إن ارتباط القائد بشعبه، يجني من خلاله ارتباط الشعب به؛ فلن يرتبط شعبٌ بقائدٍ، إلا إذا احترم ذلك القائد شعبه بسياساته، وساهم في رفعته، وازدهاره.
إن النظر في تجارب بعض القادة، يحتم علينا أن نستفيد منها، فمنهم من لم يذكره أحد، ومنهم من خلّده شعبه والتاريخ، وإلى ذلك، يقول الأديب غازي القصيبي -رحمه الله- في كتابه «التنمية.. الأسئلة الكبرى»: إن القادة الحقيقيين، المرتبطين بروح الشعب ومشاعره، يدركون إدراكًا غريزيًا أن التنمية لا يمكن أن تتم بقرارٍ فوقي يُفرض على الجماهير من أعلى ويتجاهل احتياجاتها وعاداتها وتقاليدها».
فرضا خان، شاه إيران.. كان ينظر إلى مصطفى كمال أتاتورك نظرة التلميذ لعرّابه. وفي الوقت الذي غيّر أتاتورك هوية تركيا بالكامل، وشنّ حربًا على عادات وتقاليد تأصلت في المجتمع على أنقاض الدولة العثمانية، سعى الشاه إلى استنساخ ذات التجربة، فمنع ارتداء الملابس الإيرانية التقليدية، وحارب الطبقة الدينية، وسعى إلى «تغريب» البلد.
جميعُ هذه الممارسات، تدفع إلى إعادة النظر بالربط بين التنمية والتغيير، وما إذا كانت محاولات استنساخ تجارب الدول، قادرة على تنمية المجتمعات أم لا؟
يقول مونتيس كيو صاحب كتاب «روح القوانين»: «ليس من العدل نقل المفهوم السياسي من منطقة، وتطبيقه في أخرى. المفاهيم السياسية، لا تنقل.. يجب أن تنشأ نشأة طبيعية».
وبالمختصر، فإن طبيعة القوانين يحددها مناخ البلد، طبيعة الشعب، الدين، الاقتصاد، عاداته وتقاليده.. لأن هذه العوامل لها أثر كبير على الإنسان. وليس من السهل، بل يبدو من المستحيل، فرض سياسات، أو ممارسات جديدة عليه، ومغايره لمعتقداته وأفكاره.
وفي ظل الحديث عن تحديد طبيعة الشعب للقوانين، يذكر القصيبي أيضًا، أنه سمع من زعيمة الهند الراحلة أنديرا غاندي ما يلي خلال زيارتها إلى المملكة العربية السعودية في 1982: «إن الناس أنفسهم هم الذين يجب أن يقرروا سرعة التغيير الذي يريدونه، ولا يمكن أن تتحدد السرعة بأمرٍ من الحكومة. حتى عندما يكون الوعي عند الجماهير منخفضًا، فليس هناك من وسيلة سوى الصبر والإقناع. حدث في الهند عندما بنت الحكومة سدًّا كبيرًا للتحكم في الفيضانات وتوليد الكهرباء، وقد ذهب بعض أفراد من المعارضة وأقنعوا أهل القرى المجاورة أن السد سلب المياه روحها، فغدت عديمة البركة لا تصلح للزراعة. لم أصدّق أن أحدًا يمكن ان يصدّق خرافة كهذه. إلا أنني فوجئت خلال جولاتي في المنطقة بعددٍ كبيرٍ من المواطنين يسألونني «لماذا سلبتم المياه روحها؟» و «لماذا تركتم المياه بلا بَرَكة؟» ماذا بوسع المرء أن يعمل؟ لا وسيلة سوى الصبر والإقناع.
إن التنمية مرتبطة بالإنسان، لأنه هو أساسها.. ودون البناء على هذا المواطن، والنظر في شخصيته، ومعتقداته، وأفكاره، وفي حال عدم أخذ ذلك في الحسبان.. ومحاولة فرض تجارب الآخرين عليه، لن يصنع ذلك إلا تنمية هشّة، غير قادرة على صناعة مجتمع متماسك اقتصاديًا، واجتماعيًا، مصيرهُ التخبط.. أو نقطة الصفر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة