النظام الإيراني يفتقد دعم الحلفاء الذين بدأوا إرسال إشارات تعكس رفض التأييد المطلق لطهران، ومنهم من يتحاشى الصدام مع الولايات المتحدة
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وإيران تعتمد نهج المراهنة على عامل الوقت حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، على أمل خسارة ترامب في الانتخابات ومجيء رئيس جديد ربما لا يختلف عن المحسوب على التيار الديمقراطي باراك أوباما، فيؤدي إلى حلحلة الضغط الذي تعيشه إيران، لكن الخطوتين التي اتخذها الرئيس ترامب، وهي تشديد الضغط الاقتصادي عبر إنهاء الإعفاءات، التي سمح بموجبها لـ8 دول بشراء النفط الإيراني، والتعزيزات العسكرية الأمريكية التي دفعت بها إلى منطقة الشرق الأوسط، وجعلت خيار المراهنة على عامل الوقت لا فائدة منه، ووضعت النظام الإيراني أمام خيارين إما الانتحار أو أن يتجرع كأس السم.
من هنا نجد أن النظام الإيراني رغم خطابات المكابرة الموجهة للاستهلاك الداخلي، إلا أن التاريخ القريب يؤكد أن النظام الإيراني إذا استشعر بقرب النهاية سوف يسارع إلى "تجرع كأس السم"
لقد وضعت العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني -والتي تستهدف ما يقارب الـ85% من دخل إيران- وما تبعها من قرار إنهاء الإعفاءات في مأزق؛ حيث أصبح من الصعب المراهنة على عامل الوقت خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، وهذا ما جعل النظام الإيراني بين الغضب الشعبي الداخلي الذي قد ينفجر في أي لحظة في وجه النظام الإيراني نتيجة تردي الوضع المعيشي، وبين الضغط العسكري الأمريكي، فأي خطوة قد يقدم عليها النظام الإيراني أو عبر وكلائه للتنفيس عن الضغط الذي يعيشه سيكون بمثابة انتحار لنظام الملالي الإيراني، أو ما أطلق عليها الرئيس ترامب "النهاية الرسمية" له.
هناك العديد من الأسباب تجعل أي خطوة تقدم عليها إيران بمثابة "انتحار"، فعلى الصعيد الاقتصادي لا تملك إيران القدرة على الدخول في مواجهة تدرك تماما أنها ستزيد من غرقها، كما حدث إبان الحرب العراقية-الإيرانية، والتي كبدت إيران خسائر اقتصادية بلغت 350 مليار دولار.
كما أنها لا تستطيع التحرك بشكل يزيد من تردي الأوضاع في الداخل، في ظل الاحتجاجات المستمرة والرافضة لسياسات النظام التي تركز على الخارج أكثر من الداخل، وهذا ما يجعل النظام الإيراني يفتقد للالتفاف الشعبي بجانبه، وأما على الصعيد الخارجي فإن أي خطوة لتنفيذ تهديداته بإغلاق مضيق هرمز ستؤدي للانقلاب الموقف الأوروبي ضده، وهو ما يحاول أن يتحاشاه النظام الإيراني، والذي سيوسع من دائرة العقوبات ضد إيران لتصبح عقوبات دولية وليست أمريكية فقط.
أما بالنسبة لتعويل إيران على الحلفاء فنجد أن النظام الإيراني يفتقد دعم الحلفاء الذين بدأوا إرسال إشارات تعكس رفض التأييد المطلق لإيران، ومنهم من يتحاشى الدخول في صدام مع الولايات المتحدة، وقد توضحت الرسالة الروسية لإيران عند زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى موسكو، حيث صرح الروس على اهتمامهم بتطوير وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، والتي تأتي بالتزامن مع التعزيزات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، وهو ما يفهم منه بأن موسكو أرادت التأكيد بأنها لن تلقي بثقلها خلف إيران، ولن تكون إيران عائقا أمام تطوير العلاقات الروسية-الأمريكية. كما أكد الرئيس بوتين رسالة ثانية عندما صرح بأن "روسيا ليست فرقة إطفاء وغير قادرين على إنقاذ الجميع"، وهي رسالة سوف يفهم منها النظام الإيراني بأن الحريق الذي سوف يشعله لن يساعده حلفاؤه على إطفائها.
أما بالنسبة لتركيا فرغم معارضتها العقوبات الأمريكية إلا أنها سعت لإغلاق موانئها أمام النفط الإيراني، وهي خطوة ينظر لها بأن أردوغان الذي يعيش أزمات اقتصادية وسياسية يتحاشى الصدام مع الولايات المتحدة، ويحاول القفز من القارب الإيراني حتى لا يغرق مع الإيرانيين.
لذلك لم يتبقَّ أمام النظام الإيراني سوى (خيار تجرع كأس السم) ويقصد به الذهاب إلى المفاوضات، وهو ما يحاول النظام أن يتحاشاه في ظل الضغط الشعبي الداخلي، وضغط العقوبات الاقتصادية، والضغط العسكري، فهو يدرك تماما أن الجلوس على طاولة المفاوضات هو بمثابة الاستسلام وتقديم الكثير من التنازلات، خاصة أن المفاوضات في الوقت الحالي لن تكون كما كانت إبان عهد باراك أوباما، فهي لن تركز على الملف النووي؛ لأن هدف واشنطن الرئيسي في الملف النووي هو "تغيير السلوك الإيراني"، ولذلك فالتنازلات التي سيقدمها الإيرانيون لن تكون تنازلات في الجانب النووي بل ستكون تنازلات إقليمية تدفع إيران للتخلي عن الجماعات والمليشيات التابعة لها والتي تدعمها، وتحدث شللا في طموحاتها التوسعية والفوضوية.
هل سيلجأ النظام الإيراني إلى المفاوضات ويختار تجرع كأس السم بدلا من الانتحار؟ هنا لا بد من العودة إلى عام 2003، ففي ظل التعزيزات العسكرية والحشد الأمريكي آنذاك وغزو العراق وإسقاط صدام حسين أدركت إيران أن طهران ربما تكون العاصمة الثانية على القائمة بعد بغداد، وارتفعت مخاوف الإيرانيين من وقوع غزو أمريكي محتمل، ولذلك سارعت إيران حينها إلى طرح فكرة التفاوض وصياغة مقترح سري قدمته للولايات المتحدة الأمريكية عبر سويسرا، تضمن العديد من التنازلات، منها وقف دعمها عن حزب الله وحماس مقابل رفع العقوبات عنها، لكن إدارة بوش تجاهلت هذا المقترح، بل سعت لتوبيخ سويسرا لاستلام هذا المقترح وإيصاله إلى البيت الأبيض.
أما الرئيس باراك أوباما فسعى خلال التفاوض مع الإيرانيين إلى غض الطرف عن النشاط الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، وسعى للتركيز فقط على الملف النووي، وهو ما وفّر فرصة لإيران لاستغلال هذا الاتفاق عبر تسخير عوائد الاتفاق الاقتصادية بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها في تكثيف دعم المليشيات والجماعات التابعة لها، وخدمة مشروعها التوسعي والفوضوي في المنطقة، ومن هنا نجد أن النظام الإيراني رغم خطابات المكابرة الموجهة للاستهلاك الداخلي، إلا أن التاريخ القريب يؤكد أن النظام الإيراني إذا استشعر بقرب النهاية سوف يسارع إلى "تجرع كأس السم".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة