ظريف تجاهل "مستنقع الطين الكوروني" الذي غاصت فيه إيران، والمقبل من الأيام قد يحمل مزيدا من الأهوال، لا قدّر الله
من دون أي مواربة، أشعر بحزن كبير على الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب الإيراني جراء تفشي وباء كورونا، حيث بات واضحاً أن إيران باتت إحدى البؤر عالية الخطورة لانتشار هذا الفيروس القاتل الذي أوقع في شباكه آلاف الإيرانيين؛ والعدد مرشح ليصبح بمئات الألوف وربما أكثر، فضلاً عن آلاف الموتى. تماماً مثلما أشعر بالحزن على أي انسان أو شعب على كوكب الأرض يعيش هذه المأساة بأبعادها الصحية والإنسانية والاقتصادية.
ورغم تعاطفي اللامتناهي هذا، انتابني شعور بالأسف من تصريحات وزير خارجية النظام الإيراني السيد محمد جواد ظريف، التي ألقى فيها باللائمة عما يحصل في بلاده على الآخرين بعد أن بات من المستحيل على أي إيراني في أي موقع كان، تجاهل "مستنقع الطين الكوروني" الذي غاصت فيه إيران، والمقبل من الأيام قد يحمل مزيدا من الأهوال، لا قدّر الله.
السيد ظريف ناشد في تغريدة له على "تويتر" دول العالم التدخل لدى الولايات المتحدة، التي اتهمها بممارسة الإرهاب الطبي ضد بلاده، لرفع الحصار عنهم علّهم يفلحون في محاصرة جائحة كورونا والقضاء عليها. وقبل ذلك طلبت إيران من صندوق النقد الدولي قرضاً بقيمة خمسة مليارات دولار لمواجهة هذا الوباء.
أسأل السيد ظريف: هل جائحة كورونا هي فقط التي هزّت المواطن الإيراني ونغّصت عليه حياته واستنزفت مقدراته وتسببت في عزلته؟.. أم أنه قبلها كان يعيش واقعاً مأساوياً بسبب سياساتكم التي أقضّت مضاجع الجميع، خصوصا جيرانكم الإقليميين؟
وقال السيد ظريف أيضاً إن "الفيروس لا يُميز وعلى الإنسان ألا يميز". وهو مُحق مئة في المئة بما يقول، حيث أظهر فيروس كورونا "كوفيد 19" أن "لا أحد على رأسه خيمة" كما يُقال.
ولكن رغم تألمنا على الإنسان الإيراني وكل إنسان على وجه الأرض يهدد حياته هذا الفيروس "اللئيم" أو يعيش رعبه ورهابه، سأسمح لنفسي أن أسأل السيد ظريف، المحسوب على التيار المعتدل ومسوّق سياسات إيران، بعض الأسئلة البعيدة كل البعد عما ردت عليه المتحدثة باسم الخارجية الامريكية، التي طالبت المرشد علي خامنئي بفتح خزائنه المملوءة بالمليارات، على حد قولها، وإنفاقها على الشعب وعلى النظام الصحي بدلاً من اتهام بلادها.
وهنا أسأل السيد ظريف: هل جائحة كورونا هي فقط التي هزّت المواطن الإيراني ونغّصت عليه حياته واستنزفت مقدراته وتسببت في عزلته؟.. أم أنه قبلها كان يعيش واقعاً مأساوياً بسبب سياساتكم التي أقضّت مضاجع الجميع، خصوصا جيرانكم الإقليميين؟
هل رأيتم، قبل أن يجتاح فيروس كورونا العالم، الوضع الاقتصادي المُزري للمواطن الإيراني ما فجّر ثورة شعبية احتجاجاً عليه فقمعتموها بالحديد والنار؟ ومن الذي تسبب في هذا الانهيار الدراماتيكي لاقتصاد بلدكم ولوضع شعبكم المعيشي؟
هل صارحتم المواطن الإيراني بحجم الأموال التي بددها نظامكم على المشاريع التوسعية والتدخلات الفجّة بشؤون الآخرين ومحاولاتكم تصدير الثورة؟.. ثم هل أنتم تصدقون أن نموذج ثورتكم قابل للتصدير فعلاً، والجميع يرى ما حلّ بشعبكم؟
هل لديكم أدنى شكوك بأن سياسات ثورتكم التي تعملون ليل نهار لتصديرها قد تسببت بتدمير دولٍ بحالها، ومزقت نسيجها الوطني والاجتماعي وقسمت فيها المُقَسّم وأذكت صراعات بين المذاهب والملل فات عليها الزمن.. واستحضرت "مظلوميات" تدّعونها ويلف رواياتها التاريخية العائدة لـ1500 عام مضت الكثير من الشكوك والتساؤلات وعلامات الاستفهام، ما أثار استغراب وسخط العالم بأكمله عليكم؟
بلادكم يا معالي الوزير، التي حباها الله بخيرات لا تُعد ولا تُحصى، أنت تعلم تماماً كما يعلم كل إيراني بسيط أنه تم تبديد مقدراتها هنا وهناك لضعضعة استقرار الدول وإذكاء نيران العداوة بين مكونات شعوبها، ولتتحول لاحقاً إلى دول فاشلة محاصرة تدور على أرضها رحى حروب أهلية حرقت أخضرها ويابسها، ويحتاج ترميمها إلى أضعاف ما خسرته من بشر ومال ووقت.
فعلتم يا معالي الوزير ما فعلتموه، وتتباهون أمام العالم بأنكم تسيطرون على خمس عواصم عربية متجاهلين كمّ الغضب والسخط من شعوب هذه الدول عليكم، ولا تزال شهيتكم مفتوحة على أشدها للسيطرة على المزيد، وقد نسيتم أو تناسيتم أن "كسرى وروما" بقدِّهما وقديدِهما أضحتا أثراً بعد عين ودروس التاريخ طافحة بالعِبَر لمن يريد أن يعتبر.
هل يا معالي الوزير لديكم الجواب المقنع عن المكاسب التي حققتموها لإيران وللشعب الإيراني جراء إنفاق أمواله وأموال أبنائه وأحفاده، على مليشيات تأتمر بأمركم في لبنان واليمن والأراضي الفلسطينية، وعلى خلاياكم الطائفية المنتشرة على امتداد قارات العالم؟
هل يا معالي الوزير لديكم إجابات شافية عن الفوائد التي حققتموها من سباق التسلح الذي فرضتموه على المنطقة، وعن ترسانات الصواريخ والقنابل وأدوات القتل والموت من كل الصنوف والأشكال والأحجام، التي استوردتموها وصنعتموها وصدرتموها إلى دول أمعنت فيها تدميراً وبأهلها هلاكاً؟
هل لديكم يا معالي الوزير إجابات مقنعة عن المكاسب التي حققتها إيران وشعبها من إنفاق المليارات على نشر "التشيّع" في دول العالم للتدخل بها والسيطرة على جزء من شعبها بهدف خلخلة استقرارها وتفكيك نسيجها الوطني؟.. وهل لديكم أدنى شك، وأنتم السياسي المحنك، أن من ارتضى على نفسه أن تشتروه بدولار سيبعيكم لمن يدفع له دولاراً ونصف الدولار؟
هل حققتم أياً من الشعارات التي رفعتموها منذ تسلم ثورتكم قبل نحو أربعين عاماً مقاليد السلطة في إيران وحتى اليوم؟ هل حقاً نصرتم يوماً مظلوماً؟ أم أن شعاراتكم الإنسانية والأخلاقية كانت حصان طروادة لأهدافكم التوسعية وللهيمنة على الشعوب ومقدراتها وثرواتها؟
هل تنكر يا معالي الوزير أنكم رفعتم شعار تحرير فلسطين، وفي الواقع مكّنتم إسرائيل منها أكثر.. ورفعتم شعار نصرة الشعب الفلسطيني، وفي الواقع شرذمتم قواه وزرعتم الفرقة بين ظهرانيه وأذكيتم في صفوفه صراعات هامشية شغلته عن قضيته المركزية، وبالتالي أضعتم بوصلة جزء كبير منه؟!
رفعتم شعار تحرير القدس؛ فجلب "فيلق القدس" الويلات للفلسطينيين والعرب والمسلمين في كل مكان وُجدوا فيه، وكاد اسم القدس، لولا أنه محصّن بعقيدة صحيحة في وجدان مليار ونصف المليار مسلم، مادة للمتاجرة والبيع والشراء لتحقيق مكاسبكم الذاتية والعقائدية.
هل بإمكانك يا معالي الوزير الاعتراف أمام الله وأمام الشعب الإيراني أن المليارات التي بددتموها على أطماعكم التوسعية كان بإمكانها أن تجعل من بلادكم جنّة على الأرض ومن الإنسان الإيراني سيداً عزيزاً؟
وهناك يا معالي الوزير مئات الأسئلة الأخرى التي أتحداك في الإجابة عنها بشفافية وبمفردات تخلو من التضليل والعنجهية، التي ما رفعت يوماً من شأن بلد أو شعب، بقدر ما جهلته وأعمت بصيرته وصرفته عن مسؤولياته تجاه مجتمعه وأمته.
كفى يا معالي الوزير قذفاً بالاتهامات على الآخرين للتنصل من مسؤولياتكم عما يعاني منه بلدكم وشعبكم.. وثق تماماً بأن أصابعكم باتت أصغر بكثير من أن تغطي وجهكم، والشعارات البراقة لا تُجمّل سوء النوايا وسود المقاصد للأبد.
وليكن يا معالي الوزير وباء كورونا الذي ألحق هزائم مدويّة بالبشرية وأظهر ضعفها وقلّة حيلتها، مناسبة لإعادة الحسابات وتصويب السياسات. ويكفي تذكيركم بأن الرفاه الإنساني لم تنتجه يوماً مصانع الأسلحة أو الحروب ولا معسكرات بناء عقائد العداء والضغائن ضد الآخرين، والتاريخ الإنساني يؤكد أن ترسانات الأسلحة، مهما تضخمت، لم تطعم يوماً جائعاً ولم تداوِ يوماً مريضاً.. وأن الكراهية أشواك قاسية ستُدمي أيدي زارعها طال به الزمن أم قصر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة