إيران ومساعي التقارب مع السعودية ومصر.. هروب للأمام أم تغيير للمسار؟
إشارات ورسائل عديدة يبعث بها نظام طهران الحاكم، يبدو مظهرها إيجابيا، ويحمل صيغة التصالح والتقارب مع دول الجوار ومحيط إيران الإقليمي.
وسواء كان توجها سياسيا تصالحيا أو مناورة، لا يمكن فصل المزاج السياسي لإيران حاليا عن الأزمة العميقة التي تعيشها في ظل استمرار موجة جديدة ليست الأولى من احتجاجات شعبية واسعة يقابلها "عنف مفرط" من جانب السلطات ما ولد موجة غضب عالمي من النظام الإيراني ترجمته ضربات متتالية في شكل عقوبات أوروبية وأمريكية.
ليست الاحتجاجات وما تبعها من عدم استقرار داخلي وغضب خارجي الأزمة الوحيدة التي تعيشها إيران، لكنها ضمن سلسلة أزمات على رأسها تعثر مفاوضات التوصل لاتفاق نووي جديد بدرجة تصل إلى "الفشل" أو ربما استبعاد التوصل لاتفاق في المدى القريب.
وتتشابك إيران في هذا الملف ليس فقط مع مجموعة "5+1" (مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا) لكن مع تهديدات إسرائيلية لا تنقطع بضرب إيران سواء جزئيا أو حتى حرب عليها، ما يدفع طهران نحو التشتت شرقا وغربا ربما خوفا من وقوع المحظور.
كذلك دعم إيران لروسيا بمعدات وطائرات بدون طيار في حربها ضد أوكرانيا وما جلبه عليها من عقوبات إضافية، قد يمثل لطهران مخزونا استراتيجيا لعبا على فكرة المحاور والأقطاب في حال فشل الاتفاق النووي أو نفذت إسرائيل تهديداتها بضرب إيران.
خلطة الأزمات التي يعيشها النظام الإيراني تدفع المتابع للتساؤل بشأن دافع إيران من وراء إصرارها على تصدير فكرة التقارب مع محيطها الإقليمي خاصة مصر والسعودية والتي تبدو إلى حد كبير رسائل من جانب واحد، وهل تحاول طهران الهروب من أزماتها بثوب التصالح والتقارب الذي وصل حد الإعلان عن قرب إعادة افتتاح سفارتي إيران في الرياض والقاهرة.
"العين الإخبارية" حاولت فك الطلاسم السياسية للتوجه الإيراني الذي طفا على السطح في الشهور الأخير واستطلعت آراء خبراء ومحللين قريبين من الملف الإيراني.
القطع ومحاولات العودة
قطعت العلاقات بين الرياض وطهران منذ العام 2016، عندما هاجم محتجّون إيرانيون البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران ومحاولة تخريبها والاعتداء على دبلوماسييها في أعقاب إعدام المملكة لرجل دين شيعي أدين بحكم قضائي.
ويلعب العراق منذ أبريل/نيسان 2021 دور الوسيط بين البلدين، مستضيفاً سلسلة من المفاوضات بين المسؤولين الأمنيين الإيرانيين والسعوديين.
أما علاقات مصر وإيران فقد تدهورت عقب الثورة في إيران عام 1979 وتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وجرت الاتصالات عبر مكاتب مصالح، وهى شكل أقل مستوى من التمثيل الدبلوماسى.
وعن الاندفاع الإيراني باتجاه إعلان التقارب مع دول الجوار ومحيطها الإقليمي يرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني ومدير مركز "جدار" للدراسات، محمد العبادي، أن هناك دعوات إيرانية تأتي بالتحديد من وزارة الخارجية للدفع باتجاه علاقات جيدة مع الدولة العربية على رأسها المملكة العربية السعودية، بعد قطع المملكة للعلاقات في شتاء ٢٠١٦.ويضيف العبادي في حديث لـ"العين الإخبارية" أنه سبق أن عُقدت ٥ جولات في بغداد بين الطرفين، طُرحت فيها الملفات الأمنية على الطاولة، ومن ثم كان هناك رسائل إيجابية متبادلة بين وزيري خارجية البلدين.
وتابع: "ينبغي التأكيد على أن القرار الإيراني ليس نهائيا، فإيران التي تتأرجح بين الثورة والدولة، لديها حالة ازدواج دائمة في الخطاب، وهناك وجهتا نظر في كل حدث، بينما يمارس عبداللهيان (وزير الخارجية الإيراني) دور الدولة في طرق أبواب دول الجوار لتحسين العلاقات، يركل الحرس الثوري هذا الباب بتصريحات متناقضة تهاجم المملكة ودول المنطقة.
ودلل الباحث على ذلك بالقول إن الأصوليين في البرلمان الإيراني يواصلون تنديدهم بسياسة وزارة الخارجية ويعتبرون هذه الخطوات كسرا لأنف الجمهورية الإيرانية.
وأكد العبادي أنه من المهم أن نعرج هنا على الأسباب المحتملة التي تدفع طهران لتحسين علاقاتها مع دول المنطقة، وعلى رأسها الاضطرار إلى الانكفاء على الداخل عقب الانفجار الشعبي الهائل، بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح أن التحول في معسكر حلفاء إيران دوليا، مثل روسيا المتورطة في صراع عسكري طويل الأمد، والصين التي قررت ألا تضع كامل أوراقها في السلة الإيرانية، وتفهم المخاوف العربية من أنشطة إيران الإقليمية، ودفعها باتجاه إقليم مضطرب، يدفع طهران للبحث عن علاقات جيدة في الإقليم.
ولفت إلى أنه لا يمكن إغفال حالة التوتر غير المسبوقة بين إيران والدول الأوروبية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، إثر الأنشطة الغامضة في الملف النووي، وانتهاك حقوق الإنسان في الداخل الإيراني.
وأشار العبادي إلى أنه يبقى سبب عودة نتنياهو إلى رئاسة الوزراء في إسرائيل، وما يحمله من تهديدات للبرنامج الإيراني، خاصة في ظل تعثر المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، هاجس لدى النظام الإيراني، أن ضربة عسكرية أو حملة أنشطة تخريبية، جاهزة ضدها إن استمرت في رفع وتيرة التصعيد.
ويعتقد العبادي أن الدول العربية تنشد السلام ومستعدة له، لكن شريطة التزام الطرف الآخر وإثبات صحة دعاوه، لا يمكن لإيران أن تناشد على العلن عودة العلاقات الدبلوماسية، ثم تمارس دورها المخرب في التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية، عبر دعم الوكلاء وتدريب الميليشيات.
هروب من الضغوط
المحلل السياسي المقيم في لندن والمختص بالشأن الإيراني، محمد المذحجي، يشير إلى أن التوجه الإيراني له علاقة باستقطاب بين القوى الكبيرة في المنطقة خاصة على جبهات العراق ولبنان واليمن.
وأوضح المذحجي في حديث لـ"العين الإخبارية" أن الملفات الرئيسية بين السعودية وإيران لا تزال عالقة، وما يجري من مفاوضات قد لا يؤدي إلي حلحلة الوضع بشكل تفاوضي.
وأشار إلى أن النفوذ الإيراني في العراق ولبنان يتراجع في المقابل يزداد النفوذ السعودي والساحة اليمنية مازالت مشتعلة ولا توجد أفق للتواصل للاتفاق.
وأضاف أن إيران ترى أنه الضغوط الدولية من ألمانيا والصين وفرنسا، بالإضافة لتقلص تعاونها مع روسيا في ملف أوكرانيا، وتراجع دورها الإقليمي، فإن الاتجاه إلى طاولة مفاوضات مع السعودية قد يساعدها في التوصل إلى اتفاق معين يمكنها من أن تتقاسم النفوذ، وتقلص من تراجع نفوذها في الإقليم.
وفيما يتعلق بعلاقة إيران تحديدا مع مصر، يرى المذحجي أن طهران تحاول أن تبنى علاقات مع مصر تساعدها في التقرب إلى دول الخليج بشكل عام، لافتا إلى أن القاهرة من منذ ثورة 1979 تحافظ على مساحة محددة مع إيران بسبب مشروعها التوسعي الإقليمي الذي يعتمد على الفكر الطائفي وهذا يزعزع الاستقرار في دول المنطقة.
وتابع: مصر تعلم أن مشروع إيران هو مشروع مخابراتي أمنى للتوسع ولهذا السبب لا يمكننا تصور وجود إمكانية كبيرة لإعادة فتح السفارات، رغم وجود علاقات دبلوماسية في مستويات معينة بين البلدين وهناك مكاتب لرعاية مصالح البلدين.
وأكد أن العلاقات سوف تبقى خلال الفترة القادمة على أقل تقدير في نفس مستوى التى كانت عليه خلال العقود الماضية ولا توجد مؤشرات على أن هناك أرضية اقتصادية أو سياسية بين البلدين تساعد على بناء علاقات قوية، مشيرا إلى أنه في حال فتح السفارات فهذا لن يساعد إيران للحصول على مكتسبات.
