الهجوم الإيراني.. «انتكاسة» وضريبة مزدوجة باهظة
مع إطلاق إيران مسيرات إيرانية وصواريخ باتجاه إسرائيل، مساء السبت، أثيرت تساؤلات بشأن الأسباب التي دفعت طهران لشن مثل هذا الهجوم، الذي يُعد الأول من نوعه، وما إذا كان مقامرة محسوبة المخاطر أم لا.
وحذرت إيران اليوم الأحد إسرائيل والولايات المتحدة بأنها ستتخذ إجراءات أكبر بكثير في حالة الرد على الهجوم الذي شنته طهران بطائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل خلال الليل، بينما قالت إسرائيل إن «الحملة العسكرية لم تنته بعد».
فهل كان الهجوم مقامرة محسوبة المخاطر؟
تقول صحيفة «تليغراف» البريطانية، إن «طهران تلعب لعبة عالية المخاطر من أسوأ أنواع الألعاب الممكنة، لكنها مقامرة منطقية»، مشيرة إلى أن «الهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل في وقت متأخر من ليلة السبت هو مقامرة عالية المخاطر من أسوأ الأنواع الممكنة».
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن الهجوم نفسه كان منسقا بشكل جيد مسبقًا، مشيرة إلى أنه رغم الأعداد الكبيرة من المقذوفات المستخدمة، إلا أنه كان محسوبًا جيدًا؛ فوضعه لم يكن يشير إلى أن هناك دولة ترمي بنفسها في حرب شاملة حتى الآن.
وتقول «تليغراف»، إنه «لو كانت طهران تريد حقاً إلحاق أضرار جسيمة بعدوها اللدود، لما كان هناك أي تحذير، ولصدرت أوامر لحزب الله، وكيلها وورقتها الرابحة في المنطقة، بشن حرب خاطفة متزامنة خاصة به من لبنان».
رسائل إيرانية
ويُعتقد أن جماعة حزب الله اللبنانية، -التي تجعل «حماس» تبدو وكأنها سمكة صغيرة- لديها أكثر من 100 ألف صاروخ موجه نحو إسرائيل، ونسبة كبيرة منها موجهة بدقة، ما يعني أن إيران أرسلت رسالة مفادها أنها اكتفيت ولن تسمح بعد الآن باغتيال أعضاء من حرسها الثوري دون انتقام مباشر.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن حجم الهجوم – الذي شمل أكثر من 300 طائرة بدون طيار وصاروخ – يوضح لإسرائيل أنها تعتمد على الدعم الأمريكي وغيره من الدول الغربية لحمايتها، مشيرة إلى أن نظام الدفاع الجوي «القبة الحديدية» جيد، لكنه لا يزال أكثر من قادر على التغلب عليه.
ويشكل الهجوم الإيراني أيضاً تحدياً أمام الغرب، وحاملا رسالة مفادها: هل ينبغي لهم أن يخاطروا بحرب شاملة في المنطقة أم أنه من الأفضل السيطرة على إسرائيل؟
كما ترسل إيران إشارة إلى شعبها بأنها ليست عاجزة في مواجهة الهجمات الإسرائيلية، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إن هذا الأمر يعد مهمًا بالنسبة للنظام الذي يكافح من أجل الحفاظ على الشرعية في الداخل في مواجهة الانكماش الاقتصادي الحاد والاضطرابات المدنية المتصاعدة.
وبينما يأمل النظام في إيران أن يكون سرب الطائرات بدون طيار كافيا لإظهار القوة دون التسبب في هجوم مضاد مروع على إيران نفسها، إلا أن منع التصعيد والحرب الشاملة لن يكون بالأمر السهل.
وقالت إيران يوم الأحد إن الهجوم كان عملا مشروعا للدفاع عن النفس بموجب ميثاق الأمم المتحدة و«يمكن اعتبار الأمر منتهيا».
من ناحية أخرى، وصفت إسرائيل الهجوم الإيراني بأنه «تصعيد كبير»، وورد أنها أبلغت الولايات المتحدة ودولا أخرى في الشرق الأوسط أنه سيتعين عليها الرد.
ويبدو أن هناك القليل من الشك في أن الغرب سيحاول منع وقوع هجوم مضاد، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس بالرجل الذي يمكن تقييده بسهولة، بحسب الصحيفة البريطانية.
ورغم أنه موقفه في الداخل مثل زعماء إيران، محفوف بالمخاطر، ما يعني أنه إذا فشل في الرد، فقد يتم طرده من قبل المتعصبين الدينيين الذين تعتمد عليهم حكومته الائتلافية، إلا أنه من المؤكد أن الأمريكيين سيضغطون بقوة لوقف تصاعد الصراع.
وبمجرد صمت سماء إسرائيل صباح الأحد، أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أنه سيسعى إلى حل دبلوماسي، قائلا إنه «سينسق رداً دبلوماسياً موحداً على الهجوم الإيراني الوقح»، بينما حذر إيران من أن أمريكا «ستظل يقظة في مواجهة جميع التهديدات» في المنطقة.
وسرعان ما رددت لندن الرسالة، فرئيس الوزراء ريشي سوناك قال إنه «عازم على تهدئة الأزمة (..) كل جهودنا في الوقت الحالي تهدف إلى وقف التصعيد».
وأجابت فيكتوريا أتكينز، وزيرة الصحة البريطانية، على تساؤل بشأن موقف الحكومة من الهجوم، قائلة: «لا نريد سوء تقدير أو تصعيد في الأحداث لأننا نعلم أن ذلك سيكون له أثره».
الرسالة نفسها ترددت في بيانات دول متنوعة مثل روسيا ومصر والمملكة العربية السعودية وفرنسا ودولة الإمارات العربية المتحدة، بحسب «التلغراف»، التي قالت إن «هذه ليست مجرد كلمات. فالدبلوماسيون في جميع أنحاء العالم يستطيعون أن يروا المخاطر. إذا اندلعت حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وإيران، فمن شبه المؤكد أنها ستجر أجزاء كبيرة من بقية العالم إلى العواقب المدمرة».
لكن هل يستطيع نتنياهو ضبط النفس؟
قال مصدر استخباراتي إسرائيلي كبير لصحيفة «التلغراف»، إن العملية الإيرانية كانت بمثابة انتكاسة كبيرة لطهران التي كانت تأمل في إظهار قوتها في أعقاب الغارة الجوية الإسرائيلية على مجمع القنصلية الإيرانية في دمشق في وقت سابق من هذا الشهر.
فـ«لم يتوقعوا أن التحالف يعمل ضدهم، البريطانيون والفرنسيون والأمريكيون الذين سيعترضون الصواريخ، لذلك إنه أمر لا يصدق عندما تفكر في وضع إسرائيل قبل أسبوع واحد»، في إشارة إلى الانتقاد الغربي العلني للدولة العبرية، بسبب هجماتها على قطاع غزة.
انتكاسة مزدوجة
«إنها ضربة استراتيجية كبيرة للإيرانيين وانتكاسة للمحور الإيراني. لا أعتقد أنهم سيستأنفونه لأنه كان هجومًا كارثيًا وفشلًا كبيرًا»، يقول المصدر الاستخباراتي، مضيفًا: إذا كان هناك أمل، فهو يكمن في حقيقة أن عدداً كبيراً جداً من الصواريخ التي أطلقتها إيران يوم السبت أسقطتها الأصول العسكرية الغربية، وليس الجيش الإسرائيلي.
ويقول الخبراء إن هذا من شأنه أن يمنح بايدن وغيره من القادة الغربيين نفوذاً حقيقياً على إسرائيل.
وقال مصدر استخباراتي إسرائيلي لصحيفة «تليغراف»: «سيكون هناك ثمن. من الآن فصاعدا، سوف يملي الأمريكيون علينا كل شيء في هذه المنطقة، وأنا شخصيا أخشى أن تقوم الإدارة الأمريكية بوقف الحرب».