"شبح" ترامب وضغط الوقت.. اتفاق نووي إيران الغائب
حالة من التشاؤم تسيطر على نحو متزايد على المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين فيما يتعلق باحتمالات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين في وقت سابق أن الإدارة لم تتخذ أي قرار لتعليق الجهود الدبلوماسية، لكن الجدول الزمني السياسي الضيق في الداخل لا يترك متسعا من الوقت للتوصل إلى اتفاق نهائي.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بيلنكن للصحفيين في المكسيك الإثنين الماضي "ما شهدناه على مدار الأسبوع الماضي أو نحو ذلك.. هو كما يتضح خطوة إلى الوراء ويجعل احتمالات التوصل إلى اتفاق على المدى القريب، كما أعتقد، غير مرجحة".
وتابع "لا يمكنني إعطاءكم جدولا زمنيا سوى القول، مجددا، أن إيران تبدو إما غير مستعدة وإما غير قادرة على فعل اللازم لإبرام الاتفاق".
وتسعى الولايات المتحدة وإيران وعدة قوى عالمية للاتفاق على الخطوات التي يتعين على واشنطن وطهران اتخاذها لاستعادة الاتفاق النووي لعام 2015.
وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في مايو/أيار عام 2018. وبعدها بعام، استأنفت إيران توسعات كبرى ببرنامجها النووي، الأمر الذي قربها من تصنيع قنبلة، وفق التقرير الأمريكي.
وجعلت إدارة بايدن استعادة الاتفاق النووية أولوية قصوى للسياسة الخارجية، لكنها تواجه معارضة متزايدة بين الجمهوريين وبعض الديمقراطيين لتلك الدبلوماسية، والمستمرة منذ أبريل/نيسان عام 2021.
"ضغط الوقت"
وإذا أبرمت الأطراف الصفقة قريبا، سيتطلب الأمر مراجعة الكونغرس للاتفاق لمدة ثلاثين يوما خلال الأسابيع التي تسبق الانتخابات النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهذا احتمال قد يكون مسؤولو إدارة بايدن قلقين منه.
وقال هنري روم، نائب رئيس الأبحاث بشركة الاستشارات "أوراسيا جروب": "إذا عاد الإيرانيون بعرض معقول، أعتقد أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة للتعاون لكنني لا أرى الولايات المتحدة تبذل جهدا خاصا لإبرام صفقة بالنظر إلى الأوضاع السياسية الحالية".
وبعد أشهر من المماطلة، استؤنفت المحادثات النووية أول أغسطس/آب في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران وقوى عظمى أخرى. ووزع الاتحاد الأوروبي، الذي يترأس المحدثات، ما أسماه نص مسودة نهائية في 8 أغسطس/آب ليوافق عليها الأطراف أو يرفضوها.
وبعد الرد الأولي على الاتحاد الأوروبي من إيران في 15 أغسطس/آب، والذي أثار الأمل في نفوس الدبلوماسيين الغربيين بإمكانية إتمام الصفقة، أبدت إيران تشددا في موقفها خلال الرد الثاني في الأول من سبتمبر/أيلول، مما أدى إلى تقويض توقعات التوصل إلى اتفاق على المدى القريب وزيادة حدة النبرة بين إيران والقوى الغربية.
وقال ثلاثة مشاركون أوروبيون في المحادثات، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، إنهم غير منفتحين على مزيد من التسوية وحذروا من أن مطالب طهران المتجددة أثارت "شكوكا بالغة في نوايا إيران والتزامها بتحقيق نتيجة ناجحة".
ورد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني باتهام القوى الغربية بـ"تخريب العملية الدبلوماسية"، وقال إن طهران لا تزال تسعى لاتفاق متوازن.
أزمات أخرى
وتأتي المحادثات المتعثرة وسط مزيد من التوترات في مناطق أخرى بين واشنطن وطهران؛ حيث أدى تزويد إيران المزعوم لروسيا بطائرات مسيرة لاستخدامها في أوكرانيا إلى فرض عقوبات أمريكية جديدة على طهران.
وفي غضون ذلك، قصفت واشنطن الجماعات المدعومة إيرانيا في سوريا الشهر الماضي.
وطبقًا لـ"وول ستريت جورنال"، هناك قضيتان رئيسيتان في قلب الاختلافات العالقة، يتمثل أحدها في المطالب الإيرانية بضمانات أقوى بأنها ستجني الثمار الاقتصادية لاستعادة اتفاق 2015، بما في ذلك في عهد رئيس أمريكي جديد.
وفي آخر ردودها في الأول من سبتمبر/أيلول، جددت طهران أيضا مطلبها بإعادة التفاوض على النص الأوروبي المتعلق بالتعامل مع تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن مواد نووية غير معلنة تتم العثور عليها على مدار الثلاثة أعوام الماضية في إيران.
وحذرت طهران مرارًا من أنه إذا لم تغلق الوكالة التحقيق لن تطبق الاتفاق النووي كاملا، ووفقا لمصادر مطلعة على المحادثات، تدفع إيران من أجل إغلاق التحقيق في غضون ستين يوما من التوصل لاتفاق.
وأوضحت الولايات المتحدة والدول الأوروبية أنه فقط إذا قالت الوكالة إن إيران أعطت إجابات مرضية على تساؤلاتها بشأن المواد النووية، يمكن إغلاق التحقيق.
لكن الوكالة التابعة للأمم المتحدة أفادت في وقت سابق بأن طهران فشلت مجددا في التعاون.
"الاتفاق والانتخابات"
وقال مسؤولون أوروبيون إنهم لا يرون تقريبا أي احتمال لإتمام الاتفاق قبل انتخابات الكونغرس الأمريكية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني. وقال المستشار الألماني أولاف شولتز، الإثنين، إن الاتفاق "بالتأكيد لن يتم قريبا".
ويوم الإثنين، توقع مسؤول إسرائيلي رفيع أيضا أنه لن يتم التوصل لاتفاق قبل الانتخابات النصفية للكونغرس، والتي تأتي بعد الانتخابات الإسرائيلية في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.
وأرسلت إسرائيل مجموعة من المسؤولين رفيعي المستوى إلى واشنطن خلال الأيام الأخيرة للضغط على الولايات المتحدة لعدم تقديم أي تنازلات لإيران خلال المحادثات. وقال المسؤول إنه لم يتضح ما إذا كان الاتفاق سيعود إلى الطاولة بعد انتخابات الكونغرس.
جوهر المأزق
في تحليل نشرته على موقعها، قالت مجموعة الأزمات الدولية، إن حظوظ إعادة إحياء الاتفاق تأرجحت بشكل كبير جدا، فبعدما كانت شبه أكيدة في مارس/آذار، وصلت إلى الصفر تقريباً في يوليو/تموز. وما لبثت أن تسير في اتجاه الاتفاق في أغسطس/آب، حتى بلغت طريقا مسدودا آخر في سبتمبر/أيلول.
وسعت أطراف الاتفاق منذ أبريل/نيسان 2021 إلى إعادة إحيائه بعدما انسحب منه ترامب، وأحرزت المحادثات تقدما على مدار ثماني جولات في فيينا.
وبحلول مارس/آذار 2022، أفضت تلك المداولات إلى نص شبه نهائي، لكن منذ ذاك الحين حدث تراجع مع تحول تركيز القوى العالمية على الحرب الروسية في أوكرانيا، وبلوغ الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران على قضايا جوهرية، طريقا مسدودا.
ويأتي في صلب المأزق المطالب التي تقدمت بها إيران ولا تستطيع الأطراف الأخرى تلبيتها أو لا ترغب في ذلك، بحسب "مجموعة الأزمات الدولية".
وتحسبا لاحتمال أن تنكث إدارة أمريكية مستقبلية بالتزامها بالاتفاق، كما حدث مع انسحاب إدارة ترامب تسعى إيران للحصول على ضمانات باستمرار المزايا الاقتصادية التي تتمخض عن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة.
لكن أوضحت إدارة الرئيس بايدن عدم قدرتها على تلبية مثل هذا المطلب، لأن الإدارة لا تستطيع قانوناً إلزام الرؤساء الجدد برغبات إيران.
"حل وسط"
ويحاول الاتحاد الأوروبي التوصل إلى حل وسط، إلا أن كبير دبلوماسيه يعتقد أن مواقف الأطراف تتباعد، الأمر الذي يجعل التوصل إلى اتفاق سريع أمراً غير مرجح. فالانتخابات النصفية في الولايات المتحدة تضيّق المجال أمام تحقيق تقدم. وإذا لم تتخذ الأطراف إجراءات تصعيدية فإنها قد تكون قادرة على عبور الخط النهائي قبل أو بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.
وبما أن الانتخابات النصفية الأمريكية قد تضيق نافذة إحراز تقدم، هناك مخاوف من احتمال إطالة أمد المفاوضات، وبالتالي تبين عدم القدرة على رأب الفجوات. وحال حدث ذلك ستحتاج الأطراف المشاركة إلى التحول لمزيج من الاتفاقات المؤقتة على إجراء واحد واحترام الخطوط الحمراء لإدارة مخاطر نشوب مواجهة مسلحة.
ومع عدم وجود مؤشرات على مرونة إيرانية والإحجام المتزايد بين الديمقراطيين عن المشاركة في أي نقاش حول إيران من شأنه أن يحدث استقطاباً في الكونغرس قبل الانتخابات النصفية، فإن تحقيق تقدم وشيك يبدو غير مرجح.
ورأت مجموعة الأزمات في تحليلها أنه إذا طال أمد الجهود الرامية لاستعادة الاتفاق النووي، أو الأسوأ من ذلك انهيار هذه الجهود، يسهل تخيل المواقف التي سيستقر عليها الجانبان، الأمريكي والإيراني.
كما رجحت أن تؤكد واشنطن بشكل متزايد على تطبيق العقوبات وتوسيعها -ربما بمشاركة أكبر من حلفائها الأوروبيين- وتعزيز التهديد باستخدام القوة، خاصة إذا ظهرت بوادر –لا توجد حالياً– على تحركات إيرانية نحو تصنيع سلاح نووي.