عزلة كبيرة
في السياق ذاته، يقول أستاذ العلاقات الدولية ومدير مركز الأمصار للدراسات السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق، الدكتور رائد العزاوي، إن إيران تعاني من عزلة كبيرة خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى أنها معرضة لعقوبات أكثر.
ويضيف العزاوي في حديثه لــ" العين الإخبارية" أن إيران تحاول الهروب من الطوق الملفوف حول عنقها بزيارات وزير خارجيتها منذ يومين إلى سوريا ولبنان ومحاولة الانفتاح على السعودية ومصر في محاولة لتجنب العقوبات والدعم العربي.
وأشار إلى أن إيران تعاني من أزمات اقتصادية داخلية ونقمة من الشارع بطهران بسبب نقص الغاز والوقود وحالة الركود الاقتصادي وتصرفات المسؤولين بالبلاد، مضيفا أن تلك الحوارات مع مصر والسعودية ليست بالمستوى المطلوب إلا بعد وقف تمددها بالعالم العربي وسحب أيديها من سوريا واليمن وليبيا وقف دعم المليشيات.
وأكد العزاوي أن البيان المصري السعودي منذ أيام كان واضحاً لدعم رؤية المملكة بشأن التهديدات الإيرانية ورؤيتها للأزمة.
وأشار بيان مشترك صادر عن الاجتماع الوزاري للجنة المتابعة والتشاور السياسي بين السعودية ومصر على مستوى وزراء الخارجية، الخميس الماضي، إلى اتفاق المملكة ومصر على ضرورة احترام إيران الكامل لالتزاماتها بمقتضى معاهدة الانتشار النووي وبما يحول دون امتلاكها السلاح النووي.
التصالح مع مصر يبدأ من الرياض
من جانبها تقول، الباحثة المصرية في الشؤون العربية والدولية، الدكتورة دينا محسن، إن محاولات طهران متكررة للتقارب مع مصر والسعودية ولكن بعد وجود ضغوطات دولية في محاولة للهروب منها بالانفتاح عربيا.
وتضيف محسن في حديث لـ" العين الإخبارية" أن إيران لجأت للمنطقة العربية خلال مفاوضات النووي في عهدي ترامب وأوباما، مؤكدة أن إيران تفكر يوميا في فتح علاقات مع مصر والسعودية.
ولفتت إلى أن طهران تعلم جيدا أنه لا يمكن فتح علاقات مع مصر دون علاقات مع السعودية ودول الخليج لحرص القاهرة على الوحدة العربية وضرورة إنهاء التدخل في الشؤون العربية.
وتابعت أن الكلمة الأخيرة هي للسعودية القادرة على فتح النقاط الخلافية وخاصة في عهد الأمير محمد بن سلمان، لافتة إلى أن المصالحة مع إيران وإنهاء ملف اليمن يحتاجان لشخصية جريئة وهو قادر على فعلها.
مخططات خبيثة
يرى الباحث العراقي المقيم في ألمانيا والمتخصص في الشأن الإيراني، بسام شكري، إن جزءا من توجه إيران الآن إلى الانفتاح على العالم العربي، لأسباب عديدة أهمها خسارتها مواقعها الدولية بالعالم نتيجة لسياستها القمعية، ووجود سخط شعبي أوروبي ضدها.
ويضيف شكري في حديث لــ" العين الإخبارية" أن إيران تحاول الهروب من الضغوط الأوروبية والدولية والصينية بالانفتاح على السعودية ومصر اللتين تشكلان عقبة أمام مخططاتها بالمنطقة.
ويعتقد الباحث العراقي أن طهران تسعى من خلال عودة العلاقات مع السعودية وفتح السفارة إلى الاستفادة أكثر من النهوض الاقتصادي بالرياض وسهولة العمل من خلال الخلايا النائمة.
أما عن مصر يقول شكري إن لإيران توجهات مختلفة خاصة يأتي على رأسها مد يد المساعدة إلى تنظيم الإخوان الإرهابي وحلفائه، والانطلاق إلى التدخل في أفريقيا وخاصة دولتي السودان وليبيا.
ويرى أنه من الأفضل أن يتم تأجيل فتح هذه السفارات إلى أن تنتهي الانتفاضة الإيرانية ورؤية من سينتصر النظام أم الشعب.
aXA6IDMuMTM2LjIyLjIwNCA= جزيرة ام اند امز