فى بداية الخمسينيات نشر الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابه الأول «إيران فوق بركان».. كان الأستاذ هيكل يقصد «بركان اليسار» الإيراني الذي انفجر في وجه نظام الشاه.
(1)
في بداية الخمسينيات نشر الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابه الأول «إيران فوق بركان».. كان الأستاذ هيكل يقصد «بركان اليسار» الإيراني الذي انفجر في وجه نظام الشاه.
من اليسار إلى اليمين.. راح الأستاذ هيكل يمتدح الثورة الإيرانية بمثل ما امتدح الموجة اليسارية. وعبْر ثلاثين عاماً.. كانت كل كتابات «الأستاذ» تكيل المديح لنظام الخميني ونظام خامنئي. ووصل المديح مداه في كتابه «المقالات اليابانية» حين وصف الخليج العربي بـ«الخليج الفارسي».
إن إيران -حقاً- فوق بركان. هناك هزيمة الريال، وهناك مظاهرات الآذريين.. وهناك عقوبات الولايات المتحدة التي تريد أن تصل بالصادرات الإيرانية إلى «صفر تصدير»!
(2)
لم تكن «إيران فوق بركان» حين كتب الأستاذ هيكل.. ولم تكن «مدافع آية الله» في الاتجاه الصحيح كما كتب لاحقاً.. واليوم.. فإن العنوان القديم للأستاذ يبدو صحيحاً تماماً.. في الزمان وفي المكان.
إن إيران -حقاً- فوق بركان. هناك هزيمة الريال، وهناك مظاهرات الآذريين.. وهناك عقوبات الولايات المتحدة التي تريد أن تصل بالصادرات الإيرانية إلى «صفر تصدير»!
لقد تراجعت العملة الإيرانية «الريال» كثيراً كثيراً. ثمّة طوابير تقف ساعات أمام دور الصرافة ثم تنصرف دون الحصول على دولار واحد. وهناك فارق شاسع بين سعر الدولار عند الحكومة وسعره في الأسواق. عند الحكومة يزيد سعر الدولار قليلاً عن الـ(40) ألف ريال.. وفي السوق السوداء يزيد سعر الدولار كثيراً على (150) ألف ريال.
تم عزل محافظ البنك المركزي وأربعة وزراء.. ولكن مجلة فوربس تقول: إن إيران التي خسرت ثلثي قيمة عملتها تمضي على خطى فنزويلا. تتحدث صحف أمريكية عن أن سيناريو العراق يتكرر.. عقوبات تؤدي إلى ضعف النظام.. ثم غضب الناس.. ثم مزيد من ضعف النظام.. ثم مزيد من غضب الناس.. ثم إسقاط النظام.
وتقول صحف روسية: إذا كانت أمريكا تريد إسقاط النظام في إيران بهذه الطريقة.. فسوف يسقط بالطبع.
(3)
تبحث إيران عن أصدقاء في وقتٍ عزَّت فيه الصداقة في العلاقات الدولية.. إن الحليف العراقي لم يعد كما كان.. عادت النزعة الاستقلالية إلى العراق، وبات التيار الوطني ينظر إلى وطنه باعتباره مكافئاً ومساوياً لإيران. تحوَّل العراق الذي تفوق حضارته حضارة إيران.. من التبعية إلى النديّة.. ومن منحنى الهبوط إلى منحنى الصعود.
لم تعد إيران تراهن على العراق الذي لطالما وقّع لطهران «على بياض».. وكانت صدمة طهران بلا حدود إزاء قرار العراق الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران.
تتجه طهران صوْب أنقرة.. وتظهر أنقرة الكثير من البراجماتية.. وآفاق التحالف مع إيران. تتحدث تركيا عن زيادة حجم التبادل التجاري إلى (30) مليار دولار.. وعن رفضها العقوبات الأمريكية على إيران. ولكن الحقيقة قد لا تكون كذلك بالضرورة.
إن تركيا تواجه عقوبات هي الأخرى.. وتواجه الليرة التركية ما يواجه الريال الإيراني.. وكل ما تفعله تركيا الآن.. البحث عن صفقة مع أمريكا.. أنْ يخرج القس الأمريكي، وأنْ يجري التخلي عن مطلب محاكمة جولن.. وأنْ تعود العلاقات مع واشنطن كما كانت. تبحث تركيا عن صفقة جريئة: خنق إيران من أجل أن تتنفس تركيا.
تتجه إيران إلى روسيا والصين والهند.. يمكنهم بالطبع فعل الكثير.. لكن السيناريو الأمريكي: «صفر تصدير».. لن يمكَّن هذه القوى الكبرى من الإنقاذ.. فلقد تأخر الوقت كثيراً.
(4)
لطالما كانت إيران تمتلك خطوطاً مباشرة سريّة مع أمريكا.. لكن خطوط أمريكا الداخلية نفسها تواجه الارتباك والانقطاع.. وما كان إطاراً للعمل في الماضي لم يعد قائماً على النحو ذاته في الحاضر.
إن إيران لا تواجه الولايات المتحدة وحلفاءها وحدهم.. ذلك أن أخطر معادلة تواجه البلاد هي أنَّ إيران ضد إيران.. والمستقبل ضد التاريخ.
وفي قولةٍ واحدة: إيران فوق بركان.
نقلا عن صحيفة "الوطن" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة