يتطرق أهم بنود الاتفاق المعلن حول سورية الى هدنة عسكرية وتقليص لأعمال العنف ووقف العمليات القتالية
يتطرق أهم بنود الاتفاق المعلن حول سورية الى هدنة عسكرية وتقليص لأعمال العنف ووقف العمليات القتالية والسماح بوصول الإمدادات الإنسانية الى جميع المناطق السورية، ثم الاتفاق لاحقًا على عمليات عسكرية تطاول تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة». لم يرفض الاتفاق أيًا من القوى الفاعلة على الأرض، سواء من الجانب الذي يعمل تحت رعاية روسيا، أو من الجانب الآخر العامل تحت الرعاية الأميركية. فالجميع في حاجة الى التقاط الأنفاس بعد أن أنهكت الحرب القوى وأضعفت قدراتها على اتخاذ قرارات تحسم الحرب عسكريًا. لكن الاتفاق، ومنذ ساعاته الأولى، أثار جملة أسئلة وشكوك حول مضمونه ومسار تنفيذه، وهو أمر طبيعي في كل أزمة. الى أن تتضح تفاصيل الاتفاق كاملة، لا بد من تعيين بعض القضايا المتصلة به.
إن السماح بوصول إمدادات إنسانية الى جميع المناطق مسألة مهمة وإيجابية، بعد المعاناة التي عاشتها مناطق متعددة من حصار النظام وميليشياته. كما أن وقف الأعمال العسكرية يعطي السوريين، شعبًا ومعارضة، فرصة لإعادة التموضع، ويمنع النظام من متابعة حربه بهدف الحسم العسكري. السؤال التشكيكي عن مدى التزام النظام بوقف الأعمال العسكرية، في وقت كان يرفض أي هدنة ويرى فيها انتصارًا للمعارضة. هذه ملاحظة أولى. الملاحظة الثانية تتصل بما أعلن عنه في شأن التمييز بين قوى المعارضة المطلوب تواصل الحرب ضدها. الاتفاق يحددها بـ «داعش والنصرة»، لكن المسلك الروسي دأب على وضع المعارضة كلها في سلة واحدة، فكيف سيتم التصنيف مع تداخل المجموعات المسلحة مع بعضها البعض. كأّن الاتفاق يطلب من المعارضة خوض حرب داخلية بين بعضها البعض لتصفية قوى «داعش والنصرة» والفرز الحاسم بينهما تمهيدًا لعمليات الروس والأميركيين عليهما. إذا كانت تلك وجهة الروس في التعامل مع المعارضة، فلا يبدو أن الأميركيين يخالفون هذا التوجه.الملاحظة الثالثة، أن الاتفاق لا يلحظ كلامًا عن سائر القوى لدور تركيا المستجد. فهل يضمر هذا التغييب تكريس مناطق أمر واقع كما أفرزتها الحرب
حتى الآن، وهي مناطق بات فيها التغيير الديموغرافي ملموسًا، بحيث يتكرس تقسيم سورية تحت الرعاية الأميركية والروسية؟ وماذا عن الموقع الكردي المرعى أميركيًا نحو كيان ذاتي يتم العمل على ترسيخه؟
يتجنب الاتفاق الحديث عن العملية السياسية الانتقالية أو الدائمة، وهي الموضوع الأساسي في الأزمة السورية. قد تكون الشكوك كبيرة حول هذا الجانب. ما طبيعة النظام المقبل وما موقع القوى السياسية المعارضة للنظام؟ والأهم من ذلك كله، تلك النقطة المتعلقة بمصير الرئيس الأسد، في ظل موقف روسي، كان حاسمًا حتى الآن في التمسك ببقائه راهنًا ومستقبًلا، إضافة الى تراجع أميركي واضح عن المطالبة برحيله. تضاف الى ذلك، جملة شكوك عن المدى الذي سيذهب فيه النظام في التنازل، في حال ضغط عليه الروس، في وقت يعرف النظام أن كل تسوية سياسية ستكون من حسابه أكثر مما هي من حساب المعارضة. ستظهر الأسابيع المقبلة حقيقة الاتفاق بين الروس والأميركيين، وطبيعة الصفقة التي أجريت، وما إذا تجاوزت الأزمة السورية الى مناطق دولية متنازع على النفوذ فيها. كما ستظهر مدى التزام «حلفاء الروس» من الإيرانيين والنظام وحدود الذهاب في تسوية جدية، تحيط بها الشكوك من كل جانب. في بلد تحكمه قوى أمر واقع مسلحة، متداخلة بين بعضها البعض، وبرعاية قوى عظمى آخر اهتماماتها ما يصيب سورية وشعبها من قتل وتدمير، في بلد هكذا حاله، لا يسع المرء إلا التعاطي بحذر شديد مع أي توقعات إيجابية توصل السوريين الى خلاص من المجزرة المستمرة على كل المستويات.
نقلاً عن صحيفة الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة