في الحقيقة ثمّة ثلاثة دوافع وراء حماس المالكي لهذه الانتخابات.
جدل واسع حول موعد إجراء الانتخابات العراقية المقبلة، والمفترض حسب الدستور البدء بها في 15 مايو/أيار المقبل، إلا أنّ الأطراف السياسية باتت مقسومة بين مؤيد لإجرائها في الموعد المقرر وبين طامح للتأجيل.
في قراءة سريعة نجد أنّ طرفين رئيسيين يتباينان في موقفهما حول إجراء الانتخابات من عدمه في موعدها.
الطرف المؤيّد هو التحالف الوطني الشيعي الحاكم، ومن ضمنه رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي يُصرّ على إجرائها كي لايقع في فخ مخالفة الدستور وهو الذي صرح غير مرة بأنه لن يسمح بذلك مطلقاً.
أما الطرف الرافض والذي على الأغلب لن يُسمع صوته هو اتحاد القوى السنيّة بمجمل مكوناته، رابطاً ذلك بعدم عودة النازحين إلى مناطقهم التي دمرتها الحرب على "داعش" خصوصاً مع عدم سماح القانون بتصويت الناخب خارج دائرته الانتخابية.
ما توقفنا عنده في ميدان التسابق ما بين العبادي والمالكي لا يعني بالضرورة خلو المشهد العراقي الجديد من مفاجآت قد تضع نهاية للطبقة السياسية الحاكمة في العراق، وعلى وجه التحديد حزب الدعوة الذي تفرّد بالسلطة على مدار 12 عاماً مضت لصالح تكتلات جديدة.
في الواقع لا يقتصر سبب طلب التأجيل على مسألة عودة النازحين، فالدستور العراقي لم يُطبَّق إلّا ضمن اتفاق السياسيين، وبالتالي من الممكن إصدار فتاوى دستورية تُمكّن الناخب من الإدلاء بصوته خارج منطقته، ولكن توجد كذلك خشية كبيرة لدى سياسيي المحافظات الغربية من ردة فعل القواعد الانتخابية، والاستياء الشعبي الكبير تجاه ممثلي هذه المناطق في البرلمان والحكومة، مع عدم قدرة هؤلاء على تقديم أدنى متطلبات النازحين في مخيمات اللجوء التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة ممّا يؤسّس لمشهد سياسي جديد.
مع ذلك ثمّة سؤال يُطرح بقوة لماذا أخذ موعد تنظيم الانتخابات من عدمه كل هذا الزخم والأهمية؟ ما الذي تختلف فيه الانتخابات هذه عن سابقتها؟.
للإجابة على هذا السؤال لابد من التوقف عند إصرار اللاعبين الرئيسيين فيها على عدم تأجيلها، رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي والسّابق نوري المالكي.
كلا الرجلين يسعى إلى قيادة العراق في المرحلة المقبلة مع تباين الآراء والأسلوب، وكذلك الولاء لكلِّ منهما، لذلك نجد أنّ الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها نقطة مشتركة بين الشخصيتين.
إذا ما استعرضنا حيثيات إصرار العبادي، فإنّنا سنجد أن رئيس الحكومة الحالي وفريقه الذي لم تتضح ملامحه بشكل تام، باستثناء حالة التعاطف من قبل التيار الصدري؛ يعتقد بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها للاستفادة من إنجازات الرجل الأخيرة والتي تتلخص بـ:
أولاً: حالة النشوة والارتياح التي يعيشها العراقيون عقب تحرير محافظاتهم من تنظيم "داعش" المتطرف، وهذا ما يصبّ في صالح ازدياد شعبية العبادي وبروز نجمه أكثر.
ثانياً: ما حققه العبادي من نجاح في عرقلة مشروع انفصال إقليم كردستان العراق، وبالذات مسألة السيطرة على أغنى مناطق النفط العراقية، مدينة كركوك المتنازع عليها، والتي لم تستطع حكومة المالكي على مرّ ولايتين الاقتراب منها أو تحريك ملفها.
ثالثاً: التوافق العربي والدولي باستثناء إيران التي لم يتضح موقفها بعد من العبادي تجاه الحكومة الحالية، ومقدرتها على العودة بالعراق إلى محيطه العربي ومشاركتها في النشاطات الدولية على أساس مستقل، وهذا ما لم يعتدْ عليه العرب ولا غيرهم في زمن المالكي.
رابعاً: والأهم دعم المرجعية الدينية لرئيس الحكومة الحالي، ومؤشرات ذلك تكمن في مساندته بمعظم القرارات التي اتخذها مؤخراً لعلّ آخرها موضوع حصر السلاح بيد الدولة في إشارة مباشرة لمليشيات الحشد.
في هذه تكمن نقاط القوة لدى العبادي، ولارشيء يعكّر صفوَ مستقبل ولايته الثانية سوى عدم قدرة حكومته على تأمين حلّ سريع لملفَيْ النّازحين وإعادة الإعمار ،وهذا لن يشكّل أولوية لا في الداخل ولا في الخارج مقارنة بالانتصار العسكري الذي تحقق على داعش ولو على حساب ملايين النازحين.
أما المالكي فقد برّر إصراره على إجراء الانتخابات بخوفه على البلاد من الفراغ الدستوري وهذا من الناحية الشكلية، فماذا عن المضمون؟.
في الحقيقة ثمّة ثلاثة دوافع وراء حماس المالكي لهذه الانتخابات.
الأول: تشكل هذه الانتخابات الفرصة الأهم التي من خلالها يستطيع المالكي المناورة للرجوع للحكم ومنصب رئاسة الوزراء الذي خسره لصالح العبادي قبل أربع سنوات، متسلحاً بتأييد كبير من مليشيات الحشد الشعبي التي ترى فيه مرشدها الروحي، وعرّاب نشأتها رغم تشكيلها بفتوى من المرجعية الدينية "علي السيستاني"
فوز المالكي يعني بالضرورة ترسيخ دور هذه المليشيات في صناعة القرار العراقي الذي استطاع العبادي إلى حدِّ ما تحريره ليس من "داعش"، فحسب وإنّما من سطوة إيران التي لا يلبث سياسيّوها الحديث بين حين وآخر عن دورهم الرئيس باتخاذ القرارات في بلاد الرافدين.
يكمن الدافع الثاني بتزايد النقمة على سلاح المليشيات من قبل العراقيين بمختلف شرائحهم ومكوناتهم من الشّمال إلى الجنوب عقب الخلاص من تنظيم"داعش"، لذلك نرى أن زعيم التيار الصدري أعلن غير مرة أنّه لاسلاح إلا بيد الدولة وهذا ما يجعل مليشيات الحشد تلتصق أكثر برئيس الوزراء السابق بغية إيصاله سدّة الحكم مجدداً.
أما الدافع الأخير فيتمثل بخوف المالكي ومليشياته من عزلة إيران أكثر، خصوصاً عقب تسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، والمظاهرات المتصاعدة في الداخل الإيراني، مما يُضعف موقف المالكي الذي اعتمد كثيراً على تزكية طهران وتسويقها له خلال السنوات الماضية.
ما توقفنا عنده في ميدان التسابق ما بين العبادي والمالكي لا يعني بالضرورة خلّو المشهد العراقي الجديد من مفاجآت قد تضع نهاية للطبقة السياسية الحاكمة في العراق، وعلى وجه التحديد حزب الدعوة الذي تفرّد بالسلطة على مدار 12 عاماً مضت لصالح تكتلات جديدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة