إيران في أفريقيا.. نفوذ «ملغم» و«أطماع» عابرة للحدود
على عكازي التجارة والسلاح تقتفي إيران أثر "المصالح" الممتزجة بـ"الفوضى" في أفريقيا، وتحفر خطوط نفوذ جديدة من السودان إلى الساحل.
وتعمل إيران المثقلة بعقوبات غربية متعددة المستويات على توسيع بصمتها في أفريقيا، حيث تقدم وصفة الأسلحة والشراكات التجارية والفوضى لتعزيز نفوذها في القارة السمراء.
ووفق قراءة تحليلية لراديو أوروبا الحرة يعد هذا النهج الجديد جزءاً من تحول استراتيجي كبير شمل وفوداً دبلوماسية وتجارية إيرانية رفيعة المستوى، بالإضافة إلى شحنات أسلحة إلى أفريقيا.
في المقابل، يقول الخبراء إن إيران تأمل في بناء شراكات تجارية واقتصادية في أفريقيا، تساعدها على تجاوز العقوبات الدولية، بينما ترسم أرضية جديدة لـ"محور" ضد خصومها العالميين والإقليميين.
نفوذ في عباءة الشراكة
ويقول لوكاس ويبر، كبير المستشارين في شركة فالنس جلوبال، لـ"راديو أوروبا الحرة": "تسعى إيران إلى توسيع نطاقها السياسي والاقتصادي خارج منطقتها"، مضيفا أنه "لدى إيران حافز إضافي للسعي وراء فرص تجارية جديدة مع الدول الأفريقية"، بسبب العقوبات الغربية.
وبحسب المصدر ذاته، فإن المسؤولين في إيران أشادوا بشكل متكرر مؤخرا بإمكانات الشراكة مع الدول الأفريقية، والوصول إلى ثروات أفريقيا الزراعية والمعدنية مع إيجاد وجهات جديدة للصادرات الإيرانية، بما في ذلك الأسلحة المتطورة.
وتأكيدا على أهمية هذه الاستراتيجية، قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بجولة في 3 دول أفريقية في يوليو/تموز الماضي، وهي أول جولة لرئيس إيراني في القارة الأفريقية منذ أكثر من عقد من الزمن.
الأكثر من ذلك، روّجت طهران هذا الأسبوع للقمة التجارية الثانية بين إيران وأفريقيا في غضون عام واحد فقط، حيث يشارك ممثلون من أكثر من 40 دولة أفريقية في الحدث الذي يجري في طهران في الفترة من 26 إلى 29 أبريل/نيسان الجاري.
وهذا الأسبوع، قال محمد صادق قنازاده، المسؤول الإيراني عن تعزيز الأعمال التجارية الدولية، إن "مستقبل التجارة العالمية سيتحدد في أفريقيا"، وفق وكالة مهر الإيرانية.
الزحف خلف فراغ الغرب
لكن انخراط إيران في أفريقيا، الذي يتسم بالجهود الرامية إلى تصدير نسخة طهران من الحكم، وإنشاء وكلاء لها، وإمدادات الأسلحة لكل من الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية، غالباً ما يتزامن مع عدم الاستقرار والمشاعر المعادية للغرب، وهو ما يتناسب مع أهداف إيران الأوسع نطاقاً، وفق "راديو أوروبا الحرة".
هنا يقول ليام كار، المحلل في مشروع التهديدات الحرجة التابع لمعهد أمريكان إنتربرايز، في تصريحات صحفية، "تعمل إيران على تعزيز استراتيجية المقاومة العالمية متعددة الجوانب في أفريقيا، حيث تسعى إلى تأمين شراكات تعوض النفوذ الغربي والعزلة".
في الشهور الأخيرة جعلت إيران وجودها محسوسا من القرن الأفريقي إلى منطقة الساحل، مما سمح لها بممارسة المزيد من الضغط على خصومها الإقليميين.
وفي عام 2023 طبعت إيران العلاقات مع دول القرن الأفريقي، إذ بدأ الأمر في سبتمبر/أيلول الماضي، بإعادة إيران العلاقات مع جيبوتي، بعد قطيعة استمرت سنوات، كما بذلت جهودا في ترميم العلاقات مع إريتريا والسودان.
نفوذ في السودان
في السودان سمحت مبيعات الأسلحة الإيرانية للقوات المسلحة السودانية، التي تخوض حربا ضد قوات الدعم السريع، بتعويض خسائرها واستعادة أراض مختلفة في البلاد.
وبدأ سيناريو الحرب يتحول لصالح القوات المسلحة السودانية بعد استئناف العلاقات الثنائية بين طهران والخرطوم في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وفق تقرير للوحدة البحثية في "تي آر تي" التركية.
ومع قيام إيران بتزويد القوات المسلحة السودانية بالمساعدات العسكرية، بما في ذلك الطائرات دون طيار من طراز "مهاجر 6"، قطعت القوات المسلحة السودانية أشواطاً كبيرة في أم درمان التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ فترة طويلة، وفق وكالة بلومبرغ الأمريكية.
وقبل أسابيع، قال مصدر رفيع بالجيش السوداني لرويترز إن طائرات مسيرة إيرانية الصنع تساعده على تحويل دفة الصراع ووقف تقدم قوات الدعم السريع واستعادة مناطق حول العاصمة الخرطوم.
فيما رصدت «العين الإخبارية» ظهور «درونز إيران»، استنادا لمصادر عسكرية سودانية، في مدن الخرطوم وبحري وأم درمان، في الأشهر الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير الميدانية إلى أن السودان يمتلك طائرات شحن تابعة للحرس الثوري الإيراني، فضلا عن نقاش واسع عن إمكانية تقديم إيران التدريب العسكري للجنود السودانيين في المستقبل.
ووفق المصدر ذاته، تسعى إيران من خلال تقديم مثل هذه المساعدات للقوات المسلحة السودانية إلى تعزيز وجودها في القارة الأفريقية واقتطاع منطقة نفوذ لها.
ومؤخرا، أفادت تقارير بأن إيران سعت إلى الحصول على إذن لإنشاء قاعدة بحرية دائمة في بورتسودان، التي تُعتبر العاصمة الفعلية للجيش السوداني الذي رفض الطلب، ما يكشف جهود طهران لتوسيع وجودها على طول الضفاف الغربية للبحر الأحمر، وفق راديو أوروبا الحرة.
وتعليقا على ذلك، قال وليام كار إن "قاعدة بحرية إيرانية في بورتسودان ستدعم بشكل مباشر العمليات البحرية الإيرانية خارج المنطقة والهجمات على الشحن الدولي"، بينما تسمح لطهران بمواجهة المنافسين الإقليميين.
"اختراق" الساحل
ومن السودان، أقامت إيران منطقة نفوذ تمتد عبر منطقة الساحل الأفريقي إلى المحيط الأطلسي، وهي منطقة يخشى الغرب أن تصبح ملجئا للتنظيمات الإرهابية خاصة "داعش" وتنظيم "القاعدة".
ومنذ أن استولى المجلس العسكري في النيجر على السلطة في يوليو/تموز الماضي، مما أدى إلى انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من المنطقة، لم تمر علاقة السلطة الناشئة مع إيران مرور الكرام.
إذ سافر وفد أمريكي إلى البلد الأفريقي الشهر الماضي، للإعراب عن مخاوفه بشأن علاقات النيجر مع إيران وحليفتها روسيا التي توسع نفوذها في أفريقيا، وفق تقارير أوروبية.
وبعد فترة وجيزة من الزيارة، أنهت النيجر تحالفها في مجال مكافحة الإرهاب مع واشنطن، بعد أن اتهم المسؤولون الأمريكيون المجلس العسكري الحاكم باستكشاف صفقة سرية من شأنها أن تتيح لإيران الوصول إلى احتياطيات البلاد من اليورانيوم.
ورفض المجلس العسكري الحاكم، الذي وصف الوجود العسكري الأمريكي في النيجر بأنه "غير قانوني"، هذه المزاعم، فيما أعلنت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي عن خطط لسحب 1000 جندي أمريكي، فيما اعتُبر انتصارًا لأهداف إيران وروسيا في المنطقة.
وكيل في نيجيريا
إلى نيحيريا، حيث قال وليام كار إن جهود إيران كانت الأكثر نجاحا في نيجيريا، حيث أنشأت جماعة وكيلة لها تدعى "الحركة الإسلامية في نيجيريا" التي "تعمل مثل وكلاء [إيران] الآخرين".
كما انتهزت إيران الفرصة أيضا للتواصل مع 3 أنظمة عسكرية مناهضة للغرب تولت السلطة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وهو ما قال كار إنه "يتناسب مع جهود طهران الأوسع نطاقا لزيادة الشراكة الاقتصادية مع الدول الأفريقية، لتقويض العقوبات الغربية".
كما أن هناك مؤشرات على أن إيران تسعى للاستفادة من الخلافات الأخيرة بين قادة هذه الأنظمة العسكرية والدول الغربية وطرد قوات الأخيرة من البلدان الأفريقية، وفق كار.
ووفق قناة "فرانس 24" الفرنسية، وقعت إيران في الأشهر السابقة عدة اتفاقيات تعاون مع بوركينا فاسو في مجالات الطاقة والتخطيط الحضري والتعليم العالي والبناء.
وفي أواخر يناير/كانون ثاني الماضي، أعلنت طهران عن إنشاء جامعتين في مالي ووقعت اتفاقيات تعاون مختلفة.
وقال الخبير الاقتصادي تييري كوفيل، المتخصص في الشؤون الإيرانية في مركز الأبحاث الفرنسي "IRIS"، في تصريحات صحفية إن سياسة إيران الأفريقية تتميز "باللغة الثورية ومنطق العالم الثالث المناهض للإمبريالية" الذي يروق للمستعمرات السابقة، لذلك تجد صدى لدى الأنظمة العسكرية الجديدة في البلدان الأفريقية.
أما لوكاس ويبر فقال، لـ"راديو أوروبا الحرة"، "مع الانسحابات العسكرية وتراجع النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا، على سبيل المثال، سعت إيران إلى زيادة نفوذها من خلال التعاون الأمني ومشاريع تطوير البنية التحتية".
كما قالت إيران أيضا إن هناك حاجة إلى التعاون الأمني الدولي في مكافحة الإرهاب في أفريقيا، مما يشير إلى أنها يمكن أن تساعد على ملء الدور الذي كانت تلعبه القوات الغربية سابقا، حسب قول المحلل السياسي والأمني.
aXA6IDMuMTQ3Ljg2LjE0MyA= جزيرة ام اند امز