إيران وجماعات التطرف.. وجوه متعددة وإرهاب واحد
التقارب بين الحركات الإرهابية وطهران لم يكن عفويا، وإنما مثل امتدادا لحالة جمعت أيدولوجيات متطرفة في سلة واحدة
تشابه يصل إلى حد التطابق في الأهداف والرؤى والملامح بين نظام ولاية الفقيه في إيران والجماعات المتطرفة التي تتخذ من الدين ستاراً لها خاصة العابرة للحدود، مثل جماعة الإخوان الإرهابية وداعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات المتطرفة.
تجمع هذه الكيانات الإرهابية وطهران هدف ثابت، وهو نشر الفوضى بهدف التمدد في المنطقة، كما أنها جميعاً توظف الدين لمصلحتها الخاصة، فتقتل باسمه وتنتهك الأعراض باسمه وتهدد استقرار الدول الآمنة باسمه.
التشابه بين ولاية الفقيه وجماعات العنف والتطرف والتمرد والإرهاب يصل إلى أن كل منهما يرتكز في عمله على مفهوم الطائفية المذهبية، مثل باقي جماعات العنف والتطرف والإرهاب التي خرجت من رحم تنظيم الإخوان الإرهابي مثل "داعش" و"القاعدة"، وجميعها لم تختلف كثيراً عن إيران في طائفيتها.
تقارب طائفي بين جماعات التطرف وطهران
يظهر التلاسن الذي حدث بين أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، وأبومحمد العدناني، المتحدث باسم "داعش"، والذي قُتل قبل سنوات في غارة أمريكية على العراق، الصورة جلية عندما اتهم الأخير "القاعدة" بأنها صنيعة إيران، وكشف في تسجيل صوتي وقتها عن طلب رفعته قيادة "القاعدة" في أفغانستان لمقاتليها في العراق بعدم تنفيذ عمليات مسلحة ضد الشيعة في طهران.
لم يكن التلاسن بين "الظواهري" و"أبومحمد العدناني" في عام 2014 إلا ليكشف جزءاً من الحقيقة التي يدركها المختصون بشأن الحركات المتطرفة، الذين رصدوا تقارباً بين قيام ما يُسمى بالجمهورية الإسلامية في إيران وتنظيم داعش في الرقة والموصل.
ورغم قيام القاعدة في عام 1979 وداعش في عام 2014، فقد صدقت نبوءة سقوط الثانية سريعاً بينما ما زال مصير الأولى معلقاً بالسقوط بقدر تعرية نظام ولاية الفقيه الحاكم في طهران دولياً وإقليمياً وداخلياً حتى ينتفض العالم ضد إيران الإرهاب والتطرف، كما انتفض الإيرانيون في الداخل ضد نظام الإيراني الحاكم، حتى يأتي وقت الحسم والتغير.
استضاف النظام الإيراني وما زال حتى كتابة هذه السطور قيادات التنظيمات المتطرفة على أراضيه، من قبل استضاف قيادات ومقاتلي الجماعة المسلحة في مصر عندما خاضت صراعاً مسلحاً ضد الدولة، والمجتمع وفر عدداً كبيراً منهم إلى إيران، وقد صدرت أحكاماً قضائية ضدهم بالإعدام بعد ارتكابهم جرائم قتل وإرهاب.
العجيب أن إيران سمحت لقيادات الجماعات المسلحة وأسرهم من النساء والأطفال بدخول البلاد ووفرت لهم حماية لا تقل عن الرجال المقاتلين.
لم يقتصر التعاون والاحتضان على التنظيم المتطرف في مصر فقط، وإنما قامت باستضافة قيادات تنظيم القاعدة على أراضيها لسنوات طويلة، وما زالت تفعل ذلك أثناء الحرب الأمريكية على أفغانستان.
وهنا وفرت طهران مأوى للإرهاب العالمي، والذي تشكل فيما بعد، وخرج داعش ليهدد أمن العالم من جديد في عام 2014، ويهدد أمن العالم باستثناء طهران التي احتضنت قياداتهم على أراضيها.
دور إيران في تزكية الإرهاب العالمي
لعبت إيران دوراً خبيثاً في تزكية الإرهاب الدولي ليس هذا فقط، وإنما قامت بتوظيف هذه التنظيمات المتطرفة لمساعدتها بمهمتها التي حددتها في زعزعة استقرار المنطقة العربية وتهديد أمنها وسلمها مع الترويج لقراءة التنظيمات المتطرفة الخاطئة للدين، فحددت هدفها في تشويه الإسلام "السني" وبعدها تتجه للتبشير بمذهبها ومنه تنتقل من التشيع الديني إلى التشيع السياسي.
تتطابق رؤى جماعة الإخوان الإرهابية مع إيران الوليدة منذ قيام ثورتها في عام 1979، فكان تنظيم الإخوان الإرهابي الأسبق لتأييد نظام ولاية الفقيه وجمهوريته، وقال في ذلك يوسف ندا، مفوض العلاقات الخارجية في التنظيم الدولي للإخوان: "طائرة الإخوان كانت ثالث طائرة تهبط على طهران بعد الثورة".
ظل التأيد متبادلاً بين الجانبين، وظهر بشكل أوضح عندما تسللت جماعة الإخوان للسلطة في مصر من عام 2012، واستقبل الرئيس المعزول محمد مرسي الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وسمح له بالوقوف في صحن الجامع الأزهر، كما سمح مرسي بدخول الإيرانيين للبلاد وعودة الخطوط الجوية بين القاهرة وطهران بما يهدد الأمن القومي للبلاد، في المقابل باركت إيران وصول الإخوان للسلطة، معتبرة ذلك خطوة في تمددها خاصة مع تطابق الرؤى والأهداف التي تحدثنا عنها.
موقف تنظيم الإخوان الإرهابي كان واضحاً منذ وقت طويل، عندما أعلن مرشدهم السابق محمد مهدي عاكف في عام 2006 تأييدهم لحزب الله ووقتها هتفت جماعة الإخوان في الشوارع "كل مصر حزب الله"، وصرح "عاكف" لوسائل الإعلام المرئية أنه يستعد لإرسال عشرة آلاف "مجاهد" للقتال في لبنان بجوار حزب الله.
تقارب جماعة الإخوان الإرهابية مع إيران وصل إلى حد التطابق التام، وهنا لا نتحدث على المستوى السياسي وإنما شمله المستوى الديني، فقد تشيع الآلاف من "الإخوان"، معتبرين أن انضمامهم للإخوان بداية الطريق بينما تشيعه التتمة التي لا بد أن يكونوا عليها.
والتزمت عناصر وجماعة الإخوان الصمت أمام هذا "التشيع"، معتبرة أن أعضاءها لم يخرجوا عليها بتشيعهم، فرغم الهوى الإيراني إلا أنهم يظلون على تأييد مشروع تنظيم الإخوان، وهذا ما نعنيه بالتقارب الذي يصل إلى حد التطابق.
من الأمثلة التي يمكن أن نذكرها في هذا الشأن وهي كثيرة، الدمرداش العقالي، أحد أقطاب الإخوان في مصر، وكان صديقاً معاصراً لمؤسسة جماعة الإخوان الإرهابية حسن البنا، تشيع في عام 1967 أي قبل قيام ثورة "الخميني" ومن قبلها كان عضواً في تنظيم الإخوان الإرهابي خمسة عشر عاماً حتى أصبح أحد أقطاب التشيع في مصر.
لم تكن حالة الدمرداش الوحيدة، فقد سبقه أحمد راسم النفيس، وقد كان عضواً في تنظيم الإخوان الإرهابي بين عامي 1976 و1985، ويُعد أحد مراجع الشيعة في مصر، ونجح في إقناع تشيع المئات سنوياً من "الإخوان"، وكأن "الجماعة" أصبحت جسراً يعبر منه بعض المصريين للتشيع الديني والسياسي من بعد في أغلب المحافظات المصرية، بعدها انتقلت هوجة التشيع لباقي الجماعات والتنظيمات الدينية المتطرفة ولكن بدايتها كانت مع جماعة الإخوان الإرهابية.
علاقة المؤسس الأول لجماعة الإخوان الإرهابية حسن البنا بالمذهب الشيعي والمراجع في إيران بمثابة العلاقة المفصلية التي دفعت الآلاف من أعضاء "الجماعة" للتشيع، وتعود هذه العلاقة لعام 1938 عندما زار الإمام الخميني القاهرة وقابل "البنا"، وهو ما ترجمه الأخير في تشكيل هذه العلاقة عندما أنشأ في عام 1947 داراً للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وما هي إلا دار للاختراق الديني والسياسي.
نجحت حركة الإخوان الإرهابية في التبشير بحركة تمدد شيعي في المنطقة، فكانت ساعدها الأيمن في مهمة نشر هذه الأذرع المسلحة وعلى مستوى عددها الذي قدر بالمئات، ولعل علاقة "الإخوان" بحرك الحوثي الانقلابية في اليمن تؤكد هذا التشابك المصلحي وتوافق مشروع كل منهما، ولعل المصير المتحول لليمن "السعيد" سببه الحوثي والإخوان معاً.
فيلق القدس من أخطر الأذرع العسكرية لإيران في المنطقة والتابع للحرس الثوري الإيراني، وهو المسؤول عن العمليات الإرهابية خارجياً والمسؤول عن المليشيات الإيرانية المسلحة التي دشنتها طهران في عدة عواصم عربية وأوروبية وآسيوية، فكانوا جميعاً بمثابة اليد الطولى لإيران خارجياً.
حزب الله اللبناني أحد أهم هذه الأذرع خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وقد عبر أمينه العام الإرهابي حسن نصر الله بقوله قبل عشرين عاماً: "إننا نسعى لأن يكون لبنان جزءاً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية" فعبثت إيران من خلال مقاتلي حزب الله بأمن المنطقة بأكملها، فضلاً عن العبث في السياسة الداخلية للبنان، وكما نجحت إيران في إنشاء حزب الله في لبنان، نجحت في إنشاء عدة أحزاب أخرى في عدة دول منها العراق والبحرين.
كذلك لعبت إيران دوراً تخريبياً في سوريا من خلال حزب الله اللبناني ووجود قواته بهدف إجهاض أي تحرك سلمي للتغيير السياسي داخل سوريا، فضلاً عن نفس الدور في اليمن بجوار مليشيا الحوثي.
الحشد الشعبي من إحدى مليشيات إيران في المنطقة تم تأسيسها في عام 2014، وقد تشكلت من عدة مليشيات إيرانية مسلحة مثل حزب الله العراقي وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر وقوات ما يُسمى بالشهيد الصدر ومتطوعين من الشيعة في العراق، نجح في دخول معترك السياسة وتم فرض أجندة إيران على السياسة الداخلية في العراق.
نجحت طهران في تشكيل ودعم أكثر من 50 مليشيا مسلحة في سوريا، أبرزها كتائب سيد الشهداء وكتائب الإمام علي وكتائب لواء أبوالفضل وكتائب حزب الله النجباء.
وصل ذراع إيران إلى أفغانستان عندما أنشئت ذراعاً عسكرية مسلحة باسم "الفاطميين" وذراعاً أخرى أطلقت عليه "الزينبيين" في باكستان، وكل هذه المليشيات تقوم بأدوار مساعدة للأذرع العسكرية في مناطق أخرى مثل جماعة الحوثي التي تأسست في عام 1992 وبدأت نشاطها العسكري في عام 2004 من خلال الدخول في 6 حروب ضد الجيش اليمني، ثم الانقلاب على شرعية الدولة ومحاولة الصعود للحكم بالقوة كما هو حادث الآن.
لا يوجد فرق جوهري بين جماعات العنف والتطرف والتمرد والإرهاب ممثلة في حركة الإخوان الإرهابية أو حتى "داعش" أو "القاعدة"، بل يوجد اتفاق في الملامح بين الحركات المتطرفة وبين الأذرع العسكرية المسلحة التابعة لإيران، وهذا التشابه ليس بين الأذرع العسكرية لإيران وحركات التطرف والتمرد والإرهاب، ولكن بينها وبين إيران مباشرة.
وهنا كان تنظيم الإخوان كمثال جسراً للتشيع في مصر، كما كانت "القاعدة" و"داعش" جسراً لتأييد المشروع السياسي والديني لإيران، فرفضت هذه التنظيمات تنفيذ عمليات مسلحة في إيران التي قامت بتقديم الدعم المالي والسياسي والإعلامي واحتضان قياداتهم واستضافتهم على أراضيها.