بالصور.. السر وراء جلسة مرشد إيران "المتعالية"
في إيران وحدها يجلس رئيس البلاد وقادتها في كل المجالات تحت قدمي قائد المؤسسة الدينية ويجلس الرؤساء الأجانب في مقام أقل من مقامهم أمامه
تثير مشاهد مرشد إيران على خامنئي جالسا على كرسيه فيما زواره الإيرانيون، بما فيهم رئيس الدولة، جالسون تحت قدميه، تساؤلات حول المغزى وعلاقة ذلك بفكر ولاية الفقيه والطموح الإيراني.
كذلك تنفرد إيران بمشاهد يظهر فيها الزوار الأجانب، بما فيهم رؤساء دول، جلوسا على كنبة بجانب آخرين في حضرة المرشد الذي ينفرد لوحده بكرسيه الخاص، وكأنه أيضا مقامه فوق مقام الرؤساء الأجانب.
وعندما يثار هذا السؤال على صفحات التواصل الاجتماعي على الإنترنت يتسابق أتباع خامنئي بمبررات تظهر أنهم إما يعرفون السبب الحقيقي ويخفوه، أو أنهم غالبا لا يعرفون.
فعلى أحد حسابات "فيس بوك" طرحت صفحة تساؤلا هل لجلوس خامنئي على كرسي فيما زواره على الأرض علاقة بمرتبة الولي الفقيه؟
وجاءت معظم الإجابات من أتباع خامنئي غاضبة من السؤال، وبررت هذا المشهد بأنه لـ"أسباب صحية" تخص خامنئي.
غير أنه إن كان جلوسه لأسباب صحية، فما السبب الذي يدفع الزوار، بما فيهم رئيس الجمهورية وقادة الجيش إلى الجلوس تحت قدميه على الأرض؟
كما يسعى البعض لصرف النظر عن التفكير في إجابة السؤال بالحديث عن أن السائل أجدر به أن ينظر إلى كيف أن الكرسي الذي يجلس عليه خامنئي "متواضع" وليس فخما مثل من يصفونهم بـ"كراسي الطغاة".
ولكن نظرة إلى الدستور الإيراني الذي يجسد الفكر المذهبي الموكل لخامنئي بالحفاظ عليه ونشره قد تعطي إجابة أوضح.
فالمادة 5 من الدستور الإيراني تنص على أنه "في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر؛ الشجاع القادر على الإدارة والتدبير وفقاً للمادة 107".
أي أن الدستور أقام من مرشد إيران "نائبا للمهدي"، ووصفه بأنه العادل والمتقي والبصير والشجاع، ولذا فإنه يكتسب قداسة من تلك التي يوليها المذهب الإيراني للمهدي، وتجعل الجلوس تحت قدميه ليس أمرا محرجا حتى لرئيس الدولة، رغم أن الوضع الطبيعي أن رئيس الدولة فوق كل القيادات.
وفي "التمهيد" لمواد الدستور، توجد فقرة بعنوان "ولاية الفقيه العادل" تنص على "تمشياً مع ولاية الأمـر والإمـامـة، يهيئ الدستور الظروف المناسبة لتحقيق قيادة الفقيه جامع الشرائط الذي يعترف به الناس قائداً لهم".
وبذلك فإن مرشد إيران هو القائد الأول لأمته، وليس رئيس البلاد.
كذلك تثير الحيرة مشاهد خامنئي وهو يستقبل رؤساء الدول.
وسعى بعض المحللين إلى الربط بين هذا الأمر وبين أساطير فارسية قديمة غير مؤكدة.
منها ما يقال عن أنه قبل استقبال كسرى (حاكم فارس) مبعوثا من الممالك الأجنبية كان المبعوث يتم حبسه لفترة داخل دهليز مظلم حتى تتعود عيناه على الظلام، ولا يسمح له بالدخول إلا حين تتسرب أشعة الشمس من الكوَّة التي تتوسط الحائط الذي يتكئ عليه عرش كسرى وتقابل مباشرة باب الدهليز المحتجز فيه السفير، وحينها يملؤه الهيبة والتعظيم لمقام كسرى.
وتبدو ملامح هذا الكلام الآن في أنه عند زيارة رئيس أجنبي لإيران لابد أن يتقابل مع المرشد، وحينها يجلس الأخير على كرسي خاص به لا يتسع إلا لشخص واحد، فيما الرئيس الأجنبي يجلس على أريكة (كنبة) وبجواره الرئيس الإيراني وأي أشخاص آخرين، وهذا يعني أن مقام المرشد فوق مقامهم جميعا، كما يعني التقليل من شأن الرئيس الأجنبي.
ومن بين الرؤساء الأجانب الذين ظهروا في هذا المشهد، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التركي رجب طيب أردوغان، والسوري بشار الأسد وغيرهم.
وفي يونيو/ حزيران 2017 لفت انتشار صور استقبال المرشد الإيراني لرئيس الوزراء العراقي حيدر للعبادي على هذه النحو النظر من جديد إلى مغزى هذه الجلسة.
فقد اعتبرها عراقيون "إهانة" لبلدهم ورموزه، خاصة بعد أن قارنوا هذا الاستقبال باستقبال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للعبادي، قبل زيارة الأخيرة لإيران، بيوم بالطريقة التي تليق وحسب الأعراف الدولية المتبعة.
وزاد من ضيق البعض أن في الصورة كان علم إيران موجودا فيما اختفى علم العراق.
وتختلف الآراء السياسية في العالم حول تعريف الدولة الدينية، إلا أنه في إيران لا يوجد مجال للاختلاف، فالفقيه الديني هو الحاكم الأعلى للبلاد بحسب مواد الدستور.
وحددت المادة 110 صلاحيات المرشد في أنه القائد العام للقوات المسلحة، وله صلاحيات تعيين وإقالة القيادات العسكرية، وتوقيع مرسوم تنصيب رئيس البلاد، وقبول أو رفض المرشحين لمنصب الرئيس، وعزل الرئيس بعد موافقة القضاء أو البرلمان.
كذلك له صلاحيات رسم السياسات العامة لنظام إيران، اختيار رئيس الحكومة، إصدار أمر بالاستفتاء العام، تعيين وعزل فقاء مجلس صيانة الدستور، المسؤول الأعلى للقضاء، رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
بل وخولت له هذه المادة سلطة إعلان الحرب والسلام والنفير العام.
وتولى خامنئي منصبه عام 1989 عقب وفاة مرشد إيران الأول الخميني صاحب ما يسمى بالثورة التي أسست لتجديد المشروع الفارسي التوسعي الاحتلالي، ولكن هذه المرة بغطاء ديني مذهبي.
وتظهر بين الحين والآخر صور أخرى لخامنئي وهو يجلس وسط بعض زواره الإيرانيين وهم جلوس على كراسي مثله، ولكنها صور لا تنفي المغزى من قيام الكثير منهم بالجلوس تحت قدميه في الكثير من المناسبات.