لم يستمع النظام الإيراني يوما ما إلى صوت الشعب، ولم يفطن إلى أن ملايين الإيرانيين كارهون لحالة العزلة التي تسببت فيها سياساته
تواصلت مظاهرات إيران في مختلف مدنها وشوارعها على مدى نحو أسبوعين، ولم تصل الرسائل إلى نظام الملالي الحديدي بعد، فهو يعيش حالة إنكار غريبة لما يحدث من حوله ويزلزل الأرض من تحت أقدامه، على الرغم من أن أصوات المتظاهرين تخترق حواجز الرقابة التي يفرضها النظام على كل وسائل الإعلام!
الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن الإيرانية لم تتوقف، وأعداد الضحايا والقتلى جراء عنف الأمن تتزايد يومياً، ولم يعترف الملالي بالأسباب الحقيقية للغضب وحالة الغليان في الشارع الإيراني، ويصرون على أنه من صنع "عملاء" للخارج.
تحدث النظام الإيراني الأسبوع الماضي عما وصفه بعودة الهدوء إلى المدن الإيرانية، وحاول تصدير تقارير إعلامية مزيفة للعالم الخارجي عن مظاهرات تأييد تجوب المدن الإيرانية، ولكن هذه الحالة لم تستغرق ساعات عادت بعدها وسائل التواصل الاجتماعي المسربة من داخل إيران تنسف الرواية الرسمية وتفضح زيفها وكذبها.
المسيرات المؤيدة للنظام تشارك فيها عناصر مليشيات "الباسيج" و"الحرس الثوري" وطلبة الحوزات الدينية، وأعدادهم بمئات الآلاف ومن المدافعين الشرسين عن النظام، وهذه مسألة معروفة لكل مراقبي الشأن الإيراني، في حين أن التظاهرات العارمة شديدة الغضب تخرج في مدن ومحافظات إيرانية عدة، وترفع شعارات كان يجب على النظام الانتباه إليها جيداً، فالمتظاهرون يطالبون المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بمغادرة الحكم، ومن ثم فالقول بأن الغضب محصور في سياسات حكومة الرئيس حس روحاني ليس دقيقاً، ويستهدف توجيه شحنات الغضب ضد الرئيس لا ضد النظام نفسه!
فهناك ملايين من الشباب الإيراني الذي يتوق للحريات والتعبير عن الذات، في حين يمضي الملالي في إنفاق ثروات الشعب وملياراته على مخططاتهم التوسعية الاستعمارية
من يعرف الوضع في إيران جيداً ويدرك آليات القبضة الحديدية التي ينتهجها النظام ضد الشعب الإيراني، يعرف جيداً أيضاً أن الغضب العارم الذي يجتاح شوارع إيران لن يمر بسلام على النظام، ومن ثم إن لم يسقط اليوم فغداً، من الوارد أن تنجح القبضة الحديدية والعنف في إسكات المتظاهرين بالقتل والاعتقال لفترة وجيزة، ولكن شحنات الغضب لن تهدأ بعد كسر حاجز الخوف في ظل ضغوط الفقر والبطالة والفساد.
ظل حاجز الخوف من بطش "الباسيج" يحول دون التعبير عن الغضب في الشارع الإيراني لسنوات، وانكسار هذا الحاجز في الأيام الماضية يعني بالتبعية أن النظام بات على شفا نهايته، وأن محاولات افتعال الأزمات وتصدير الغضب إلى الخارج لن تفلح بعد الآن، ولن تجدي خطط ملاحقة المتظاهرين عبر تتبع "فيديوهات" وسائل التواصل الاجتماعي!
هناك أسباب عدة للتظاهرات والغضب الإيراني، ولكن النظام لا يعترف بأي منها، ولم يعترف بأن ما يواجهه هو موجة غضب حقيقية، لأننا بصدد نظام يعيش خارج التاريخ ولا يدرك ما يدور من حوله من تطورات أنتجت عالماً مختلفاً تماماً عن عالم الملالي الطائفي المؤدلج، فهناك ملايين من الشباب الإيراني الذي يتوق للحريات والتعبير عن الذات، في حين يمضي الملالي في إنفاق ثروات الشعب وملياراته على مخططاتهم التوسعية الاستعمارية التي لا ناقة للشعب الإيراني فيها ولا جمل!
لم يستمع النظام الإيراني يوما ما إلى صوت الشعب، ولم يفطن إلى أن ملايين الإيرانيين كارهون لحالة العداء والعزلة الإقليمية والدولية التي تسببت فيها سياسات النظام.
لست من مؤيدي التحليل القائل بأن هذه المظاهرات ستلقى نفس مصير مظاهرات عام 2009، لأن الغضب هذه المرة صادر عن الشعب وعن معاناة معيشية وليس من صراع سياسي بين أجنحة النظام، وعلى الرغم من أن مسألة عدم وجود قيادات للتظاهرات الحالية تشكك المراقبين في فاعليتها، فإنني أرى أن هذا لا يعني أنها موجة عابرة وستمر مرور الكرام على النظام، فأسباب الغضب قائمة وتتفاقم والفساد يتعمق، والفقر ينتشر، والبطالة تتمدد، ومن ثم لا مجال للقول بأننا أمام حالة عابرة.
قد تهدأ موجة الغضب قليلاً ولكن الغاضبين عرفوا طريقهم نحو التعبير عن هذا الغضب، ولن يوقفهم عنف النظام، الذي تعامل بغباء شديد مع هذه الحالة، واستمرأ فكرة إسناد الغضب إلى تدخلات خارجية!
لم يفكر قادة النظام الإيراني ولو للحظة في أن الأجيال الجديدة من الشباب الإيراني تختلف عن الأجيال السابقة، وأن دولة الاستبداد والأسيجة الحديدية التي أقاموها منذ عام 1979 لم تعد قادرة على التعبير عن أحلام الإيرانيين وطموحاتهم ورؤيتهم للعالم من حولهم.
هناك اختلاف في نمط التفكير والرؤى والتصورات، وحالة عزلة وشقاق كبير بين تفكير القيادة والشعب الإيراني، وهذه حالة مستعصية يصعب علاجها، لا سيما في ظل سيطرة "مافيا" الحرس الثوري على المقدرات الاقتصادية وثروات الشعب الإيراني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة