مما يدعو الاستغراب والدهشة أن طهران المنغمسة كليًا برجالها وعتادها وإعلامها ودبلوماسيتها وخطبائها السياسيين والدينيين
مما يدعو الاستغراب والدهشة أن طهران المنغمسة كليًا برجالها وعتادها وإعلامها ودبلوماسيتها وخطبائها السياسيين والدينيين في دعم نظام بشار الأسد بالقتال إلى جانبه بشكل مباشر ومعلن، وفي تجنيد آلاف الرجال لهذه المهمة القتالية التي تتخذ الطابع الطائفي، هي من تعلن كل يوم عن دعمها وحرصها على تعزيز «الحوار والسلم والبحث عن الحلول السلمية لقضايا المنطقة وفي مقدمتها الأزمة السورية» في الوقت الذي يكتشف فيه العالم بأجمعه أن إيران هي أحد أهم ركائز الفتنة في سوريا وفي المنطقة برمتها.
هذا الخطاب السياسي والديبلوماسي والإعلامي الحمائمي المركز على شعار مركزي مفاده: «أن إيران تبحث عن أفضل السبل لإيجاد حل سلمي للازمة السورية»، يعريه في الواقع انخراط ايران بالكامل في إذكاء الفتنة في سوريا وتشجيع الانقسام الطائفي، وبالتالي توفير المبرر للقوى الإرهابية المتطرفة مثل داعش واخواتها التي أصبحت ترى انخراط ايران - بمليشياتها - في المعركة سببًا كافيًا لتبرير الإرهاب والتطرف، الى درجة أن المعركة في سوريا تحولت في جانب منها إلى معركة إيرانية، ليس ببعيد عنها الطابع الطائفي في تبريراته وتحالفاته وخطابه الإعلامي والسياسي، حتى باتت مثلما يقول المثل العربي: «يقتل القتيل ويمشي في جنازته»، فهي من يمد النظام بالأكسجين اليومي ليكون قادرًا على الاستمرار في القتل المنهجي، وتتحدث في ذات الوقت عن المعالجة السياسية في إطار الحوار الوطني «بما يضمن بقاء الرئيس بشار الاسد في السلطة وديمومة محور المقاومة» (هكذا!).
ومن خلال هذا النوع من الدعاية السياسية الفجة تدخل السياسة الإيرانية الرسمية في مفارقات من النوع المكشوف، نتوقف عند 3 منها على الأقل:
المفارقة الأولى: محور المقاومة
يستميت النظام الإيراني في الدفاع عن نظام الأسد تحت شعار الدفاع عن محور المقاومة، مع أن العالم كله بات يعرف حقيقة هذه المقاومة، في ضوء عجز النظام السوري وحلفائه لعقود عن تحريك حقيقة استمرار احتلال الجولان منذ أكثر من 40 عامًا سياسيًا وعسكريًا، إلى الدرجة التي يبدو فيها النظام حارسًا للاحتلال الإسرائيلي يحول دون أي حدوث أي مقاومة، وفي مقابل ذلك نلحظ سهولة غير عادية في استخدام القوة المسلحة الضخمة «دبابات - طائرات مقاتلة - مدافع - صواريخ...» في دك المدن والقرى السورية، بلا هوادة وقتل الآلاف وتسخير كافة الموارد اللازمة لتحقيق هذا الهدف بما في ذلك الحصول على دعم غير محدود بالسلاح والعتاد والرجال من إيران، فأين هي المقاومة إذن؟ وأين محورها؟ وأين مفاعيلها على الأرض؟ إذا كانت ايران غارقة بكافة أجهزتها الرسمية وغير الرسمية في (مقاومة الدول العربية) والتآمر عليها، وإثارة الفتن الداخلية.
المفارقة الثانية: تطابق إعلامي
الذي يتابع ما تنشره وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» لا يفاجئه أبدًا التطابق الكامل بين الخطابين الرسميين للنظامين السوري والإيراني ليس بشأن الأزمة السورية فحسب، بل بشأن كافة القضايا المحلية والإقليمية والدولية، ولكن الذي يفاجئ به فعليًا أن أكثر من 25% من المادة الإعلامية «الخبرية والتحليلية والتقريرية» في الوكالة السورية هي مادة إيرانية شكلاً ومضمونًا، حتى كأن «الوكالة السورية» قد أصبحت وكالة للتسويق الإعلامي الإيراني، فهي تعج بخطب وكلمات مرشد الجمهورية ورئيس الجمهورية الإيرانية ورئيس مجلس الشورى الإسلامي ووزير الخارجية ورئيس الحرس الثوري وصولاً إلى نسخ من خطب الجمعة لعدد من رجال الدين والمراجع الإيرانية، هذا فضلاً عن الحضور الدراماتيكي لتقارير صحيفة «جمهوري إسلامي» الإيرانية وافتتاحيات صحيفة «كيهان» الإيرانية، ومقالات الكاتب الإيراني مصطفى ملكوتيان حول «تآمر الغرب بالتعاون مع تركيا وبعض الأنظمة العربية الرجعية ضد سوريا جاء ضمن المخططات ضد قوى المقاومة في المنطقة والدول الداعمة لها» لافتًا إلى أن «سوريا وإيران تعتبران الدولتين الرئيسيتين اللتين تقفان جنبًا إلى جنب في الخط الأمامي للمقاومة».!!
المفارقة الثالثة: العقيدة الطائفية
باعتبار أن الحكومة العراقية في المنظور الإيراني واقعة تحت تأثير النظام في إيران، حرص هذا النظام، على تحريض أركان الحكومة العراقية على الانغماس أكثر في دعم النظام في سوريا، وعدم الاكتفاء بالدعم الإعلامي والسياسي، والانتقال إلى مرحلة الدعم اللوجستي لتعزيز قدرات نظام الأسد في مواجهة مقاتلي المعارضة المسلحة بكافة فصائلها، وتشمل الطلبات الإيرانية من كما نشرت في الصحافة الإيرانية ذاتها بالنص: «إنشاء ممرات جوية وبرية آمنة بين إيران وسوريا عبر العراق، وأن تقوم الحكومة العراقية بإقراض النظام السوري بالعملة الصعبة وتصدير النفط العراقي عبر الأراضي السورية، وتزويد الحكومة السورية بالمشتقات النفطية، وفتح باب التطوع أمام آلاف المقاتلين العراقيين، وقطع المساعدات النفطية العراقية المقدمة إلى الأردن، وتجميد العلاقات التجارية والدبلوماسية مع أنقرة، وتأمين بعض التسهيلات لمقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي المعارض في شمال العراق لتعزيز الحرب ضد الجيش التركي، ووضع آلية فعالة لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين بغداد وطهران ودمشق بشأن تهديدات الجماعات المسلحة وبعض الحكومات في المنطقة». فالمطلوب ضمن القائمة الإيرانية هو حمل التحالف الحكومي في العراق على لعب أدوار أكبر وأكثر فعالية للانخراط في الفتنة، بل والمطلوب هو إقناع العراق بالعقيدة السياسية الطائفية التي يتبناها النظام الإيراني في المنطقة وتحميلها مسؤولية انهيار نظام الأسد إن لم يتحرك لمساندة الخطة الإيرانية الرادعة ضد الثورة السورية. إلا أنه من الواضح أن السلطة في العراق لا تستطيع عمليًا المضي قدمًا في التنفيذ الحرفي لقائمة المطالب الإيرانية خوفا من إشعال الفتنة الطائفية داخل العراق من جديد، وخوفًا من إغضاب الأمريكيين من ناحية ثانية.
هذا ما تزال الأيام تأتينا بالمزيد من المفارقات في الموقف الإيراني المستميت في الاصطفاف الطائفي والدفاع عن حلفاء من منظور طائفي لا أكثر ولا أقل في سبيل نشر الفوضى والفتنة الطائفية.
نقلا عن / الأيام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة