياراتهم تتلخص في أن الأسوأ تم تجاوزه ولا بد لزارع الأشواك من أن يحصدها بيده.. الواقع الراهن لنظام الحكم في بغداد وضعه الثائرون العراقيون على صفيح ساخن..
فهل من خيارات لدى طهران للملمة شظايا الألغام التي تتوالى تدريجيا ضدها في العراق؟ هل تستطيع تحمل فاتورة سياستها على القرار العراقي الوطني السيادي مع استمرار ثورة العراقيين؟ هل يمكن أن تلجأ إلى افتعال اقتتال داخلي كي تضمن بقاء هيمنتها ولو جزئياً على العراق؟
النظام الإيراني حصر نفسه في دائرة أبعادها إقليمية ودولية، لكن الأخطر في منحنيات هذه الدائرة يتمثل بالداخل الإيراني الذي يدفع فاتورة سياسة حكامه من حاضره ومستقبله.. ومع تزايد السخط الشعبي الداخلي وتعثر الاقتصاد وانتشار البطالة وارتفاع الأسعار لن يكون الداخل الإيراني بعيدا عن مؤثرات محيطه وما يحدث من حوله..
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة