محاولة اغتيال الكاظمي.. هل تدفع نحو تدويل ملف مليشيات إيران؟
ملفات عراقية شائكة ظلت حتى وقت قريب محشورة بنطاق محلي إقليمي ضيق، لكنها قد تحلق مستقبلا نحو سماء التدويل.
نقطة قد تشكل منعطفا حادا بالمشهد العراقي، في ارتدادات بديهية لمحاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قبل أيام، وفي وقت تتوجه فيه أصابع الاتهام نحو مليشيات موالية لإيران.
ويرى مختصون انشغلوا سنوات طويلة بمتابعة الشأن العراقي أن المحاولة التي استهدفت منزل الكاظمي بالمنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، فتحت الباب على مصراعيه لكل احتمالات المواجهة المباشرة بين الدول الغربية وإيران.
وفجرت عملية اغتيال رئيس الوزراء التي استهدفته، في عقر داره فجر الأحد الماضي، سيلاً من التنديد وبيانات الاستنكار الدولية والعالمية.
واعتبرت أطراف دولية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك منظمات ذات ثقل كبير منها مجلس الأمن الدولي، محاولة الاغتيال استهدافاً صارخاً لسيادة العراق، ومحاولة لقلب الطاولة الديمقراطية برمتها.
"محاولة انقلاب"
يقول المحلل السياسي، كاظم الجحيشي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "عملية استهداف الكاظمي لم تكن حادثة تنتهي بتصفيته فحسب، وإنما استهدفت الاستيلاء على السلطة ما بعد ذلك"، مشدداً على أن ما حصل "محاولة انقلاب رسمية".
وجاءت محاولة اغتيال الكاظمي بعد احتدام في المواقف قاد إلى اشتباكات عنيفة بين أنصار القوى الموالية لإيران مع قوات حفظ النظام عند المنطقة الرئاسية ببغداد، انتهت بمقتل شخص وإصابة نحو 125 آخرين.
وتصاعدت حدة الخلافات بين القوى المقربة من إيران ورئيس الوزراء، عقب إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي أفرزت تراجعاً كبيراً لأحزاب وتيارات ذات أجنحة مسلحة، مما جعلها تتهم الكاظمي وجهات خارجية بـ"التزوير والتلاعب" بالنتائج.
ومنذ وصول الكاظمي، إلى رئاسة الوزراء في مايو/أيار 2020، بدت الفصائل المسلحة ذات الارتباط الإيراني بتعقيد المسار أمام حكومته بعد عمليات عدة استهدفت قطع شريان التمويل غير الشرعي عنها وضرب مقار وشخصيات رهن الاعتقال.
وكان الكاظمي قفز إلى منصة الحكومة على حين غفلة، كمرشح أقرب إلى الشارع العراقي بعد احتجاجات جماهيرية غاضبة راح ضحيتها آلاف الجرحى والقتلى دفعت رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لتقديم استقالته.
وتدفع العمليات التي تشنها المليشيات المسلحة ضد مصالح واشنطن والتحالف الدولي في العراق، منذ مطلع العام الماضي، إلى تقييد حادثة اغتيال الكاظمي بالجهات ذاتها التي تضطلع بهذه الهجمات.
وكان قيس الخزعلي، رئيس مليشيات "عصائب أهل الحق"، التي تحصل على دعم إيراني واسع، توعد بالثأر لأنصاره الذين وقعوا عند المنطقة الخضراء في الليلة التي سبقت محاولة اغتيال الكاظمي بالطائرات المسيرة.
تداعيات
بعد ساعات من محاولة الاغتيال، أصدرت الخارجية الأمريكية موقفاً مندداً تبعها تصريح للرئيس جو بايدن، أبدى فيه استعداد واشنطن لمشاركة حكومة الكاظمي في التحقيقات الخاصة بكشف الجهات المنفذة والمخططة لعملية الاغتيال.
من جانبه، قابل مجلس الأمن الدولي حادثة اغتيال رئيس الحكومة بموقف شديد اللهجة طالب من خلاله التحرك لاعتقال المنفذين وضرب القوى الخارجة التي تستهدف إضعاف الدولة.
وعقب تلك المواقف، تحدثت أوساط سياسية وعامة عن دور أمريكي جديد برعاية أممية لتفكيك الأسلحة المنفلتة في العراق وتطويق خطر المليشيات بشكل صريح.
الخبير الأمني أحمد الشريفي، يرى أن العراق أمام اثنين من السيناريوهات، الأول ينذر بوقوع صدام داخلي وانقسام سياسي حاد.
تدويل
ويضيف الشريفي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "التوقع الآخر يذهب باتجاه تدويل قضية محاولة اغتيال الكاظمي مع ما يجر معها من ملفات أخرى في مقدمتها الفساد والقتل والسلاح غير المسيطر عليه".
ويقترب من ذلك، سرمد البياتي وهو محلل أمني وضابط سابق، إذ يقول إن "التحقيقات التي تجري الآن من قبل الحكومة العراقية بشأن محاولة الاغتيال إذا ما ظهرت ستغير من قواعد الاشتباك والمعادلة السياسية بشكل عام".
ويضيف البياتي أن "ثقل الحادثة ودقة التنفيذ تفتح الباب واسعاً أمام دخول العامل الدولي في معالجة ما يحدث محلياً".
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي شكل لجنة تحقيقية عالية المستوى للتحقيق بليلة الاستهداف، أعقبها بعد ذلك بتصريح أكد من خلاله أنه "يعرف الجناة وسيقدمهم للقضاء".
فيما يذهب الجحيشي إلى عدم انتظار التدويل وإنما بضرورة تقديم الكاظمي طلباً رسمياً إلى مجلس الأمن الدولي بغرض التحرك نحو ذلك الملف الذي ينذر بما هو أخطر، على حد قوله.
من جانبه، يقول رئيس مركز "تفكير" السياسي إحسان الشمري، إن "الحكومة العراقية بوصفها الدولة اليوم ملزمة أمام المجتمع الدولي بتقديم الجناة المتورطين بمحاولة الاغتيال وهو الأخطر ما بعد تلك الحادثة".
ويوضح الشمري لـ"العين الإخبارية"، أن "مجلس الأمن وصف في بيانه اغتيال الكاظمي بالعملية الإرهابية، ودعا إلى كشف العناوين والأسماء المتورطة وإذا ما جرت تحقيقات غير مهنية من قبل السلطات العراقية سيكون لها موقف آخر أقلها التدويل".
وتعرض منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في المنطقة الرئاسية وسط بغداد، فجر الأحد الماضي، لهجوم بطائرات مسيرة تضاربت الأنباء بشأن عددها بين اثنين وثلاثة، تسببت بأضرار مادية وإصابة 4 أفراد من عناصر الحماية بجروح متفاوتة.