إيران اليوم تقف في منعطف هام بسبب السياسة الأمريكية التي لم تعد تتجاهل محاولات الهيمنة على المنطقة كما حدث أثناء إدارة أوباما.
في نظرة سريعة على المناطق التي يوجد فيها نظام الملالي فإننا نجد الدماء والدموع والدمار وتمزيق المجتمعات على أسس طائفية ومذهبية، وهذا هو ديدن النظام الإيراني منذ ثورة الخميني في عام 1979 وحتى يومنا هذا. سنّ النظام الإيراني سٌنة سيئة وأراد نشرها على امتداد الإقليم خصوصا في الدول العربية، قبل أن تستتب الأمور له أنشأ الخميني مليشيات تتبع مباشرة له وتدين بالولاء المطلق له، وأسس ذلك عبر مفهوم إيديولوجي (ولاية الفقيه)، وهذا المفهوم لا يتفق رجال الدين في المذهب الشيعي عليه، وكل من عارضه من رجال الدين لقي التهميش والإهمال في أحسن الأحوال، وقد يصل الأمر إلى السجن وما هو أكثر من ذلك، تلك المليشيات تم تشريعها في القانون والدستور الإيراني وتحولت إلى كيان مواز تحت اسم الحرس الثوري، هذه المليشيات لها اقتصادها الخاص ولها تسليحها الخاص ولها أسلوب عملها الخاص أيضا، ومن ثم عمليا أصبحت دولة داخل الدولة الإيرانية بمؤسساتها التقليدية، وقد نجحت هذه المليشيات بالحفاظ على النظام رغم ظهور تيارات وشخصيات عارضت النظام على امتداد العقود الماضية.
أمام الضغوط الخارجية التي يتعرض لها النظام الإيراني فمن المتوقع أن تستخدم إيران كل أتباعها ومليشياتها لإشاعة حروب بالوكالة وحالة فوضى، لعل ذلك يخفف من الضغوط عليها، فإيران أنشأت تلك المليشيات لمثل هذا الوقت
منذ اللحظة الأولى عمل الخميني ونظامه على تصدير الثورة وإثارة الفوضى في المحيط خصوصا الدول العربية المجاورة، ولكن صلابة الدولة القُطرية العربية خصوصا في شقها الأمني منع إلى حد كبير تغلغل النموذج الخميني، لذلك أصبحت التدخلات الإيرانية تتناسب طردا مع تماسك الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، لذلك في مطلع الثمانينيات كان لبنان الدولة العربية الوحيدة التي تشهد حالة من سيولة الدولة، لذلك انتقل مركز نشاط الاستخبارات الإيرانية إلى هذا البلد الصغير، في ظل الحرب الأهلية أنشأت إيران «حزب الله» ودخل مباشرة في صراع من أجل ترسيخ النفوذ الإيراني، في تلك الفترة كان الوجود السوري وحافظ الأسد هو اللاعب الأبرز على الساحة اللبنانية، وعندما شعر بتهديد نفوذه دخل في صراع مع الحزب عبر مليشيات حركة أمل، وسرعان ما أدرك الإيرانيون أن عليهم التحالف مع الأسد، وبذلك أمنت إيران لمليشياتها غطاء سياسيا من نظام حافظ الأسد، وحتى عندما جلس اللبنانيون على طاولة المفاوضات بينهم تم استثناء «حزب الله» من عملية نزع سلاح المليشيات اللبنانية بضغط من حافظ الأسد، وهكذا أصبح «حزب الله» هو رأس الحربة في الوجود الإيراني الخارجي.
احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية مثّل لحظة فارقة في الاستراتيجية الإيرانية للسيطرة على المنطقة، إيران استطاعت أن تبني استراتيجية متكاملة للسيطرة على هذا البلد، عبر إنشاء معارضة على مقاسها وما يخدم مصالحها، وقامت هذه المعارضة بالتحالف مع الولايات المتحدة مما جعلها تتصدر المشهد السياسي في العراق، ولكن هذا وحده لم يكن كافيا بالنسبة للنظام الإيراني، فقد أوعز إلى أتباعه بإنشاء مليشيات عسكرية خارج جسم الدولة العراقية الوليدة، الطابع المذهبي والطائفي لتلك المليشيات، إضافة إلى دخول تنظيم القاعدة على خط الوضع المتردي في العراق، كل ذلك أسهم في دفع التوترات المذهبية إلى ذروتها، خصوصا مع وجود حكومة متطرفة يقودها نوري المالكي، فكان عام 2006 عاما داميا بامتياز وتجسيدا للفوضى التي صنعتها إيران، عندما ظهر تنظيم داعش استغلت إيران ذلك لتوحيد المليشيات التي قامت بإنشائها خلال السنوات الماضية تحت اسم (الحشد الشعبي)، ولا تزال إيران عبر عملائها ومليشياتها تعيث فسادا في هذا البلد.
استغلت إيران ما سمي الربيع العربي من أجل توسيع نفوذها في الدول العربية، فكانت البداية بسوريا حيث دخلت إيران بقضها وقضيضها من أجل حماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفي سبيل ذلك عادت إلى استراتيجيتها الأثيرة وهي إنشاء المليشيات الطائفية، بل إن إيران دفعت هذه الاستراتيجية إلى أبعد مدى عندما قامت بعولمة المليشيات، فأنشأت مليشيات إيرانية وعراقية وأفغانية وأخرى سورية، هذه المليشيات أوصلت سوريا إلى كارثة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قتل وتهجير وسرقة واغتصاب وكل أنواع الجرائم التي قامت بها هذه المليشيات، بقيادة رأس الإرهاب في المنطقة تنظيم حزب الله.
أما في اليمن فعمد نظام الملالي إلى إنشاء جماعة الحوثي الإرهابية، رغبة في زعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة العربية وتهديد خطوط الملاحة البحرية، وهكذا عاثت هذه الجماعة فسادا في اليمن، وباقي الدول العربية خصوصا في الخليج العربي لم تسلم من محاولات إيران بإنشاء جماعات تابعة لها، ولكن عيون الأمن أجهضت تلك المحاولات.
إيران اليوم تقف في منعطف هام، بسبب السياسة الأمريكية التي لم تعد تتجاهل محاولات الهيمنة على المنطقة كما حدث أثناء إدارة أوباما، ولكن إدارة ترامب تتخذ سياسات أكثر جدية لمواجهة إيران، فالحزمة الثانية من العقوبات سوف تكون قاسية على نظام الملالي. كما أن هناك إجماعا على المستوى الدولي على ضرورة خروج إيران من سوريا بعدما أوشكت الحرب على اختتام فصلها الأخير، وهناك رفض لتهديد إيران المتزايد لجيرانها عبر سياساتها العدائية وتطويرها أسلحة باليستية تمثل تهديدا لا يمكن السكوت عنه.
أمام الضغوط الخارجية التي يتعرض لها النظام الإيراني فمن المتوقع أن تستخدم إيران كل أتباعها ومليشياتها لإشاعة حروب بالوكالة وحالة فوضى، لعل ذلك يخفف من الضغوط عليها، فإيران أنشأت تلك المليشيات لمثل هذا الوقت.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة