القاص العراقي برهان المفتي: توجه البعض إلى الرواية هدفه الجوائز المالية
كاتب القصة العراقي برهان المفتي يرى أن القصة القصيرة تعد اختبارا لمهارة المبدع، لاعتمادها على فن التكثيف، بعكس الرواية القائمة على السرد
أكد القاص العراقي برهان المفتي أن كتابة الرواية هدفها الحصول على الجوائز المالية، موضحا أنه يفضل التكثيف وليس السرد الطويل، ولذلك يعشق كتابة القصة.
ويرى "المفتي" خلال حواره لـ"العين الإخبارية" أن المشهد الثقافي في بلاده يمتاز بتعدد أطيافه، لافتا إلى أن الفترة الأخيرة شهدت صعود تيار متجدد في كتابة القصة، يتميز بسمات إنتاجية تختلف عن إنتاج الأجيال السابقة.
و"المفتي" من مواليد عام 1968، يعمل مهندس بتروكيمياويات، ووصلت مجموعته القصصية "كذلك" إلى القائمة الطويلة لجائزة "الملتقى" للقصة القصيرة في دورة هذا العام، وبجانب إسهاماته في الكتابة له إنتاج متميز كرسام كاريكاتير.
في هذا الحوار، يتحدث "المفتي" عن واقع الكتابة في العراق، ووجهة نظره في القصة والرواية.
ما الذي أخذك إلى كتابة القصة تحديدا؟
الرغبة في تغيير زاوية الرؤية للأشياء، خاصة أننا نتوارث زاويا مشاهدتنا ورؤيتنا للأشياء، ومن هنا بدأت.
وأعتقد أن بحثي في ماهية الأشياء هو ما أخذني لأجواء القصة، لأنه من السهل أن تغامر وتغير قواعد اللعب والأسلوب أثناء كتابتها، وبطبعي أحب كسر القوالب، ولا أحب القيود أينما وجدت.
كيف تقيم المشهد الثقافي العراقي حاليا؟
الثقافة هي نتاج لحركة المجتمع وتضاداته وتياراته المتصارعة والمتوافقة، وبما أن حركة المجتمع في العراق متلاطمة في نواحيها كافة فإن المشهد الثقافي يمتاز بقوة ألوانه وتعدد أطيافه ووحدة أشكاله، هذا إن فسرنا كلمة المشهد بدلالتها اللفظية المطلقة.
حدثنا عن مجموعتك القصصية "كذلك" التي قدمتك للقراء.
هي قصص مكتوبة بمشاهد فيها حركة للكاميرا، لأنني أحب التصوير وقادم من مخيلة بصرية بالأساس، وهذا الحب ساعد في تشكيل مشاهد قصصية وتوزيع مشاهدها.
القصص ليس لها زمان ولا مكان ولا تاريخ ولا اسم شخصية، وكان من اليسير لكل قارئ أن يرى نفسه فيها، كل ما عليه أن يحرك الكاميرا ليتجول في أجواء القصة من أول سطر وصولاً للنهاية، التي تكون أقرب لمنعطف مفاجئ.
ما الذي كنت تعنيه بجملة "قصص قصيرة تحاول الهروب" التي كتبتها على غلافها؟
قصدت أن أدفع القارئ إلى الهروب من التقليد، ومن القوالب المتوارثة، وكلمة (تحاول) وضعتها لكي لا أدعي أن ذلك الهروب قد تحقق بشكل تام، بل جعلت القارئ هو الحكم في إعلان إنجاز الهروب من عدمه، وقد ساعدني اسم المجموعة على إعطاء القارئ مساحة تأويل واسعة، وفتح خياله لمدارات عديدة.
أغلب قصص المجموعة يفوح منها رائحة الموت والحرب وعجز الإنسان وخداع وجشع وضياع.. هل هذا انعكاس لواقع ما؟
أنا من جيل الحروب، كبرنا على مشاهد توابيت القتلى تحملها سيارات رخيصة، عاصرنا حروبا كبرى منذ بداية السبعينيات مع حرب الشمال في العراق، وفي الحرب العراقية-الإيرانية، ثم حرب سنة 1991 والتي كانت ساحقة، وعاصرنا حتى منع ورق الكتابة وأقلام الرسم، وربما في هذه القصص بعض من مشاهد ذلك الحصار.
أغلب زملاؤك من كتاب القصة مروا إلى الرواية إلا أنت.. لماذا؟
بطبيعتي لا أحب الكلام الكثير ولا التفاصيل، ويتضح ذلك حتى في رسوماتي الكاريكاتيرية التي تخلو من أي تفاصيل.
التوجه إلى الرواية هدفه الجوائز المالية، كما أن تحويل الرواية إلى عمل درامي فيه ربح مالي كبير، وتلك فرصة متوفرة بكثرة نتيجة منافسة القنوات الفضائية العربية بعضها ببعض.
الرواية أيضا كانت سبباً في شهرة أسماء عربية كثيرة، لا سيما في السنوات الأخيرة، لكن بالنسبة لي أفضل التكثيف وليس السرد الطويل، وأعشق القصة.
ربما تتفاجأ حين أقول إنني أنجزت كتابة 3 فصول من رواية، وفصلاً من رواية أخرى لكني تركتهما لأنني أتقمص ما أكتب، ومثل هذا التقمص لا يعطيني حرية العمل كوني مهندساً محترفاً، وعلي أن أتعامل مع الناس بشكل مهني وليس بشكل تقمص شخصيات رواية أكتبها.
ربما أنتهي من تلك الروايات حين أجد أنها لا تؤثر على عملي المهني.
لماذا تأخرت في نشر أعمالك التي تبدو قليلة مقارنة بإنتاج أبناء جيلك؟
كان الخطاطون لا يحملون صفة (الخطاط) إلا بعد إجازة من كبير الخطاطين، وكانت شهادته بوابة العبور لعالم الخط، هكذا فعلت، فبعد أن حصلت على شهادات على قصصي وأسلوبي من أساتذة كبار أصبحت مؤهلاً لإصدار مجموعة، وبالتالي لستُ مقلاً في الكتابة، فأنا أكتب مقالات في مواضيع عديدة، ومجموع ما كتبته يندرج تحت مئات ومئات المقالات في الإدارة والبيئة والتنمية.
وجود مجموعتي ضمن أفضل المجاميع القصصية العربية دليل على نجاح خطوة التأني وعدم الاستعجال في النشر، وهناك مجموعتان قصصيتان جاهزتان للطباعة، إضافة إلى كتاب يوميات سردية، وكتاب آخر عن ذاكرة المدينة.
ورغم مشاغلي وحياتي العملية كمهندس والتي تجعل التفرغ للعمل الأدبي أمراً صعباً، لكنني كنت أستغل الوقت لإنجاز تلك الكتب، وأحافظ على استمرار أعمالي كرسام محترف في الكاريكاتير، وفي الواقع ما أحتاجه الآن هو الوقت.
إذا اعتبرنا القلم هو "لسان العقل" حسب ما يؤمن به الشاعر الإسباني "ميجيل دي ثيربانتس".. فهل يمكن أن تكون الريشة هي منطقه الروح؟
إذا كنت تقصد أن السؤال هو: هل الرسم أداة تعبير حين تعجز الكتابة عن ذلك؟ فالجواب بنعم.
ما وجه المقارنة بين رسام الكاريكاتير في الوقت الحاضر والحقبة الماضية؟
مثل وجه المقارنة بين السيارة في بدايات القرن العشرين والسيارة الآن، أو مثل المقارنة بين الهاتف القرصي والموبايل الذي نحمله الآن.
ما أبرز المشاكل التي تواجهها كرسام كاريكاتير؟
تقلص مساحة النشر، ومزاج رئيس التحرير ورغبته في قص الممنوع.