ساءت العلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران إثر الغزو الأميركي للعراق، وتفاقم الأمر مع رئاسة محمود أحمدي نجاد
ساءت العلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران إثر الغزو الأميركي للعراق، وتفاقم الأمر مع رئاسة محمود أحمدي نجاد، ثم الحرب في سوريا والتدخل الإيراني في اليمن.
كان العالم يأمل بأنه مع حكومة حسن روحاني ستبدأ خطوات الانفراج بين الدولتين. لم يفكر أحد بصداقة أو بتحالف، إنما مجرد أن يجلسا ويتحدثا إلى بعضهما البعض. في السابق كانت هناك على الأقل علاقات دبلوماسية بينهما، هذا غير متوفر الآن، وقد تراجعت العلاقات بين الدولتين مع روحاني لأن صلاحياته محدودة والسياسة الإيرانية الخارجية بيد كل من المرشد الأعلى والحرس الثوري.
ثم جاء موسم الحج؛ حاول المرشد علي خامنئي أن يستفيد من عدم مشاركة الحجاج الإيرانيين هذا العام. يعرف أن السبب يعود إلى تعنت قيادته، ويعرف أيًضا أن الحكومة لا تتمتع بشعبية، ويعرف أيًضا وأيًضا أن الإيرانيين لا يكنون أي مودة للسعوديين، فرأى أنه من السهل عليه أن يشن هجوًما كلامًيا قاسًيا على السعودية واضًعا اللوم عليها، معتقًدا بأنه في ذلك يبعد المسؤولية عنه، لكن لم يكن له ما اعتقد.
يقول علي رضا نادر محلل السياسة الدولية في «مؤسسة راند» وواضع الكثير من التقارير عن إيران: «في الأساس لا تستطيع حكومة روحاني فعل أي شيء، إذ لا سلطة للرئاسة في إيران ولست متأكًدا من أن روحاني في وضع يسمح له بتعديل الأحداث أو تغيير مجراها ومن الصعب رؤية تغيير جذري في إيران».
أسأل: ماذا يريد خامنئي من العالم العربي ومن الشرق الأوسط؟ يقول: «أعتقد أن خامنئي يريد أن يتأكد من أن الجمهورية الإسلامية قوة مهيمنة على كامل المنطقة».
تبرر إيران سياستها العدوانية ضد العرب بأنها تتعرض لحصار عربي، وبالتالي إذا لم «تشن» هجوًما قوًيا سيكون دفاعها ضعيًفا، وتضاعف هجومها في سوريا والعراق واليمن.
يقول نادر: «تعتقد إيران أنها إذا لم تقاتل (داعش) و(القاعدة) في العراق وسوريا فسوف تواجههما في الداخل. وخطتها أن تربط دول الخليج بهذه المنظمات فتحصل بهذه الطريقة على دعم شعبي أكبر داخل إيران، ودعم من الشيعة في الشرق الأوسط وربما بعض السنة، وتصبح أقرب إلى بعض الدول الغربية لجهة الادعاء بأنها ضد (القاعدة) وضد (داعش)».
يرى أنه إذا نجح التحالف الدولي والعربي بدحر «داعش» فإن إيران ستجد أعداء جدًدا. ستكون هناك دائًما مجموعات سنية متطرفة وستكون الولايات المتحدة الأميركية دائًما الحائط الذي سترمي عليه إيران المسؤولية، وقد تعود إلى مضاعفة نشاطها ضد إسرائيل، ثم هناك المنافسة مع تركيا.
إن قائمة الأعداء بالنسبة إلى إيران غير محدودة حتى ولو انتهى «داعش»، ومن المستبعد أن يختفي بالكامل، لأنه ستظل هناك مجموعات أخرى تتحدى محاولة سيطرة إيران على العراق وسوريا.
يقول نادر: «من يعرف كم ستستمر الحرب في سوريا، وقد يحدث عصيان في العراق في المستقبل القريب، لهذا لا أعتقد أن الأسباب التي تقوم عليها السياسة الإيرانية الخارجية ستختفي».
شيعة العراق العرب ليسوا عملاء لإيران، وصار السوريون يقولون الآن: سوريا للسوريين فقط. ولا يعتقد نادر أن الكثير من الشيعة العرب يريدون القتال من أجل إيران. هناك أقلية صغيرة بينهم ملتزمة بالآيديولوجيا الإيرانية وتقاتل من أجلها، إما لأنها تعتمد كلًيا عليها مادًيا، أو لأنها تشعر بالتهميش.
من الأسباب التي تجعل من إيران مؤثرة في العراق أن الحكومة المركزية العراقية لم تنجح في القتال ضد «داعش» فتحركت إيران ومولت الميليشيات الشيعية في العراق، الأمر الذي أضعف الحكومة المركزية هناك وجعلها تعتمد أكثر على إيران.
بالنسبة إلى نظام الأسد، فلا أصدقاء له سوى روسيا وإيران و«حزب الله» اللبناني.
ويتساءل نادر: هل العلويون وحتى السنة الذين يدعمون النظام يحبون إيران؟ كلا. لكنها تساعدهم على البقاء، وإذا انتهت الحرب الأهلية فإن الحكومة السورية ستكون أكثر منها قبل الحرب، اعتماًدا على إيران.
لهذا نرى الجنرال قاسم سليماني يتنقل بين العراق وسوريا، وكأنه «يشرف على ممتلكاته». رغم أنه لم يحسم الحرب في أي منهما حتى الآن. وساعد هذا على انتشار الشائعات بأنه قد يكون الرئيس الإيراني المقبل. جاء روحاني بعلي شمخاني مستشار الأمن القومي ليواجه سليماني، وهو شخصية مهمة لكنه بيروقراطي، في حين تصور القيادة الإيرانية سليماني كبطل. شعبيته تعتمد على أنه يدافع عن إيران ضد «داعش» وضد السنة المتشددين، وأنه هزم الأميركيين في العراق، وجعل من إيران دولة قوية في الشرق الأوسط. هذا المفهوم منتشر لدى النخبة في إيران التي ترى أن النظام السوري لم يسقط ولا تزال حلب محاصرة.
وهل هذا يعود إلى إيران أم إلى روسيا؟ يقول نادر: «للاثنين مًعا. التدخل الروسي كان حاسًما لكن إذا نظرنا إلى القوات البرية في سوريا نرى أن الأكثر فعالية ليسوا السوريين، بل هم العراقيون والإيرانيون و(حزب الله). وهذا يؤجج الحرب المفتوحة حول سوريا وحول دور كل من السعودية وإيران».
ويضيف نادر: نظرًيا هناك مجال لتسوية الخلافات بين الدولتين، يتخوف من أن يصبح الصراع أوسع. ويرى «إن أبسط شيء أمام الدولتين أن تجلسا وتتحدثا حتى لو لم تتفقا حول تحديد مصالحهما».
يوضح: «إن الإيرانيين والسعوديين يعرفون القليل عن بعضهما البعض، وهذا بحد ذاته خطر». هناك احتمال بأن يحدث شيء في المنطقة؛ قد تحدث اصطدامات، وقد تتأثر مناطق أبعد، الشرق الأوسط متفجر ويزداد الأمر سوًءا ويصل إلى أفغانستان وباكستان.
لكن ما دامت إيران تضع في استراتيجيتها السيطرة على المنطقة مهما كانت الكلفة من خراب وخسائر، فلن يستطيع أحد إقناع الطرفين بالجلوس مًعا، لا الولايات المتحدة قادرة ولا أوروبا. حتى الرئيس الأميركي المقبل لن يستطيع أن يقنع الدولتين بالجلوس، غير أنه من المفيد أن نرى ماذا سيفعل. الصورة قاتمة وقد تمتد إلى سنوات عدة.
يقول نادر: «من المثير مراقبة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثم هناك انتخابات رئاسية في إيران العام المقبل، والوضع في تركيا مائع، الترتيبات الداخلية في بعض الدول مؤثرة جًدا». ويضيف: «هناك أيًضا خلافة خامنئي. فإذا نجحت النخب السياسية في الدول المعنية بما فيها السعودية، واستطاعت أن تتفهم بعضها بعًضا، ستتوفر الفرصة، إلا أن عدم معرفة ما سيجري داخل كل دولة لا يسمح لنا بالتفاؤل، فالظروف التي تسمح بالتفاؤل غير متوفرة الآن».
أسأل: رغم أن الحكومة الإيرانية لا تتمتع بالشعبية فهل النظام مستقر؟ يقول نادر: «بالنسبة إلى أوضاع الشرق الأوسط نعم. وازدادت نسبة الاستقرار بعد خروج أحمدي نجاد من السلطة، وبعد توقيع إيران الاتفاقية النووية، لكن كل هذا نسبي لأنه بعد خامنئي سيكون الاستقرار قضية مفتوحة على كثير من الاحتمالات».
يرفض نادر المراهنة على الاستقرار المستقبلي لإيران، لكن: «إذا قارناها الآن بالعراق وسوريا ولبنان وأفغانستان نلاحظ أنها أكثر استقراًرا حتى من تركيا، لكن كل شيء قد يتغير بسرعة». عام 2009 خرجت مظاهرات ضخمة في إيران، وكان الاقتصاد يعاني، وكانت هناك انقسامات داخلية كثيرة، لكن السلطة نجحت في تجاوز ذلك ووقفت إدارة الرئيس باراك أوباما وقفة الممانعة وكأنها تحمي النظام، عكس ما فعلت مع دول «الربيع العربي».كان هناك تفكير «أميركي أوبامي» بحمايته استعداًدا لما سيتوفر لاحًقا من التوقيع على «النووي».
لكن، الوضع الاقتصادي لا يزال سيًئا جًدا، إذ بين اللاجئين إلى أوروبا الكثير من الإيرانيين. ليس هناك لاجئ جاء من دول الخليج. وهذا دليل مؤكد على أنظمة يريدها شعبها وتريده، وعلى نظام يريد التوسع على حساب حماية شعبه. أسقط النظام الإيراني صفة الاحترام عن شعبه عندما أمر مليوًنا منهم بالعبور إلى كربلاء لأداء ما سماه «زيارة عرفة» وألغى مبدأ السيادة عند العراق. هذه الخطوة تؤكد سعي طهران إلى شق صف المسلمين. لكن، هل يبقى الحرس الثوري هو الأقوى؟
يقول نادر: «إنهم أقوياء وبعد خامنئي سيكون لهم الدور الأساسي في تقرير من سيخلفه». أسأل، أي إن الحرس الثوري سيكون العنوان في إيران؟ يجيب: نعم!
نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة