بات واضحا أن رد إسرائيل الأخير على إيران صمم في واشنطن لإرضاء إدارة الرئيس جو بايدن، وبالتالي اكتساب ثقة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس حال فوزها بالرئاسة، كونها امتداداً لحقبة بايدن وقبله الرئيس الأسبق باراك أوباما.
لكن بالعودة إلى الشرق الأوسط والرد على الرد، الرد المحتمل على الرد المنجز في حال كان هناك رد من إيران بحسب معطيات و تصريحات متناقضة، علينا أن نتوقف عند نقاط مهمة، تتضح من خلالها الصورة بجلاء، ويمكن للقارئ الكريم تحقيق رؤية أشمل:
أولاً: الصراع بين إيران و إسرائيل ليس مزحة كما يروج البعض، و الردود ليست مسرحيات كما يحاول البعض تسطيح المسألة، وبين طهران وتل أبيب عداء حقيقي، لكن هذا العداء مصلحي وليس وجودياً، فإيران استفادت من معاداتها المعلنة لإسرائيل وسيطرت على عدة دول عربية وزعزعت الأمن والاستقرار على مدى عقود، تحت شعار تحرير فلسطين ونصرة المستضعفين، بينما إسرائيل فإنها دون شك لا تريد لإيران امتلاك قنبلة نووية، كما أنها لا تسمح لها بذلك، وسردية الخطاب الإسرائيلي في الغرب تقوم على الخوف من خطر إيران ومليشياتها.
ثانياً: لقد بنت إيران على مدى سنوات عدة أسواراً حصينة تحميها من إسرائيل، فالسور الأول كان تلك المليشيات التي عاثت في المنطقة دماراً تحت عناوين وحدة الساحات ومحور المقاومة، وقد اتضح للجميع انهيار هذه المليشيات على وقع الضربات الإسرائيلية غير المألوفة، سواء كان مقتل حسن نصر الله والرعيل المؤسس لحزب الله في لبنان، ومقتل يحيى السنوار مهندس ما بات يعرف بطوفان الأقصى، وانكفاء الحوثيين على أنفسهم والتوقف عن استفزاز إسرائيل وتجاوز الحد المسموح به، وانشغال المليشيات العراقية بحصد المكاسب والحفاظ على الكراسي الحكومية.
ثالثاً: السور الباليستي الصاروخي الذي تمترست خلفه إيران بات كذبة كبيرة، فإيران في ردها الأخير على إسرائيل حاولت فعلياً أذية تل أبيب وفشلت، والصواريخ الباليستية الإيرانية لم تستطع أن توقع خسارة مدوية بإسرائيل، بل قتل حطام صاروخ إيراني مدنياً فلسطينياً قرب أريحا، دون أن يقتل إسرائيليا واحدا، وهذا يعزز الثقة بعدم قدرة إيران على التفوق العسكري حيال إسرائيل.
رابعاً: أما القنبلة النووية التي تعتزم إيران امتلاكها على مدى عقود، فإنها بحاجة لموافقة إسرائيل، لاسيما في ظل انهيار الدفاعات الجوية الإيرانية أمام إسرائيل، وقدرة سلاح الجو الإسرائيلي على السيطرة فعلياً على أجواء إيران لساعات وساعات، في مشهد مذل لطهران، ومشهدية أجبرت جواد ظريف مساعد الرئيس الإيراني على القول بصدق: «لقد فشلنا».
خامساً: الحقيقة أن أمريكا حمت إيران من ضربة إسرائيلية مفزعة وموجعة، وبالتالي فإن الشيطان الأكبر بحسب كلام خامنئي ومؤيديه، ساهم في حماية إيران التي تزعم الحرب على أمريكا والإمبريالية العالمية، والرسائل تم نقلها بين تل أبيب وإيران من قبل وزير خارجية هولندا وغيره برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا أمر أوردته وكالة أنباء ذات مصداقية عالية كـرويترز وغيرها.
سادساً: بوسع إيران الآن ابتلاع الرد وتسويف الانتقام كلامياً، والسير قدماً نحو تهدئة مع إسرائيل، ريثما يتسنى للعالم معرفة الساكن الجديد للبيت الأبيض، كامالا هاريس الديمقراطية، أم دونالد ترامب الجمهوري، وبعد ذلك يتم ترتيب أوراق المرحلة بحسب المصلحة الإيرانية أو الإسرائيلية، فالوقت الآن مرتبط بحبس الأنفاس قبل مفاجأة نوفمبر/تشرين الثاني غير المتوقعة.
وخلاصة القول أن إيران ليست بوارد التصعيد لأنها عاجزة حتى اللحظة على دفن حسن نصر الله نفسه، أو حتى تزويد حزب الله بسلاح وذخيرة في ظل قول وزير دفاع إسرائيل يوآف غالانت: (لقد بقي ٢٠٪ فقط من قدرات حزب الله الصاروخية ، ونمنع إيران من تهريب السلاح له بكل السبل)، وتلك حقائق نراها على الأرض، فحتى الأمين العام الجديد للمليشيات نعيم قاسم، تم جلبه لطهران، كي يكون بأمان بعيداً عن القصف الإسرائيلي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة