إيران ومليشياتها في الخارج.. مراحل التدشين وآليات التوظيف
منذ وصول الخميني لسدة الحكم، سعى النظام الجديد في إيران للعمل بطريقة وتفكير سياسيين مختلفين عن المألوف في المنطقة.
المبادئ المناهضة لما سماه الخميني "الإمبريالية" و"الرجعية"، جعلت النظام يرفع شعار "تصدير الثورة"، أي أنه لن يكتفي بما لديه من أفكار ليطبقها في الداخل، بل سيسعى لأن يجعلها مشاعاً بين الناس.
وبُعيد الثورة في إيران ورحيل الشاه محمد رضا بهلوي، تم تأسيس قوات "الحرس الثوري"، والتي كان من المشاركين في جلسات النقاش الأولى لتكوينها الراحل الشيخ محمد منتظري، ابن الشيخ حسين علي منتظري، الذي كان خليفة للخميني، قبل أن يعزله من منصبه 1988، ويصدر بحقه حكم إعدام تم تنفيذه، بعد أن صادق عليه الخميني.
مكتب دعم "حركات التحرر" الذي أنشأه النظام الجديد، كانت له علاقات خارجية متشعبة، مع المنظمات المعارضة في الخليج والعراق، كـ"منظمة العمل الإسلامي"، و"منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية"، و"حركة الجهاد الإسلامي" في فلسطين، و"حركة الجهاد" في مصر، كما بنى علاقات بمنظمات في شمال أفريقيا والقرن الأفريقي، وأمريكا الجنوبية، والحزب الشيوعي الإسباني!
وقال الباحث المختص في الشأن الإيراني حسن فحص، إن مهدي هاشمي "كان شخصية مؤثرة وصاحب نفوذ"، وذات مرة، ألقى خطاباً في أصفهان، تحدث فيه عن بعض الخلافات بين الفرقاء بالداخل، وما يتعرض له من مضايقات، والذي حدث أن أكثر من فرقة مقاتلة في الجبهة العراقية – الإيرانية انسحبت من مواقعها وعادت للداخل، كي تقف معه، إلا أنه أمرها بالعودة لمواقعها وعدم الخلط بين السياسة والعمل العسكري.
وأضاف في تصريحات لـ"العربية.نت" أن مهدي هاشمي بسبب نفوذه المتعاظم، ما اعتبر تجاوزات وتخطيطا لعمليات قتل وتآمر، تمت إزاحته في عهد الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، الذي كان على خلاف صريح معه، وتم حل مكتب "حركات التحرر"، وتحويل ملفه من "الحرس الثوري"، إلى "وزارة الخارجية الإيرانية التي كان يديرها علي أكبر ولايتي".
وتابع هذا "الانقلاب السياسي" الذي أداره رفسنجاني، مهّد لإخراج مجموعة من التنظيمات المعارضة من إيران، وذهابها إلى سوريا وأوروبا والولايات المتحدة، خصوصاً أن رفسنجاني يريد أن "يقنن" هذه النشاطات، ويحد من فاعليتها، ويجعلها خاضعة لسياسات وزارة الخارجية الإيرانية وليس تحت إمرة "الحرس الثوري" وخصمه مهدي هاشمي، الذي لم تكن تربطه أيضاً علاقات جيدة مع علي خامنئي، الذي أصبح بعد رحيل الخميني، مرشداً للثورة.
إدارة المليشيات
ورغم أن مكتب "حركات التحرر" كان مسؤولاً عن التشكيلات الخارجية الموالية والصديقة للثورة الإيرانية، فإن "حزب الله لبنان" لم يكن تحت مظلة المكتب منذ بدايات تأسيسه، حيث ارتبط بعلاقات مباشرة مع الحرس الثوري الإيراني، سواء إبان حقبة علي أكبر محتشمي، أو الشيخ محمد حسن أختري.
حزب الله لبنان، ومع مرور السنوات، تحول إلى ركنٍ رئيسي ضمن ما يعرف بـ"محور المقاومة"، وهو بنظر الإيرانيين "درة تاج المشروع"، والمثال الذي يود "الحرس الثوري" تعميم نموذجه على مختلف الساحات!
ما ميز حزب الله في علاقاته مع النظام في طهران، هي معادلة "الشراكة والولاء"، أي أنه تحول من مجرد "حركة مقاومة" محدودة في بدايات الثمانينيات، بعيد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت 1982، إلى حزب لديه جهازه السياسي وذراعه العسكرية ومؤسساته الطبية والتعليمية والخدمية والكشفية وسواها، ولذا تحرك من موقع "التابع" إلى "الشريك في المشروع"، وهو رغم شراكته هذه يتصف بـ"السمع والطاعة" لأوامر الولي الفقيه تحديداً، لأن لديه "ولاء" لفكرة "الجمهورية الإسلامية"، ويعتبرها ممهدة لظهور الإمام المهدي المنتظر.
أما الحليف الرئيسي الثاني لـ"الحرس الثوري" بعد "حزب الله اللبناني" هو "حركة أنصار الله"، التي يتزعمها عبدالملك الحوثي، والتي تقوم مليشياتها بأعمال عدائية ضد أهداف مدنية واقتصادية وعسكرية سعودية، بعد استيلاء الحوثيين على السلطة في العاصمة اليمينة صنعاء، العام 2015.
الحوثيون، ينتمون إلى "الزيدية"، وهي فرقة من فرق المسلمين الشيعة، تؤمن بأن الخلافة من بعد الإمام علي بن الحسين زين العابدين، في ابنه زيد بن علي، وهي في ذلك تفترق عن "الجعفرية – الاثنى عشرية" التي تؤمن بإمامة محمد الباقر، كخليفة لأبيه الإمام زين العابدين.
ورغم وجود هذا التباين العقدي بين "الحوثيين - الزيدية" و"النظام الإيراني - الاثنى عشري"، إلا أن زعيم "حركة الشباب المؤمن" حسين بدر الدين الحوثي، كان "يؤمن بولاية الفقيه، ويجب الالتزام بما يقوله الإمام الخميني".
وبحسب الباحث اللبناني حسن فحص، فإن حسين بدر الدين الحوثي كان متواجداً في إيران، خلال فترة ولاية الإمام الخميني، وكان يتذمر من طريقة تعامل الإيرانيين في الداخل، وإدارتهم لبعض الملفات، إلا أنه رغم ذلك كان يرى وجوب طاعة الولي الفقيه.
هذا الإيمان لدى حسين الحوثي بـ"الولي الفقيه"، نقله تالياً إلى أتباعه، وتبناه عبدالملك الحوثي، وما يفسر هذا الالتزام، أن "الزيدية" تعتقدُ بأن الإمامة في نسل الرسول محمد بن عبدالله، والإمام هو من أتى بالسيف، أي القوة، وكون الخميني قاد ثورة، وهو يحكم بـ"القوة"، فلذا هو "واجب الطاعة"، وهذا ينطبق الآن على المرشد الحالي خامنئي، بحسب التفسير "الحوثي" لمفهوم الإمامة، على الأقل في جنبتها السياسية والقيادية العامة.
مليشيات العراق
ومع الوقت انتقلت الفكرة إلى العراق، فأصبحت "المليشيات المسلحة" في العراق، الموالية لإيران، إحدى نقاط التباين الرئيسية بين إيران وجيرانها في الخليج والحكومة العراقية.
هذه المليشيات كانت أكثر انتظاماً إبان وجود القائد السابق لـ"فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني، إلا أنه بُعيد اغتياله يناير 2020، وتولي إسماعيل قاآني المسؤولية، تبدلت طريقة الإدارة، وباتت قبضة إيران ليست مليئة كما كانت إبان عهد سليماني، دون أن يعني ذلك انتهاء أو ضعف نفوذها، بل لا تزال مصدر قوة ودعم للعديد منها.
وبحسب المعلومات التي نقلها مصدر مطلع، فإن "إيران أعطت الحكومة العراقية قائمة بأسماء مجموعة من الفصائل المسلحة، وقالت إنها ترفع الغطاء عنها"، هذه الفصائل يمكن تصنيفها ضمن "الخلايا المشاغبة" التي "لا يمكن التحكم فيها بسهولة، وتعمل وفق مصالحها الخاصة والضيقة جدا"، وكان من ضمنها "كتائب حزب الله"، إضافة إلى الفصائل التي ليست منضوية تحت لواء "الحشد الشعبي"، إلا إذا استثنينا "عصائب أهل الحق"، وهي الفصيل المسلح الذي كان اللواء قاسم سليماني يخطط لأن يجعل منه نموذجاً مشابهاً لـ"حزب الله لبنان".
"منظمة بدر"، هي مثالُ حيٌ على التزام الفصائل المسلحة بتعليمات قائد "فيلق القدس" إسماعيل قاآني، خصوصاً أن زعيمها هادي العامري، يعاني الكثير من المشكلات، نتيجة "سوء الإدارة، وملفات الفساد التي بدأ يرفعها خصومه في وجهه، وأيضاً نزقه الشخصي".
ويعتقد الباحث المختص في الشأن الإيراني، حسن فحص، أن "علاقة إيران بمعظم الفصائل العراقية تقوم على المصالح النفعية والتبادلية المشتركة"، شارحاً ذلك بقوله "إيران تريد نفوذاً لها في العراق، وتلك الفصائل تريد أن تستقوي، وتكون لها حصة في الساحة الداخلية، ولذا هي تستفيد من الإيرانيين في تحقيق مكاسب مادية واجتماعية، والإيرانيون يستفيدون منهم في توطيد حضورهم عراقياً".
رصيد من الخلايا
وأضاف، هذه العلاقة القائمة على "المصلحة" أكثر من بنائها على "الولاء"، تجعل الساحة العراقية أكثر وعورة على "الحرس الثوري" من الساحتين اللبنانية واليمنية، خصوصاً مع عدم وجود حكومة مركزية قوية تستطيع نزع سلاح المليشيات، على الأقل منها تلك التي باتت تعرف بـ"خلايا الكاتيوشا"، وهي مجاميع رغم حداثتها في الساحة، ومحدودية تأثيرها، إلا أنها تحدث شغباً مزعجاً.
وبجانب المليشيات الرئيسية، هناك تنظيمات لا ترتقي لأن تكون علاقة إيران بها، ذات طبيعة "شراكة" أو "منافع متبادلة"، مثل تلك التشكيلات الصغيرة، والخلايا التي يتم دعمها أو زرعها في عدد من البلدان، كـ"حزب الله الحجاز"، أو "حزب الله الكويت"، أو الخلايا العنقودية المدعومة من "الحرس الثوري" في البحرين، وهذه التشكيلات العلاقة معها ذات طبيعة "فوقية"، أي أن هنالك أوامر تصدر من جهات عُليا في "الحرس"، فيما أفراد هذه الخلايا يقومون بالتنفيذ!
بيعة هذه الخلايا "استخدامية"، يمكن التضحية بها في أي وقت، والانتفاع منها لتحقيق أهداف محددة، عسكرية أو أمنية أو استخبارية.
وأحياناً كثيرة تكون حلقة الوصل أشخاصا محدودين جداً، مع قيادات في "الحرس" يعرفون بـ"الكنية"، دون الاسم الكامل أو الحقيقي، ما يجعل العلاقة خصوصاً من "التشكيلات الصغيرة" غير تامة الموثوقية، ومن الممكن أن تفقد الاتصال بالشخص المُكلف في أي وقت، عند تعرضها للانكشاف.
وهي علاقة معقدة بين إيران وشركائها ومليشياتها وخلاياها في الشرق الأوسط، علاقة محكومة بمستويات عدة، يخشى كثيرون أن تنفلت من عقالها أكثر وأكثر، لتكون "المارد" الذي لا يمكن السيطرة عليه، ما يعني زيادة في العنف والإرهاب والفوضى.
aXA6IDE4LjE4OC4yMDUuOTUg جزيرة ام اند امز