قد نفهم تسليح دول العالم لجيوشها بأحدث المعدات، ولكن ما هو غير مفهوم أن تنشئ دولة فيلقاً مهمته القيام بعمليات خارج الحدود لبسط نفوذها
قد نفهم تسليح دول العالم لجيوشها بأحدث المعدات، ولكن ما هو غير مفهوم أن تنشئ دولة فيلقاً مهمته القيام بعمليات خارج الحدود لبسط نفوذها.
تثبت القيادة الإيرانية يوماً بعد آخر أنها ما زالت تعيش في قمقم الثورة ونشوة تصديرها، برغم مرور نحو أربعة عقود على قيام الجمهورية، إذ لا تزال عقلية الثورة هي المسيطرة على مختلف السياسات الداخلية والخارجية، وكأن الثورة هي الغاية وليست الوسيلة للوصول إلى الدولة.
إقرار مجلس الشورى الإيراني لقانون يتضمن بنداً يلزم الحكومة بتخصيص 260 مليون دولار لتمويل فيلق القدس، يمثل رسالة واضحة للعالم بأن طهران ممعنة في تدخلها في شؤون دول المنطقة، وأنها لن تتراجع عن هذا النهج، خلافاً لكل التصريحات والخطب التي تتحدث عن انفتاح طهران على الحوار مع دول الجوار، والعمل وفق سياسة التعاون وحسن الجوار والعيش المشترك.
«فيلق القدس» كما هو معروف، عبارة عن وحدات من القوات الخاصة تتبع الحرس الثوري الإيراني وهي الوحدات المسؤولة عن العمليات خارج الحدود الإقليمية الإيرانية، وهذا يعني أن إيران خصصت مبلغ 260 مليون دولار أيضاً لدعم عملياتها خارج الحدود خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن من خلال دعم الجماعات المسلحة التابعة لها، فضلاً عن خلاياها المتعددة في دول المنطقة وآخرها خلية العبدلي في الكويت.
الدول لها جيوش تدافع عن حدودها وأمنها وسيادتها، وقد نفهم تسليح دول العالم لجيوشها بأحدث المعدات، ولكن ما هو غير مفهوم أن تنشئ دولة فيلقاً مهمته القيام بعمليات خارج الحدود لبسط نفوذها ودعم جماعات مسلحة موالية لها، ونشر أفكارها الثورية القائمة على فكرة «نصرة المستضعفين»، وتوسيع دائرة سيطرتها من خلال التدخل المباشر والمسلح في شؤون الدول الأخرى.
المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية مطالب اليوم بأن يقف وقفة جادة أمام الممارسات الإيرانية، وإرسال رسائل واضحة ومباشرة لطهران بأن عهد الميوعة السياسية ولّى بلا رجعة
وليس بخافٍ أن المعلومات المتعلقة بـ«فيلق القدس» سواء من حيث العدد أو العتاد أو الميزانية، هي معلومات غير متاحة بشكل كبير، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، هو إذا كان التمويل لدعم الفيلق وصل إلى 260 مليون دولار، فكم الميزانية المخصصة لهذا الفيلق، ولماذا تصر إيران على زيادة المخصصات الممنوحة لهذه الوحدات في الوقت الذي يعاني فيه مجتمعها نسب بطالة وصلت بين فئة الشباب إلى 26%؟ أليس أولى بإيران أن تخصص هذه المبالغ لإيجاد فرص عمل لأبنائها التائهين بين براثن الفقر والمخدرات والبطالة؟ أليس الأولى أن توجه طهران ثروات البلاد لتحسين حياة الإيرانيين، بدلاً من توجيهها لدعم جماعات تعيث فساداً في دول المنطقة وتنشر الخراب والدمار بدلاً من النمو والازدهار؟
إيران الثورة سائرة بالمنطقة نحو المجهول، فأحلامها التوسعية وعقدها التاريخية أعمت بصيرة قيادتها التي تسير منذ عام 1979 في نفق مظلم لا نهاية له، نفق تفوح منه رائحة الموت التي تزكم الأنوف، فكم عدد الضحايا من الإيرانيين ومن دول المنطقة الذين دفعوا أرواحهم ثمناً لمهاترات إيران وتصرفاتها العدائية تجاه دول الإقليم؟ ألم يحن الوقت بعد كل هذه السنين لأن تدرك القيادة الإيرانية ألا أحد سيسمح لها بأن تصدر ثورتها وتفرض سيطرتها على دول الجوار؟ ألم يحن الوقت لتتوقف طهران عن تقديم نفسها بصفتها حامية لكل معتنقي مذهبها من دون مراعاة لحقوق المواطنة وسيادة الدول على مواطنيها؟ ألم يحن الوقت لتقتنع القيادة الإيرانية بأن هناك خطوطاً حمراء لن تتجاوزها مهما خصصت من ملايين ومليارات لضرب استقرار المنطقة؟
على القيادة الإيرانية أن تدرك اليوم أنها أمام خيارين، فإما أن تعدّل سياساتها وتتبنى سياسات تحترم سيادة دول الجوار واستقلالها وتتوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية، وإما أن تستمر في طريقها نحو المجهول وتدمير نفسها وإهدار مقدرات الشعب الإيراني بغية تصدير ثورة ولدت عمياء لأنها لم تقم لرفع الظلم عن الشعب الإيراني، بقدر ما كانت ثورة نمت على أوهام «مجد فارس» الذي ذهب بلا رجعة، فالتاريخ لا يعيد نفسه إلا في العقول المتحجرة التي أعماها الحقد والوهم.
المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية مطالب اليوم بأن يقف وقفة جادة أمام الممارسات الإيرانية، وإرسال رسائل واضحة ومباشرة لطهران بأن عهد الميوعة السياسية ولّى بلا رجعة، فالعقوبات الاقتصادية بنظام القطعة لا تجدي نفعاً مع دولة مصرة على مواصلة برنامجها الصاروخي الذي دعمته مؤخراً بمبلغ 260 مليون دولار، ومثله لفيلقها العابث بأمن المنطقة واستقرارها، فلولا التراخي الدولي مع إيران طوال السنوات الماضية لما رأينا قادة فيلق القدس يتجولون بين بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء!
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة