قبل نحو أسبوع نجحت الدفاعات الجوية السعودية مجددا -وبفضل الله- في إسقاط صاروخ باليستي ثان، وأكدت الجهات ذات العلاقة أن الصاروخ كان يستهدف مكة المكرمة، وأنه تصنيع إيراني.
قبل أسابيع نجحت الدفاعات الجوية السعودية في إسقاط صاروخ باليستي شمال غرب الطائف تقريبا، وعلى مقربة من منطقة السيل الصغير حيث الطريق المؤدي إلى ميقات "قرن المنازل". حينها غردت عبر حساب "شؤون إيرانية" على موقع التدوين القصير "تويتر" بعدة تغريدات تحدثت فيها عن موقع سقوط الصاروخ وذكرت أن الصاروخ كان يستهدف مكة المكرمة وليس القاعدة العسكرية في الطائف كما زعم الانقلابيون في اليمن، كما أن هذا الأمر يعد تطورا خطيرا في تحديد تلك الميليشيات الإرهابية للأهداف في العمق السعودي. كثيرون عارضوا تحليلي للحدث (بعضهم بعنف وشيء من التوبيخ لشخصي المتواضع، وأسأل الله أن يعفو عني وعنهم)، واعتقدوا أن ذلك فيه الكثير من المبالغة ويقود إلى حالة من الهلع بين الناس.
قبل نحو أسبوع نجحت الدفاعات الجوية السعودية مجددا -وبفضل الله- في إسقاط صاروخ باليستي ثان، وأكدت الجهات ذات العلاقة أن الصاروخ كان يستهدف مكة المكرمة، وأنه تصنيع إيراني. ولقد شاهدنا ردة الفعل المحلية والعربية والإسلامية الغاضبة تجاه التصرف الأرعن الذي قامت به الميليشيات الانقلابية في اليمن.
سببان رئيسان جعلاني شبه متأكد في المرة الأولى من أن الصاروخ كان يستهدف مكة ولا شيء سواها. السبب الأول "إيديولوجي" يكمن في الاعتقاد لدى بعض المتطرفين الشيعة في إيران بأن ظهور الإمام الغائب لن يتحقق إلا إذا انتشر القتل والدمار في مكة. فعلى سبيل المثال، في دراسة تم نشرها على موقع عقدي إيراني يسمى "آخر الزمان" يكتب الباحث ما ترجمته التالي: (من موجبات ظهور المهدي المنتظر أن تتهيأ الظروف في مكة... ولن يتحقق ظهور المهدي، إلا إذا سيطرت الفوضى على أرض الحجاز، لأن وجود حكومة قوية ومنسجمة معادية للشيعة وللمهدي تعتبر عائقا كبيرا يقف في وجه اجتماع أنصار المهدي. ومن حيث إن الروايات الشريفة تشير إلى وجود أوضاع مضطربة تعم أرض الحجاز في وقت ظهور المهدي، يمكن القول إن هذه الفوضى لن تعم إلا في ظل انعدام وجود حكومة مركزية قوية).
نفهم من هذا الاقتباس نقطتين مهمتين، أولاهما ضرورة أن تتهيأ "الظروف" في مكة، وذلك يعني انعدام الأمن وانتشار الفوضى والقتل في هذه المدينة المقدسة، وثانيهما يستهدف الدولة الحاكمة وإضعافها لكي يجتمع من تطلق عليهم إيران "أنصار المهدي". الأخطر من ذلك ما ورد في الفيلم الذي أطلق عليه مسمى "313" حول علامات المهدي المنتظر، حيث يقول الفيلم إن من إرهاصات الظهور (إراقة الدماء على الكعبة في مكة المكرمة قبيل أن يعرف العالم بوصول المهدي). مثل هذه الجملة لا تحتاج الكثير من الشرح بكل تأكيد، وتتناغم من الفكر الإيديولوجي الإيراني الذي يرتدي اللباس الديني لخدمة أهدافه السياسية.
حتى وإن كان هناك قلة يؤمنون بذلك اعتقادا (أو نأمل على أقل تقدير أنهم بالفعل قلة قليلة) إلا أن طموح الهيمنة المبالغ فيه الذي يسيطر على مخيلة النظام الحاكم في طهران وقيادات التيار المتطرف والحرس الثوري على وجه الخصوص يقودنا إلى أن كل شيء ممكن في ظل مثل هذه العقليات.
السبب الآخر يتمثل في أن وصول الأسلحة الإيرانية إلى ميليشيات أقرب للجنون منها للعقلانية ينذر بكوارث كثيرة تهدد المنطقة بأسرها، فطبيعة مثل هذه الميلشيات والجماعات الإرهابية سواء الحوثية في اليمن أو حزب الله في لبنان أو قوات الحشد الشعبي وملحقاته في العراق والقاعدة وداعش ومن لف لفهم؛ تجعل التكهن بالخطوات التي قد تقدم عليها أمرا مستحيلا. لهذا السبب تحديدا تحدثت سابقا عن خطورة السماح لإيران بتطوير برنامجها النووي وإنتاج الأسلحة النووية لأن مثل هذه الأسلحة قد يتم تسريبها بشكل أو بآخر إلى الميلشيات والجماعات الإرهابية التي لن تتردد في استخدامها عند الشعور بالخطر، ثم يخرج علينا النظام الإيراني بتصريحات تدين وتستنكر ولكن بعد الدمار والخراب الذي ستشهده المنطقة.
إن قيام الميلشيات الانقلابية في اليمن بإطلاق الصاروخ الباليستي الإيراني تجاه قبلة المسلمين يؤكد أن مخاوفنا تلك في محلها، ومن يسعى لاستهداف بيت الله الحرام فلن يتورع عن فعل أي شيء آخر إطلاقا.
لذلك أعتقد أنه من الخطأ إلقاء اللوم على الميلشيات الانقلابية في اليمن وحدها، فهذه الجماعات لا تملك من الأمر شيئا، بل يجب توجيه الاتهام إلى النظام الإيراني والتركيز على حقيقة أن الصواريخ التي تستهدف الأراضي السعودية وباعتراف من الميليشيات والإعلام الإيراني على حد سواء قادمة من إيران، فهي إما زلزال 3، أو بركان1، وعليه فهذه الحقائق الجلية تنسف إنكار النظام الإيراني لاتهامات تهريب الأسلحة إلى الميليشيات في اليمن، والأهم أن تتخذ قوات التحالف العربي خطوات قانونية على المستوى العربي والإسلامي والدولي لتحميل النظام الإيراني دون غيره كافة تبعات أي خطوات جنونية تقوم بها الميلشيات الانقلابية في اليمن ضد المملكة لأنها تتلقى الأوامر من طهران، واعتبار أي صاروخ إيراني يستهدف الداخل السعودي بمثابة إعلان حرب من الجانب الإيراني ضد الوطن.
أما ميدانيا، فينبغي أن يكون الرد العسكري على تهديد الحرمين الشريفين قاسيا ومزلزلا حتى لا تتجرأ مجددا هذه الميليشيات على التفكير في تكرار فعلتها الشنيعة تلك.
*نقلا عن جريدة الوطن السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة