الاحتجاجات الشعبية في العراق مطلبها الأساسي استعادة قرار العراق وسيادته
عاد الجدل، أمس، حول سياسة تغيير الوجوه السياسية في العراق بدلاً من السياسات والتوجهات الوطنية، بعد أن تأكد للمحتجين البعيدين عن أي مصالح حزبية أو طائفية أن رئيس الحكومة العراقية المكلف محمد علاوي هو أحد التابعين للنظام السابق الذين رفضهم الشعب وأنه كان وزير اتصالات في الوقت الذي ارتفع فيه منسوب الفساد في الحكومات العراقية، وأن أبرز المؤيدين له هو مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الذي يحاول بكل قوة إقناع النظام السياسي في إيران أنه يمكن أن يحل محل نور المالكي رجل إيران في العراق.
إن الذي يدركه الجميع: أن الاحتجاجات الشعبية في العراق مطلبها الأساسي استعادة قرار العراق وسيادته، وأنها أجبرت رئيس الوزراء العراق عادل عبدالمهدي على تقديم استقالته ليس رفضاً فيه كشخص عراقي أو أنه المقصود فيها بقدر أنها استهدفت إجراء تغييرات في السياسات التي يقوم بها قادة العراق من ناحية القبول في أن يكونوا تابعين للنظام السياسي في إيران المسيطر على الوضع العراقي، والذي اعتاد استخدام العراق حديقة خلفية لخلافاته مع المجتمع الدولي، وبالتالي طبيعي أن كل من يأتي بتلك المواصفات يكون مرفوضاً من المحتجين الذين اكتشفوا قوتهم من خلال حالة الإجماع رغم كل الاختلافات الطائفية والعرقية ولكنهم اتفقوا على حب العراق.
مختصر موقف الشارع العراقي أنه يريد إحداث تغيير في المواقع السياسية والسبب أن أداءها الوطني لم يرقَ إلى المكانة التي يستحقها العراق الدولة ولا إلى طموحات الشعب العراقي، وعلى هذا فإن التركيز فقط على تغيير الوجوه دون السياسات لا يعني غير بقاء الوضع على ما هو عليه
ومع أن التغييرات التي حدثت في العراق كلها تمت تحت ضغط الشعب العراقي الغاضب من الأوضاع المتدهورة اقتصادياً واجتماعياً مع أنه دولة تمتلك ثروات كبيرة وله تاريخه الحضاري، بل إن تلك التغييرات حصلت بعد أن رفضت الجماهير وعوداً من السياسيين في محاولة لاسترضائهم وشددوا على أهمية تغيير كل ما يمثل النفوذ الإيراني حتى وصل الأمر إلى أن يترجم ذلك الصمود إلى ضغوط دولية، عبرت عنها المنظمات الدولية ودول كبرى، على السياسيين العراقيين بالاستماع إلى صوت العراقيين الذي سقطوا بين قتلى وجرحى، إلا أن استمرار قادة العراق على الالتفاف على مطالب الشعب إشارة إلى أن سياسيي العراق ما زالوا يرتكبون كارثة في فهم رغبة الشعب العراقي الذي يقوم باحتجاجات مستمرة منذ قرابة خمسة أشهر هدفها كله الانفكاك من النفوذ الإيراني وتبعيته.
وعليه، فحين تطرح أسماء جديدة من أجل تشكيل حكومة عراقية وطنية فإنه يفترض أن تكون خطوة حقيقية على طريق تغيير السياسات والتوجهات، لكن الذي يبدو من تلك الأسماء التي تثير حولهم شكوكا معينة نتيجة لقربها من الأحزاب التي توالي إيران يكون الأمر أقرب إلى أن خطوات محصورة في دائرة تغيير الوجوه والأشخاص لا أكثر، فيكون الأمر أن القائمين على السياسة العراقية ما زالوا يصرون على السير في نفس السياسات القديمة ولكن بوجوه جديدة، في محاولة مكشوفة منهم لإيهام المحتجين بأنه يلبي رغباتهم، في حين أن ذلك التغيير لا يمس جوهر السياسات القائمة التي يبدو أنها لم يطرأ عليها أي تعديل سوى توجيه اتهامات بأن ما يتم مؤامرة من دول عربية.
ينبغي ممن يخططون للعراق أنه دولة أكبر من طريقة تفكير من يدور في فلك الطائفية الدينية أو الموالاة للخارج، وأنه أكبر من أي فصيل أو تيار أو حتى حشد سياسي مهما كبر حجمه لا يريد الخروج من "العباءة الإيرانية"، وأن شباب العراق تعدى مسألة "استغفاله" الممتدة منذ أكثر من عقد ونصف العقد، وأنهم يريدون بصريح العبارة دولة وطنية غير تابعة إيران أو غيرها من الولاءات، وأن التغيير الذي يطالبون به هو التغيير الحقيقي الذي يعيد العراق لشعبه ومكانته الإقليمية والدولية وليس التغيير في الأشخاص فقط، كما يفعلون الآن.
مختصر موقف الشارع العراقي أنه يريد إحداث تغيير في المواقع السياسية والسبب أن أداءها الوطني لم يرقَ إلى المكانة التي يستحقها العراق الدولة ولا إلى طموحات الشعب العراقي، وعلى هذا فإن التركيز فقط على تغيير الوجوه دون السياسات لا يعني غير بقاء الوضع على ما هو عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة