الاتفاق النووي الإيراني.. سبب الجمود و"سيناريو الرعب"
قبل أسابيع قليلة، كان التفاؤل سيد الموقف، وينتظر العالم خبرا في صحيفة أو وكالة بأي لحظة عن التوصل لاتفاق لإحياء الاتفاق النووي مع إيران.
لكن تبدل الحال وما كان محل تفاؤل، ارتدى قناع التشاؤم، وبدأ الحديث عن خيارات أخرى مترافقا عن حديث الفشل والأسباب والمآلات، وهل لا تزال هناك فرصة لتوافق؟
وفي نهاية الأسبوع الماضي، شددت طهران من بعض شروطها لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وردت القوى الأوروبية بالقول إنها وصلت إلى حدود مرونتها، لتكتبا معا دخول مرحلة الجمود التام.
وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في مايو/أيار عام 2018. وبعدها بعام، استأنفت إيران توسعات كبرى ببرنامجها النووي، الأمر الذي قربها من تصنيع قنبلة، وفق تقرير سابق لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.
وجعلت إدارة جو بايدن استعادة الاتفاق النووية أولوية قصوى للسياسة الخارجية، لكنها تواجه معارضة متزايدة بين الجمهوريين وبعض الديمقراطيين لتلك الدبلوماسية، والمستمرة منذ أبريل/نيسان عام 2021.
وبعد أشهر من المماطلة، استؤنفت المحادثات النووية أول أغسطس/آب في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران وقوى عظمى أخرى. ووزع الاتحاد الأوروبي، الذي يقود المحدثات، ما أسماه نص مسودة نهائية في 8 أغسطس/آب ليوافق عليها الأطراف أو يرفضوها.
وبعد الرد الأولي الإيراني على الاتحاد الأوروبي في 15 أغسطس/آب، والذي أثار الأمل في نفوس الدبلوماسيين الغربيين بإمكانية إتمام الصفقة، أبدت إيران تشددا في موقفها خلال الرد الثاني في الأول من سبتمبر/أيلول، مما أدى إلى تقويض توقعات التوصل إلى اتفاق على المدى القريب وزيادة حدة النبرة بين إيران والقوى الغربية.
وقالت ثلاث دول أوروبية مشاركة في المحادثات، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في بيان قبل أيام، إنها غير منفتحة على مزيد من التسويات، وحذرت من أن مطالب طهران المتجددة أثارت "شكوكا بالغة في نوايا إيران والتزامها بتحقيق نتيجة ناجحة".
ورد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني باتهام القوى الغربية بـ"تخريب العملية الدبلوماسية"، وقال إن طهران لا تزال تسعى لاتفاق متوازن.
أين تقف الأطراف؟
وحول مواقف الأطراف المختلفة في المفاوضات، كتبت نينا سرينيفاسان راثبون، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنوب كاليفورنيا الأمريكية، أن أولويات إيران تشمل إزالة الحرس الثوري من قائمة واشنطن للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
كما تريد إيران، الحصول على ضمان بعدم قيام أي رئيس أمريكي مستقبلي بالتراجع عن الاتفاق النووي الجديد، وفق ما كتبته الأكاديمية الأمريكية في موقع "ذا كونفرزيشن".
في المقابل، قالت الخبيرة ذاتها "تتمحور القضايا الرئيسية بالنسبة للولايات المتحدة حول الرهائن الأمريكيين المحتجزين حاليًا في إيران والرغبة في إطالة الوقت الذي ستستغرقه إيران لتخزين المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية".
لكن راثبون حذرت في الوقت نفسه من أن إيران تمتلك حاليًا القدرة التقنية على إنتاج قنبلة نووية (من المواد الانشطارية) في غضون أسابيع قليلة، إلا أنها لا تمتلك المعرفة التسليحية اللازمة لبناء هذه القنبلة وتجهيزها للاستخدام".
وتابعت "هناك حاجة إلى نوع مختلف من التكنولوجيا لتصميم قنبلة، الأمر الذي قد يستغرق حوالي عامين".
لماذا الفشل؟
وإزاء الجدل المستمر حول سبب تعثر الاتفاق، كتبت كيم غطاس، الكاتبة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط بمقال في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، طالعته "العين الإخبارية"، إنه ربما لا تزال إيران ترى أن الأفضل هو تأخير التوافق على الاتفاق النووي، أملا في تحقيق مكاسب أكبر وتقليل هامش التنازلات.
الكاتبة أشارت أيضا إلى أن "إيران تخاطر بالمبالغة في تقدير مدى رغبة البيت الأبيض في الصفقة"، وأوضحت أنه" "عندما تولى بايدن منصبه، راقبت إيران وشركاؤها الإقليميون بفرح وهو يعين مسؤولين رئيسيين يتذكرونهم من إدارة باراك أوباما، بما في ذلك المبعوث الخاص لإيران، روب مالي، وكان التوقع استئنافًا سريعًا واختتامًا للمفاوضات".
لكن ذلك لم يحدث وتغير الإطار العالمي الذي يتحرك فيه الجميع، وفق الكاتبة، التي حذرت أيضا من سيناريو تأجيل وتسويف التوصل لاتفاق نووي أو حسم مسألة الملف النووي الإيراني.
وأوضحت "تعثر المحادثات النووية في نفس اللحظة مع احتمال هزيمة روسيا في أوكرانيا وزيادة الروح المعنوية للغرب، يشكل نقطة انعطاف مثيرة للاهتمام".
وأضافت أن "الفرصة التي تظهرها هذه الانعطافة هي أنها يمكن أن تعمق قلق إيران، لكن الخطر هو أنه سيدفع الأخيرة لنشر المزيد من القوة" في المنطقة.
"سيناريو الرعب"
فيما قالت راثبون إن "الصفقة تبدو غير مرجحة على نحو متزايد.. لسوء الحظ، من المرجح عندئذٍ أن تزيد إيران من قدراتها النووية نحو التسليح وتقويض مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبرنامجها".
واستطردت قائلة "من شأن هذا التصعيد أن يعجل بردود متزايدة من الأطراف الأخرى، مما يجعل أي اتفاق جديد مستبعدًا للغاية، مع تنامي التوترات وزيادة احتمالية نشوب صراع إقليمي".
ورغم هذا السيناريو القاتم، رسمت مجموعة الأزمات الدولية في ورقة نشرتها قبل أيام، مسارا يمكن أن يبعد المنطقة عن الصدام، وقالت بوضوح "لا يزال المسار الضيق للتوصل إلى اتفاق قائمًا".
وتابعت "ولكن إذا استمرت المحادثات أو انهارت، فقد يكون أفضل طريق للمضي قدمًا هو أن يفكر الطرفان في التزامات أحادية ورسم خطوط حمراء يجب احترامها لتجنب التصعيد النووي والإقليمي. وبالتالي، يمكنهم شراء الوقت من أجل التوصل لاتفاق أكثر ديمومة".