الشاهد أن أوضاع المسيحيين الإيرانيين باتت مزرية للغاية؛ بسبب تعرضهم لمتابعة شديدة ليل نهار، والزج بالكثير منهم في السجون.
تبقى إيران وملاليها حجر عثرة في الحال والاستقبال لمنطقة الخليج العربي ولبقية الجيران في الشرق الأوسط، ولا تنفك تعيش حالة من الكذب البواح عن داخلها الذي بات يغلي في مراجل من الغضب، بسبب الأوضاع المعيشية والإنسانية.
يعيش مسيحيو إيران في حالة من الخوف المستمر لا سيما وأن الاستخبارات الداخلية الإيرانية تطلب منهم على الدوام كتابة تفاصيل أنشطتهم وتحركاتهم، وتأخذ عليهم تعهدات قانونية بعدم الاتصال بأعضاء الجماعات المسيحية الأخرى، لا سيما من الرعايا الأجانب
البهتان الإيراني تبدَّى في أسوأ صوره منذ بضعة أسابيع حين ادعى المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني أن البلاد على شفا تخليق فرع جديد من أفرع الحرس الثوري الإيراني، وهذا ليس بجديد، إنما الجديد والمثير هو قوله إن العضوية لن تكون مقصورة على مسلمي البلاد فقط، بل ستفتح لبقية الإيرانيين من كافة الأديان، وهو تعبير غير صادق بالمرة، ويكشف عن الازدواجية القاتلة التي تعتمل في النفس الإيرانية، تلك التي أدمنت خداع الذات، وتحسب أن أكاذيبها ستنطلي على العالم الخارجي، ولا تدري أنها ستقودها إلى الدرك الأسفل.. لماذا هذا الحديث الآن؟
المؤكد أن ما يجري لمسيحيي إيران، ونحن على مقربة أيام من أعياد الميلاد، يؤكد وبما لا يدع مجالا للشك، أننا أمام نظام ديكتاتوري، يقول ما لا يفعل، ويفعل في اتجاه مضاد لما يقول.
تختلف تقديرات الأعداد بالنسبة لمسيحيي إيران في الوقت الحالي، لكنها تتراوح في حدود الـ500 ألف موزعين على طوائف مسيحية متعددة، وقد تقلص عددهم بشكل كبير منذ ثورة الخميني التي لم تترك مجالا للمغاير دينيا أو مذهبيا من المسلمين السنة، فقد هاجر معظمهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ما يثبت للجميع أن قصة دستور ثورة 1979 الإيراني كانت خدعة كبيرة، والحديث في هذا الدستور عن ضمان حرية المسيحيين واليهود والزرادشتيين واحترام شرائعهم الخاصة أضغاث أحلام سيما وأنه غير مسموح لأي منهم بأن يتقلد وظيفة عامة إن لم يؤد ما يعرف بـ"امتحان الشريعة" كأساس لأنْ يجد فرصة عمل في الدوائر الحكومية المختلفة.
قبل بضعة أيام كان نظام الملالي يطلق حملة شعواء شرسة تجاه مسيحيي إيران، أدت إلى اعتقال أكثر من مائة مسيحي إيراني من مختلف أرجاء البلاد، بسبب الشكوك التي توجد في مخيلة القائمين على وزارات الأمن والاستخبارات الداخلية الإيرانية حول ترتيب هؤلاء للاحتفال بأعياد الكريسماس، ما تعتبره حكومة طهران نوعا من أنواع التبشير بالمسيحية.
يستخدم الملالي نوعا من أنواع الترهيب المعنوي والنفسي وربما المادي، ذلك أن معظم الموقوفين سمح لهم بالعودة إلى بيوتهم بعد بضع ساعات، وقد تم إبلاغهم بتوقع مكالمة من وزارة الاستخبارات، ومع ذلك لا يزال هناك أشخاص آخرون قيد الاعتقال، بسبب الاشتباه في قيادتهم أنشطة اجتماعية تخص مسيحيي إيران.
يعيش مسيحيو إيران في حالة من الخوف المستمر لا سيما وأن الاستخبارات الداخلية الإيرانية تطلب منهم على الدوام كتابة تفاصيل أنشطتهم وتحركاتهم، وتأخذ عليهم تعهدات قانونية بعدم الاتصال بأعضاء الجماعات المسيحية الأخرى، لا سيما من الرعايا الأجانب.
والشاهد أن أوضاع المسيحيين الإيرانيين باتت مزرية للغاية؛ بسبب تعرضهم لمتابعة شديدة ليل نهار، والزج بالكثير منهم في السجون وتعرض بعضهم للتعذيب أو للإعدام لأسباب واهية.
أما الشعائر الدينية التي يسمح ببعضها لتزوير المشهد الإيراني الداخلي فتتم عادة تحت مراقبة الشرطة والمخابرات، ولا يمكن أن تقوم أبدا باللغة الفارسية، سيما وأن السلطات الإيرانية تمنع تداول كل أنواع الكتب المسيحية باللغة الفارسية، بهدف منع العمل التبشيري، الأمر الذي يؤدي بكل تأكيد إلى خنق الكنائس التقليدية، ونتيجة لذلك لا يبقى أمام المسيحيين الإيرانيين المعنيين إلا إمكانية التواري عن الأنظار، كما أن العديد منهم يجتمعون في كنائس منزلية صغيرة داخل البيوت لأداء شعائرهم الدينية.
من أين للمرء أن يشخص حالة الاستبداد الديني في إيران؟
مرد ذلك ولا شك إلى أننا أمام نظام يعيد تاريخ الدولة الدينية المتكلسة والمتحجرة من القرون الوسطى، والأبشع أنه يحاول استخدام آليات عصرانية بصورة سيئة في مطاردة مواطنيه، وهو مقتنع إلى أبعد حد ومد بحيازته للحقيقة المطلقة، وأن ما عداها هو الباطل، ولهذا لا يتورع عن التعاطي مع المغاير دينيا أو مذهبيا من منطلقات فوقية متغطرسة، تتبدى في الداخل تارة، وتنعكس على الإطار الخارجي تارات أخرى.
ولعله من المثير للغاية أن بعض الحواضن والحواضر الغربية لا سيما الأوروبية قد انخدعت طويلا جدا بالألاعيب الإيرانية لا سيما الزيارات التي يقوم بها نفر من الملالي إلى الخارج، وبخاصة للمراكز الدينية حول العالم.
في أوائل الألفية الميلادية الثالثة رصد العالم زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى حاضرة الفاتيكان، ولقاءه مع البابا الكبير يوحنا بولس الثاني، والذي رحل عن عالمنا في العام 2005، ولم تكن الزيارة إلا ضربا من ضروب الخداع السمعي والبصري للمشاهدين الأوروبيين تحديدا، ومحاولة الإيحاء بأن في إيران نظاما يقبل الآخر، ويقوم بزيارة لأعلى مرجعية دينية مسيحية في العالم.
غير أن العارفين ببواطن الأمور قد قطعوا من وقتها بأننا أمام مشهد مزيف لا ذرة من الحقيقة فيه، وأن خاتمي ليس إلا صقرا من صقور إيران، ودع عنك أحاديث الحمائم أولئك الذين لا مكان لهم تحت سماوات إيران، وهو المشهد عينه الذي كرره روحاني، في رهان على أن ذاكرة العوام لا تزيد على ثلاثة أعوام، غير أن الباحثين كانوا يرصدون حقيقة المشهد في الحال والاستقبال.
يتساءل المرء: كيف يمكن لأوروبا التي تدعي أن جذورها مسيحية وثقافتها كذلك، وهي أصوات اليمين المتعالي والمرتفع في حاضرات أيامنا، أن تقبل بالتعاطي مع مثل هذا النظام وأن تبقى على علاقاتها الاقتصادية تحديدا معه؟
يمكن أن يقطع القارئ بأن الأوروبيين قد أصيبوا بدورهم بفيروس الازدواجية الأخلاقية، وإلا فما معنى ما استمعنا إليه الأيام القليلة الماضية من اتفاق على شكل وملامح الآلية الجديدة للتعاطي اقتصاديا مع إيران، سيما وأن محلها سيكون فرنسا وبرئاسة ألمانيّ، ولتذهب حقوق الإنسان واحترام الأديان في إيران ما شاء لها أن تذهب، أما تهديدات إيران الصاروخية فهي حديث آخر .
الخلاصة.. الحريات لا تتجزأ، وحديث الإفك الإيراني لن يطول أمده.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة