حزب الله وفنزويلا.. تحالف الذهب والمخدرات والعملات المشفرة

في عمق أمريكا اللاتينية، وتحديدًا في فنزويلا، نسج حزب الله خيوط نفوذه داخل شبكة معقدة تجمع بين الذهب والمخدرات والعملات المشفرة، لتشكل أحد أكثر التحالفات المالية والأمنية غموضًا في القارة.
هذه الشبكة، كما تصفها تقارير غربية وأمريكية، تمتد من ضواحي كاراكاس إلى مثلث الحدود بين البرازيل والأرجنتين وباراغواي، وتشمل أنشطة تتراوح بين تهريب الذهب وغسيل الأموال وتجارة المخدرات.
لكن رغم كثرة المعلومات والتسريبات، لا يزال الغموض يلفّ حقيقة ما إذا كنا أمام خلايا متناثرة تعمل لحساب مصالح متعددة، أم أمام "إمبراطورية ظل" مترابطة تقف خلفها قيادة مركزية تابعة للحزب.
جذور العلاقة
تشير تقارير اقتصادية وأمنية إلى أن جذور هذه العلاقة تعود إلى عهد الرئيس الراحل هوغو شافيز، حين توطدت الروابط بين فنزويلا وإيران، وجرى فتح قنوات سياسية واقتصادية سمحت بدخول أطراف لبنانية وإيرانية إلى المنظومة المالية للدولة.
ومع تدهور الاقتصاد الفنزويلي وتفشي الفساد، وجدت هذه الشبكات بيئة خصبة لتوسيع أنشطتها. وبحسب محللين، فإن مناطق الحدود الثلاثية في القارة تحولت إلى محور رئيسي لبناء اقتصادٍ مواز، يعتمد على تهريب الذهب والمخدرات وتبييض الأموال، وتداخلت فيه مصالح تجار وساسة ومؤسسات أمنية تعمل خارج سلطة القانون.
تتحدث تقارير استخباراتية عن دعم فني ولوجستي من إيران لفنزويلا، عبر إرسال خبراء وتقنيين ساهموا في تطوير بعض المنشآت والمعدات العسكرية. غير أن الحكومة الفنزويلية تنفي ذلك تمامًا، وتعتبره جزءًا من حملة سياسية غربية تهدف إلى تشويه صورتها وتبرير العقوبات المتزايدة عليها.
ويؤكد مسؤولون في كاراكاس أن بلادهم لا تستضيف أي خلايا تابعة لحزب الله، فيما تكرر الجماعة اللبنانية بدورها نفي أي نشاط لها في أمريكا اللاتينية، مشددًا على أن هذه المزاعم "مفبركة لخدمة أهداف سياسية واقتصادية".
أدلة موثقة
ورغم هذه المواقف، تكشف تقارير مالية أمريكية عن وجود تحويلات وشركات مدرجة على لوائح العقوبات بدعوى تعاملها مع أطراف مرتبطة بالحزب. وتظهر وثائق قضائية متفرقة أن بعض هذه الكيانات استخدمت التجارة بالذهب والنفط والماس كغطاء لتمرير أموال عبر تركيا ولبنان. ومع ذلك، تبقى هذه الأدلة، رغم أهميتها، دون مستوى الإثبات القاطع الذي يربط حزب الله مباشرة بتلك العمليات.
تتصاعد أيضًا الاتهامات بشأن تورط الحزب في شبكات تهريب المخدرات بالتعاون مع كارتيلات لاتينية شهيرة، أبرزها تلك العاملة في المكسيك وكولومبيا.
وتفيد تقارير استقصائية بأن بعض هذه المجموعات وفّرت ممرات لوجستية لشحنات الكوكايين المتجهة إلى أوروبا وأفريقيا، مقابل حصولها على دعم تقني أو مالي من شركاء لبنانيين يشتبه في انتمائهم إلى الحزب.
وخلال السنوات الأخيرة، تصاعدت العقوبات الأمريكية ضد مسؤولين وشركات في فنزويلا، بدعوى تمويل حزب الله أو تسهيل عملياته المالية. وتشمل هذه العقوبات وزراء سابقين ورجال أعمال وشبكات شحن وسياحة اتُهمت بتمرير عشرات الملايين من الدولارات عبر صفقات ذهب مزيفة.
وتشير تقارير رسمية إلى أن بعض هذه الشبكات استخدمت شركات في بنما وتركيا لتغطية أنشطتها وتحويل الأموال إلى حسابات مصرفية في لبنان.
وفي الوقت ذاته، حذر مركز أوروبي مختص بالأمن والاستخبارات من توسّع الأنشطة الاقتصادية غير القانونية للحزب في القارة، خاصة في مناطق التعدين النائية. فبدلًا من الاعتماد على الذهب وحده، اتجهت بعض الشركات الوهمية إلى استغلال مناجم "الكوبالت" النادرة في الأمازون، في خطوة تهدف إلى تمويل عمليات أكثر سرية وتجنيد عناصر جديدة من الجاليات اللبنانية المنتشرة في المنطقة.
داخليًا، أثارت تقارير برلمانية فنزويلية الشبهات حول اختفاء مبالغ ضخمة من أموال مؤسسات التعدين الحكومية، وبيع كميات من الذهب لشركات غامضة في إسطنبول ودمشق. ورغم أن التقارير لم تذكر حزب الله صراحة، فإنها أشارت إلى جهات أجنبية "مشبوهة" يُعتقد أنها المستفيد النهائي من تلك العمليات، ما فتح الباب أمام مزيد من التكهنات حول وجود شبكة دولية تتقاطع مصالحها مع النظام الفنزويلي.
وفي مواجهة الضغوط الدولية، لجأت بعض هذه الشبكات إلى التكيف مع البيئة الرقمية الحديثة، معتمدةً على أدوات مالية يصعب تعقبها. فقد كشفت تحقيقات استقصائية أن أنظمة الدفع المشفرة والعملات الرقمية أصبحت وسيلة أساسية لتحويل الأموال بعيدًا عن الأنظمة المصرفية التقليدية.
تمويل غير شرعي
وتشير تقديرات إلى أن حجم التحويلات الرقمية المرتبطة بهذه الأنشطة قد تجاوز مئتي مليون دولار خلال عام واحد، ما يعكس درجة التطور التقني الذي وصلت إليه شبكات التمويل غير الشرعي.
لكن الخطر الأكبر، كما يحذر محللون استراتيجيون، لا يكمن فقط في الجانب المالي أو الاقتصادي، بل في التحول التدريجي لهذا التحالف إلى أداة جيوسياسية. فالعلاقة بين طهران وكاراكاس وحزب الله لم تعد مجرد تعاون مالي، بل باتت تُستخدم كورقة ضغط إقليمية لزعزعة استقرار دول مجاورة مثل كولومبيا وغيانا، من خلال التهريب والتأثير السياسي والدعاية الإعلامية.
ومع دخول عام 2025، باتت إمبراطورية الظل المزعومة أكثر تشعبًا من أي وقت مضى، تمتد جذورها بين الاقتصاد الرسمي والرقمي، وتتحرك ضمن مناطق رمادية يصعب على القوانين الدولية ضبطها.
والتحدي أمام المجتمع الدولي لم يعد يقتصر على إثبات وجود هذه الشبكات، بل على إيجاد آليات قادرة على مواكبة تطورها السريع وقطع خطوط تمويلها المتغيرة.
وحتى يتحقق ذلك، ستظل فنزويلا — في أعين الغرب — ساحة مفتوحة لصراع خفي بين المال والسياسة، تتقاطع فيه الاتهامات والحقائق عند نقطة واحدة: حيث تتوارى الحقيقة خلف ستار من الذهب والظل.