تحديات جديدة أمام جهود إيران لإعادة التواصل مع الغرب
منذ وصولها إلى السلطة في يوليو/تموز الماضي، أبدت القيادة السياسية الإيرانية الجديدة اهتمامها بإعادة التواصل مع الغرب، في خطوة قد تؤدي إلى استعادة العلاقات وتخفيف العقوبات على الدولة المعزولة.
إلا أن الانخراط بالنسبة لإيران، «أصبح أكثر صعوبة الآن من أي وقت مضى، فقد أصبحت طهران متورطة بعمق في الصراع الإسرائيلي اللبناني، فيما الاتفاق النووي في حالة يرثى لها»، بحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، التي أشارت إلى أن العقوبات أدت إلى شلل الاقتصاد.
وفي هذا الأسبوع، اتهمت الولايات المتحدة إيران بإرسال صواريخ باليستية إلى روسيا وفرضت عقوبات جديدة.
ومع ذلك، يقول دبلوماسيون ومسؤولون إقليميون إن التطورات التي حدثت هذا الأسبوع من غير المرجح أن تعوق جهود الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لإخراج بلاده من العزلة، وهو ما وصفه أحد الدبلوماسيين العرب بأنه «الخيار الوحيد» للبلاد.
تخفيف الضغوط
وقال الدبلوماسي الذي يلتقي بانتظام مع المسؤولين الإيرانيين، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «في هذه الحالة، الوقت ليس في صالح إيران»، مضيفًا أن إيران «تبدو حريصة على تأمين نوع من التقدم نحو المشاركة لتخفيف الضغوط المحلية والدولية».
وعندما أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن العقوبات يوم الثلاثاء، تناول المبادرات الدبلوماسية الإيرانية بشكل مباشر، مشيرًا إلى أن «الرئيس الإيراني الجديد ووزير خارجيته أكدا مرارا وتكرارا أنهما يريدان استعادة التواصل مع أوروبا، ويريدان تخفيف العقوبات»، مضيفا أن «مثل هذه الإجراءات المزعزعة للاستقرار ستؤدي إلى العكس تماما».
وتبدو العقوبات أخف من المتوقع، عندما حذرت الدول الأوروبية إيران من أن نقل الصواريخ الباليستية إلى روسيا يقترب من «الخط الأحمر» في حرب أوكرانيا. وتستهدف هذه الإجراءات إلى حد كبير الطيران المدني الإيراني وقد يستغرق دخولها حيز التنفيذ عدة أشهر.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن مزاعم نقل الأسلحة «خدعة دعائية حقيرة وكذبة صارخة».
مساران للسياسة الإيرانية
وتقول نيكول جرايفسكي، زميلة مؤسسة كارنيغي، إن صفقة الصواريخ الباليستية مع روسيا، والتي زعمت وزارة الخزانة الأمريكية أنه تم التفاوض عليها قبل وقت طويل من تولي بزشكيان السلطة، هي مثال على الكيفية التي تسير بها السياسة الإيرانية في كثير من الأحيان على مسارين.
وقال جرايفسكي، مؤلف كتاب «روسيا وإيران: شركاء في التحدي من سوريا إلى أوكرانيا»: بينما قد تدفع القيادة المدنية نحو الإصلاح أو الدبلوماسية، فإن الأجهزة العسكرية والأمنية تحافظ على أهدافها الطويلة الأجل، والتي غالبا ما تكون مستقلة عن القيادة السياسية.
وبعد مرور بضعة أشهر فقط على توليه منصبه، يواجه بزشكيان أزمات متعددة في الداخل والخارج.
ولقد استمرت الحرب في غزة لمدة عام تقريبا، وخلال تلك الفترة تبادلت إسرائيل إطلاق النار بشكل يومي تقريبا مع حزب الله، أقوى المليشيات المتحالفة مع إيران.
وعلى الصعيد المحلي، سجل الاقتصاد الإيراني مستويات منخفضة قياسية بشكل متكرر. وما زال الإحباط واسع النطاق إزاء استخدام تكتيكات قاسية من جانب قوات الأمن يتصاعد.
تضاؤل فرص الرد
وبعد مقتل زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران في يوليو/تموز، تعهدت إيران برد «حاسم». وكان ذلك قبل أكثر من شهر. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون، أن كل يوم يمر يقلل من فرص وقوع حادث كبير وتصعيد، رغم بقاء أصول عسكرية أمريكية إضافية في المنطقة كرادع.
ومنذ انتخاب بزشكيان، أشارت إيران لإدارة بايدن إلى أنها مهتمة بالمحادثات، لكن المسؤولين الأمريكيين ينتظرون إشارات الدعم من المرشد الأعلى الإيراني، الذي يعد صانع القرار النهائي.
وقال مسؤول لبناني يتعامل بانتظام مع طهران، شريطة عدم الكشف عن هويته: «من خلال الوقوف إلى جانب روسيا في حربها، تدافع إيران عن مصالحها ووجودها».
المسؤول أضاف أن العقوبات الأخيرة المفروضة على إيران هي جزء من سياسة تهدف إلى وضعها تحت «ضغوط مستمرة»، لكن في الآونة الأخيرة، كما قال، يبدو أن هذا النهج يؤدي إلى عوائد متناقصة.
وبحسب المسؤول اللبناني، فإن «هذه العقوبات أصبحت سلاحا ذا حدين»، مضيفا أنها شلت اقتصاد إيران وقدرتها على إظهار القوة، لكنها استلزمت -أيضا- علاقات أقوى مع دول مثل روسيا».
ولقد واصلت إيران تطوير برنامجها النووي وإحباط مفتشي الوكالة الدوليين. فقد مُنع خبراء تخصيب اليورانيوم من الانضمام إلى فرق التفتيش، كما فشلت إيران في تفسير آثار اليورانيوم التي عُثر عليها في مواقع غير معلنة.
لكن في اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عقد هذا الأسبوع في فيينا، قال رافائيل غروسي رئيس الوكالة إن بزشكيان وافق على الاجتماع لمناقشة تحسين التعاون.
غروسي أضاف في بيان: «أشجع إيران على تسهيل مثل هذا الاجتماع في المستقبل غير البعيد حتى نتمكن من إقامة حوار بناء يؤدي بسرعة إلى نتائج حقيقية».
وعندما سأله الصحفيون عما إذا كان «المستقبل غير البعيد» يعني بعد الانتخابات الأمريكية، رد غروسي: «لا، وآمل أن يكون قبل ذلك».
فشل الاختراق
كان إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 أولوية لإدارة بايدن. وقد أحرزت المحادثات تقدمًا كافيًا بحيث كان الجانبان يراجعان في عام 2022 النصوص «النهائية» لاتفاق محتمل، لكنهما فشلا في تأمين اختراق.
وكبح الاتفاق جماح البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات، لكنه انهار عندما انسحب الرئيس دونالد ترامب في عام 2018 وفرض عقوبات «أقصى ضغط» جديدة على إيران.
وعلى أساس وعود بتحسين الاقتصاد من خلال إنهاء العزلة، خاض الرئيس الإيراني حملته الانتخابية، ومع تشكيل حكومته، عكست تعييناته تركيزًا أكبر على الدبلوماسية.
وعين وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، الذي تفاوض على الاتفاق النووي لعام 2015، نائبًا استراتيجيًا للرئيس، فيما الدبلوماسي المحترف عباس عراقجي، وهو عضو آخر في فريق التفاوض النووي، عين وزيرًا للخارجية.
موافقة المرشد
ويقول سينا آزودي، الخبير في الشؤون الإيرانية والمحاضر في جامعة جورج واشنطن، عن تشكيل حكومة بزشكيان: «لقد وضع كل الأشخاص المناسبين في المكان المناسب. والسؤال هو ما إذا كان بزشكيان قادراً على الحصول على موافقة [علي] خامنئي»، المرشد الأعلى لإيران.
وعلى مدى الشهر الماضي، بدا أن بزشكيان يبذل قصارى جهده لإبقاء خامنئي إلى جانبه، كما قال آزودي، مضيفا: «إنه نوع من النهج الذي يشبه احتضان الدب»، وهو ما قد يخدم بزشكيان بشكل جيد إذا تعرض لانتقادات من المحافظين الإيرانيين المعارضين للمشاركة.
وخاطب خامنئي حكومة بزشكيان بشكل مباشر الشهر الماضي، قائلا في مقطع فيديو بثه التلفزيون الرسمي: «لا ينبغي لنا أن نعلق آمالنا على العدو. ولا ينبغي لنا أن ننتظر موافقة الأعداء على خططنا. ولا تناقض بيننا وبين العدو نفسه في بعض الأماكن. ولا يوجد أي عائق».
ورغم أن هذه التصريحات كانت غامضة، فإن كثيرين فسروها على أنها تفتح الباب أمام محادثات محتملة مع الغرب. لكن في نفس الخطاب، تضمن خطاب خامنئي تحذيراً: «لا تثقوا في العدو».
وقالت سوزان مالوني، مديرة برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينغز وخبيرة في الشؤون الإيرانية، إن المرشد الأعلى الإيراني «كان دائما يمنح حكوماته قدرا قليلا من الحرية لاختبار المياه ومعرفة ما يمكن أن تحققه».
لكن من غير الواضح نوع الصفقة التي من الممكن التوصل إليها، تضيف مالوني، مشيرة إلى أن «البنية التي كانت ناجحة قبل عشر سنوات أصبحت غير قابلة للتصور اليوم».