كيف تنهي الانتفاضة الخرافات الأمريكية حول إيران؟
الاحتجاجات الإيرانية المفاجئة ينبغي أن تقضي على الخرافات الأمريكية حول الشعب وسياسات إيران.
بعد مرور أكثر من شهر على انتفاضة الشعب الإيراني ضد نظام الملالي، ينبغي أن تدقق الولايات المتحدة في الانفجار المفاجئ للاحتجاجات للقضاء على عدد من الافتراضات الطفيفة حول السياسة الإيرانية، بعد أن تحولت إلى حكم تقليدي في واشنطن.
ومع دراسة واشنطن لكيفية معالجة حزمة التحديات النابعة من إيران، يجب عليها أيضاً إعادة النظر في أسس معرفتها حول هذه الدولة خاصة الاستخفاف باستعداد الشعب الإيراني لمعارضة النظام والمبالغة في تقدير الإصلاحيين الإيرانيين.
الإرادة مستمرة
أول خرافة أمريكية تضع احتجاجات إيران نهاية لها ليست شيئاً يناقشه السياسيون علناً في واشنطن لكنه افتراض دائماً ما يكون في الخلفية خلال أي محادثات حول إيران، وهي أنه بعد نجاح نظام الملالي في قمع الثورة الخضراء عام 2009 وبعدها بات الشعب يفتقد الإرادة للاستمرار في الاحتجاج.
كما أن السياسيين في واشنطن يزعمون أن نظام الملالي يشهد تصاعداً لشعبيته بين الشعب الإيراني، حسب ما نقلته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية على موقعها الإلكتروني.
لكن هذا التقدير يخفق في قراءة نضال الشعب الإيراني القائم منذ نحو قرن سعياً لحكومة عادلة ومسؤولة، وهو نضال لم يتخلوا عنه رغم اليأس المستمر، خاصة أن الاحتجاجات الأخيرة تبطل أي خرافة حول تردد الشعب الإيراني، نظراً لأن الناس العاديين خاطروا بحياتهم وشاركوا في الهتافات ضد مرشد إيران علي خامنئي.
وما يشير أيضاً إلى شجاعة الشعب الإيراني هو إشادة المحتجين بالشاه محمد رضا بهلوي، مؤسس آخر سلالة ملكية في إيران، وهو ما يعد مخالفة لما حرمه نظام الملالي بالإثناء علناً على النظام الملكي القديم، وليس ذلك فحسب حيث ترددت هذه الهتافات في خمين منشأ مؤسس الثورة الإيرانية الخميني.
إصلاح غير إصلاحي
أما الخرافة الثانية تتعلق بالحركة الإصلاحية المعتلة في إيران، حيث تعتقد أنه منذ شروع الإيرانيين للإصلاح يظل التيار الإصلاحي هو الدافع الأكثر ترجيحاً للتغيير السياسي، لكن هذه الفكرة نتيجة انتقاء متحيز قائم منذ زمن طويل نتيجة إمكانية وصول معظم المحللين والصحفيين في الغرب بطريقة أفضل وأسهل إلى السياسيين الإصلاحيين من نظرائهم المتشددين.
كما أن هذه الخرافة تنتج عن مواجهة رموز الإصلاح في إيران مثل الرئيس السابق محمد خاتمي، ورئيس الوزراء الأسبق حسين موسوي لمحاكمات صورية وتحديد إقامة وحظر من الإعلام، فأصبحوا شخصيات للزينة في النظام السياسي الإيراني.
لكن معظم الإصلاحيين ما زالوا يؤمنون بأسس نظام الملالي الذي أثبت مراراً أنه غير قابل للإصلاح والتحسين، والأسوأ من ذلك أنه مع تغلل الملالي بمرور الوقت أصبح الإصلاحيون نافرين من المخاطرة، وهو ما ظهر في تعليق معظمهم على الاحتجاجات الأخيرة ورفضهم لقوة الشارع من الأساس.
إضافة إلى ذلك، فإن تركيز في غير محله على الإصلاحيين قد يحجب مراقبة التطورات في مختلف شرائح المجتمع الإيراني، حيث أدى تركيز واشنطن العميق على طهران -مركز الإصلاحيين- إلى تجاهل الناس الذين يعيشون في بقية إيران، وهو ما يساعد في تفسير مفاجأة الكثير من المراقبين بالاحتجاجات الواسعة.
إعادة النظر
هذه ليست الخرافات الأمريكية الوحيدة حول إيران، فهناك أيضاً الانقسام الحضري-الريفي حول السياسة الخارجية، والتي تفترض أن سكان الريف وسكان المدينة المتشددين يدعمون سياسة إيران في المنطقة.
لكن في 2009، احتجت نخبة طهران وأعضاء الثورة الخضراء على تدخل إيران في الدول الأجنبية بهتافات "لا لغزة ولبنان سأضحي بحياتي لإيران"، وفي 2017 تكررت الهتافات مرة أخرى عبر إيران في المدن والريف على حد سواء.
وتوجد أيضاً خرافة أن الاتفاق النووي الإيراني يخلق مساحة لمعالجة القضايا الإيرانية غير النووية مثل مأزق الشعب الإيراني، لكن منذ إشادة الإصلاحيين بالاتفاق وبعد عامين ونصف من توقعيه ما زالت الاتفاقية تهيمن على كل مناقشة أمريكية حول إيران حتى تلك المتعلقة بالاحتجاجات.
وتعد الانتفاضة الأخيرة دليلاً إيجابياً على أن المحللين ينبغي أن يعيدوا النظر باستمرار في افتراضاتهم حول المجتمع الإيراني، لكن على نفس الدرجة من الأهمية اختبار التأثير الكلي للخرافات المذكورة على الطريقة التي ينظر بها الأجانب لمسار إيران، فإذا استمرت رؤية إيران عبر نفس الإطار المغلوط فإن الجولة المقبلة من الاحتجاجات ستكون مفاجئة أيضاً.