السينما الإيرانية ضد النظام.. اعتقالات ومقاومة
أفلام عدة حاربت العنصرية والقمع والممارسات التي يمارسها النظام الإيراني تجاه شعبه.. تعرف على أبرز الأفلام التي فضحته في المحافل الدولية
تلاميذ صغار يقفون في الصف.. المعلم يستمع مع طلابه إلى تعليمات المدير الصارمة التي يلقيها بالفارسية.. يكتب معادلة على السبورة (2 + 2 = 5) ويطلب من التلاميذ أن يكرروا معه النتيجة بصوت عالٍ.. ينهض تلميذ متوجّس وبصوت مرتبك يقول: إن النتيجة 4.. يستدعي المعلم لجنة الانضباط من تلاميذ المدرسة الأكبر سنا، يؤلبهم على التلميذ المعارض المتشبّث برأيه، لكن التلميذ يكتب ما يؤمن به، يكتب العدد 4، وبحركة إيمائيّة يقوم أعضاء لجنة الانضباط برميه بالرصاص.
ذلك المشهد الصغير من الفيلم الإيراني القصير "اثنان واثنان" الذي أخرجه باباك أنفاري (2011) كان واحدا من عدة أفلام انتقدت النظام الإيراني من الداخل، وفضحت الممارسات القمعية لتنشئة أجيال تحرص على تقديس النظام وتأييده، ويستعين بالخبراء في هذا السياق ليحكم سيطرته على التفكير ويكبّل أيّ اجتهاد ويلغيه.
وخلال التقرير التالي نستعرض أبرز الأفلام والمخرجين الذين ناهضوا العنصرية والتمييز والعداء التي أولاها النظام الإيراني لشعبه ومنتقديه..
تنوعت التجارب الإيرانية التي انتقدت النظام على مر عصور، وشهدت طهران اعتقالات وسجنا لرموز السينما الإيرانية على مر السنين، أشهرهم المخرج «أصغر فرهادي» الذي فاز فيلمه "انفصال" بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في 2012، على الرغم من كونه ممنوعا من التصوير في بلاده.
وفي حفل أوسكار الماضي، فاز فرهادي مرة أخرى بفيلمه "البائع" لكنه لم يستطِع الحضور احتجاجا على قرار حظر السفر الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
هناك أيضا، المخرج والمؤلف الإيراني المعارض محمد روسولف، وهو واحد من المخرجين الإيرانيين الذين تعرضت أعمالهم الفنية للمنع من العرض داخل إيران، وذلك بسبب انتقادها للحياة القمعية في بلاده، ومن هذه الأفلام "الجزيرة الحديدية" و"الشفق" و"المخطوطات التي لا تحرق".
كما لاقى فيلمه "مان أوف أنتيجريتي" أو (رجل النزاهة) ترحيبا كبيرا في الدورة الماضية من مهرجان كان السينمائي الدولي، خصوصا أن روسولف عاد به إلى السينما مجددا بعد أن أفرج عنه من المعتقل، ويتحدث فيه عن ظواهر الفساد المنتشرة في بلاده في انتقاد واضح وصريح للمجتمع الإيراني، وبشكل عام ومثل كل أفلام روسولف؛ فإن الفيلم يعرض الطرق التي يحاول بها النظام الإيراني المستبد أن يسيطر على المجتمع ويحجب كل الأصوات المستقلة المعارضة.
وسبق أن تعرض رسولوف لقضية التعذيب في فيلمه "القنديل الأزرق"، الذي يتعرض فيه رجل للتعذيب لأنه يرفض أن يقر بأن البحر أزرق. وكان رسولوف قد صوّر في فيلم "وداعا" (2011) امرأة محامية زوجها ناشط سياسي مطارد تحاول الهجرة من إيران لكنها لا تتمكن وتفقد عملها.
أما المخرج جعفر بناهي فهو يُعَد واحدا من أبرز المخرجين الإيرانيين الذين يعانون دائما من محاولة السلطات الإيرانية قمعه بشتى الطرق، حتى إنها منعته من مزاولة مهنته وتصوير أي أفلام سينمائية، لكنه تمرد على ذلك الوضع وتحدى القيود التي وضعتها حكومة بلاده التي منعته من السفر أيضا لأي دولة أخرى، في خوف منها من تصوير أفلامه بالخارج.
وعلى الرغم من كل المعوقات والمحاذير؛ فإن بناهي استطاع المنافسة على جائزة الدب الذهبي بمهرجان برلين السينمائي بدورته الـ65 بفيلمه TAXI الذي صوره في "تاكسي" بعيدا عن أنظار الحكومة، ويجسد به دور سائق "تاكسي" يركب معه العديد من الغرباء وكل منهم يعبر عن رأيه في الأوضاع السياسية والاجتماعية في طهران ليكشف عن الكثير من تردي أوضاع الحريات في إيران.
وتعتبر الحكومة الإيرانية بناهي دائما شخصا مخرّبا وتروج إلى أنه يسعى لإثارة البلبلة في بلاده؛ فأفلامه تتضمن دائما سخرية اجتماعية لاذعة، وهو ما لا يعجب السلطات الإيرانية، وتم منعه من التصوير بعدما حاول بالكاميرا توثيق المظاهرات التي اندلعت في إيران اعتراضا على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجادي 2009، وفي 2011 صدر ضده حكم بالسجن لمدة 20 سنة، ومنعه من التصوير أو كتابة الأفلام أو السفر، ثم تم إخلاء سبيله بكفالة على أن يحق للسلطات اعتقاله متى شاءت.
ويُعَد بناهي أحد رواد "الموجة الجديدة" في السينما الإيرانية، إلى جانب عباس كياروستامي. وفاز فيلمه الطويل الأول "الكرة البيضاء" بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان عام 1995، وفاز أيضا بجائزة لجنة التحكيم في فئة "نظرة ما" عن فيلمه "دم وذهب" في عام 2003. وحاز جائزة الفهد الذهبي في عام 1997 عن فيلم "المرآة" وجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية عام 2000 عن فيلم "الدائرة"، والدب الفضي في مهرجان برلين عام 2006 عن فيلم "تسلل".