الأمة الإيرانية عاشت حياة يمكن أن تُوصف بأنها ليبرالية، خلال معظم النصف الثاني من القرن المنصرم،
تمر الأمم بدورات أيدولوجية، تتراوح بين الليبرالية في أقصى اليسار، والمحافظة في أقصى اليمين، ولنأخذ الولايات المتحدة مثالاً، بحكم أنها الأمة التي تتحكم بهذا العالم، فخلال ثلاثينيات القرن الماضي، وما قبلها وبعدها بقليل، كان المجتمع الأمريكي محافظاً، إذ كان الزواج يتم على الطريقة التقليدية التي تتم حالياً في دول المشرق، ووصل الأمر درجة تحريم الخمور التي كانت تُباع خفية.
ثم في ستينيات ذات القرن، هبت موجة تحرر ليبرالية، تحلل خلالها شباب المجتمع من كل قيود، واختفت كل المحظورات، ومن يقرأ تاريخ تلك المرحلة يجد العجب، حتى ليخيل لك أنه لم تكن هناك قيود من أي نوع، ثم ومع بداية التسعينيات، شهد المجتمع الأمريكي موجة محافظة جديدة، تطورت بشكل متسارع، وكان أبطالها المسيحيون المولودون من جديد، أي الصحويون الأمريكيون، وهي الشريحة التي ساهمت في نهاية المطاف وبشكل كبير، في إيصال المرشح المحافظ، دونالد ترامب، لرئاسة أمريكا!
قد لا تسقط هذه الثورة نظام الملالي، ولكنها حتماً ستزلزله، خصوصاً أنه صاحبتها شعارات وطنية وقومية تهتف ضد حكم رجال الدين، فهل يا ترى حان وقت «دورة الأيدولوجية الليبرالية» في إيران، وهل سينهي ذلك نظام الملالي ولو بعد حين؟!
الأمة الإيرانية عاشت حياة يمكن أن تُوصف بأنها ليبرالية، خلال معظم النصف الثاني من القرن المنصرم، وذلك في عهد شاه إيران السابق، وكانت إيران خلال تلك الفترة مزاراً سياحياً جاذباً، حيث الطبيعة وكل مقومات السياحة الأخرى، وصاحب ذلك فساد سياسي واقتصادي كبير، أدى في نهاية المطاف إلى ثورة كبرى، ساهم العالم الغربي بنجاحها، وانتهت باستلام ملالي قم للسلطة، ثم قمعوا كل من شاركهم بالثورة، وتفرّدوا بها، وحوّلوا هذا البلد الذي تضرب جذوره في أعماق التاريخ، إلى ما يشبه السجن الكبير.
ولأن الشعب الإيراني كان في دورة الليبرالية والحكم العلماني قبل ثورة الملالي، فقد كان الشعب جاهزاً لدخول موجة المحافظة الدينية، ولعب نظام الملالي على هذا الوتر، فتمت أدلجة كل مناحي الحياة، حتى صارت الطائفية هي شعار المرحلة، وأعيدت طقوس الاحتفالات الدينية الخرافية، أي تجهيل الشعب، والزجّ به في أتون التطرف الديني والحروب التوسعية.
اليوم، وبعد حوالي أربعة عقود من الحكم الديني الفاشي في طهران، وفيما يبدو أنه دورة أيدولوجية جديدة، نشهد ثورة شعبية عفوية، بدأت من أكثر مدن إيران محافظة، أي مدينة مشهد، التي كانت تسمى مدينة طوس فيما مضى، وهي المدينة التي يوجد بها ضريح الإمام الثامن، علي الرضا بن موسى، الذي اختاره الخليفة العباسي المأمون ليكون ولي عهده، قبل أن يتم اغتياله، وهذا له مغزى كبير، إذ كان المتوقع أن تكون مدينة مشهد المحافظة هي آخر المدن التي تثور ضد نظام الولي الفقيه، ما يشير بوضوح إلى أن هذه الاحتجاجات الشعبية هي تعبير عن سأم الشعب الإيراني من حكم الملالي الفاشي، ومن فساد طبقة الحكم من رجال الدين، ويؤكد ذلك إحراق صور الملالي، بما في ذلك صور علي خاميني والخميني، وقد لا تسقط هذه الثورة نظام الملالي، ولكنها حتماً ستزلزله، خصوصاً أنه صاحبتها شعارات وطنية وقومية تهتف ضد حكم رجال الدين، فهل يا ترى حان وقت «دورة الأيدولوجية الليبرالية» في إيران، وهل سينهي ذلك نظام الملالي ولو بعد حين؟! نواصل متابعة المشهد!
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة