رحلة التيه 40 عاما.. أكراد إيران بالعراق في غياهب النسيان
لا جنسية في العراق، ولا عودة لأراضيهم، رحلة من التيه الطويل يعيشها الآلاف من أكراد إيران، الذين نسيهم الوطن، وأنكرتهم الأوراق الثبوتية.
فمنذ عقود ينتظر أكثر من عشرة آلاف لاجئ من أكراد إيران عالقين في إقليم كردستان العراق، اتخاذ طهران خطوة نحو إعادتهم إلى الديار دون جدوى، حتى تسلل اليأس إلى نفوسهم، وباتوا يسعون إلى الحصول على لجوء خارج الشرق الأوسط.
عودة للواجهة
وأعادت حادثة وفاة اللاجئ الإيراني الكردي بهزاد محمودي الذي أحرق نفسه الشهر الماضي أمام مكتب الأمم المتحدة في أربيل أوضاع هؤلاء إلى الواجهة؛ إذ لا يزال بعضهم عالقاً منذ عشرات السنين في الإقليم من دون أفق للخروج بسبب افتقارهم للأوراق الرسمية.
وترفض بغداد إعطاء الجنسية للأكراد الآتين من إيران، ومنهم من هو في البلاد منذ 40 عاماً، وكان عددهم 16 ألفاً في عهد نظام صدام حسين وحتى العام 2003، وفق الأمم المتحدة، أما اليوم فيفوق عددهم 10700، غالبيتهم في إقليم كردستان.
أوراق لتحرك مقيد
تمنح كردستان العراق أكراد إيران أوراقا للتحرك المحدود، حيث تعطي اللاجئين منهم تصريح إقامة، إذا تمكنوا من إيجاد كفيل محلي، إلا أن هذا التصريح لا يمنحهم الحق في العمل ولا التحرك خارج حدود المحافظات الثلاث لإقليم كردستان، لأن بغداد لا تعترف بهم.
وبسبب كل ذلك، بات اللجوء في بلد ثالث الحل الوحيد؛ بيد أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة لا تقبل إلا عدداً قليلاً من طلبات اللجوء.
يقول اللاجئ أشكان ميراني البالغ من العمر 30 عاماً الذي اضطر قبل فترة قصيرة إلى اتخاذ خيارات صعبة: "لا تريد الأمم المتحدة رؤية مشاكلنا ولا الاستماع إليها".
ركوب الموت
اللاجئ الإيراني ذاته قرر قبل 4 أشهر التوجه نحو أوروبا برفقة زوجته وابنته البالغة أربع سنوات. عبروا بدايةً نحو تركيا ثمّ استقلوا مركباً مع 120 لاجئاً آخر لعبور البحر الأسود.
يروي الرجل لوكالة "فرانس برس" من منزله الصغير في أحد مخيمات اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في أربيل: "خلال ساعة، وقعت عاصفة، واعتقدنا جميعاً أننا سوف نموت. لحسن الحظ، قام أفغان بتنبيه خفر السواحل الأتراك الذين هبوا لإنقاذنا".
انضمّ ميراني قبل عشر سنوات لحزب كردي معارض في إيران بإيمان وأمل كبيرين لما يعنيه ذلك من أجل شعبه. لكنه اليوم يناضل يومياً لتأمين قوت عائلته؛ حيث ازدادت أوضاعه صعوبةً مع تفشي وباء كوفيد-19 الذي أثّر اقتصادياً على اللاجئين ضعفي تأثيره على العراقيين من غير اللاجئين، وفق الأمم المتحدة، وكان أبرز المتأثرين العمال المياومون (باليومية) على غرار ميراني بسبب حظر التجول والإغلاق.
ومع قطعه الأمل في العودة لوطنه يقول ميراني: "في إيران، الحياة صعبة على المستوى الاقتصادي والسياسي سواء. هنا، لا يمكنني أن أعد عائلتي بأن كل شيء سيصبح أفضل مستقبلاً. الحل الوحيد هو محاولة الذهاب إلى أوروبا بشكل سري".
فوز المتشددين ينسف الأمل
قصة ميراني لا تختلف كثيرا عن ساوين غوران التي ولدت في أربيل قبل 29 عاما، والتي لجأ إليها والداها من إيران، وتروي الشابة لوكالة "فرانس برس" أن والدها توفي قبل أن يتمكن من العودة إلى إيران.
وتسترسل قائلة: "أخاف، يوماً ما، أن يروي أولادي قصة مماثلة عني وعن زوجي"، رغم أنها لا تنوي العودة إلى بلدها الأم، ما لم يحصل تغيير في النظام الحاكم؛ إذ لا تؤمن غوران أن خيار التغيير أمر ممكن، لا سيما أن الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تعقد في 18 حزيران/يونيو محافظ متشدد.
ويراقب مصطفى إبراهيم (67 عاماً) هو الآخر وزوجته فاطمة بهروزي (60 عاماً) من جهتهما الانتخابات بدون أي أمل في التغيير، ويقول الرجل اللاجئ سياسياً في العراق منذ 40 عاماً بعدما قاتل في إيران لوكالة "فرانس برس": "ليس لدي أي أمل، لأن كل المرشحين هم أوجه متعددة لعملة واحدة. لا شيء سوف يتغير. في إيران، تزداد الأوضاع سوءاً بعد كل انتخابات".
هذا الرجل مع ذلك عاش لحظة أمل عابرة قبل ثماني سنوات، حينما تعهّد الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني خلال حملته الانتخابية، إدماج الأكراد في النظام التعليمي والعمل على تنمية المناطق الكردية، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل.
غير أن ما يثير قلق زوجة مصطفى إبراهيم ليس الانتخابات الرئاسية الحالية، بل المفاوضات الدائرة حول الملف النووي الإيراني، وتقول فاطمة: "إذا ما رفعت العقوبات، فقمع النظام سوف يتفاقم".
وتضيف فاطمة في وعي واضح بالواقع السياسي في إيران: "المزيد من الموارد المالية للنظام يعني مزيداً من الدعم للمجموعات المسلحة المدعومة من إيران في المنطقة"، والتي يوجد عدد كبير منها في العراق.
aXA6IDMuMTQ3LjYuMTc2IA==
جزيرة ام اند امز