لقد مضت مئة يوم دون أن يضع البرنامج الحكومي حدا للحرب الطائفية أو المحاصصة أو أوضاع السجون السرية
بعد انقضاء المائة يوم على تشكيل الحكومة العراقية، والتي وعد بها رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي أن يبلور برامجه، بدأت مواقع التواصل الاجتماعي ببث النكات والطرائف على شكل كوميديا سوداء عن الأوضاع الحالية، خصص مقدم برنامج "البشير شو" السياسي الساخر الذي يُبث من التلفزيون الألماني "دي. دبليو" حلقة عن عادل عبدالمهدي بأسلوب ساخر، حول انقضاء المائة يوم على تشكيل الحكومة دون أن تقدم سوى على رفع الحواجز الكونكريتية وافتتاح شارع الرشيد، وغيرها من المشاريع الطفيفة التي لا ترقى إلى طموحات العراقيين.
لقد مضت مئة يوم دون أن يضع البرنامج الحكومي حداً للحرب الطائفية أو المحاصصة أو أوضاع السجون السرية، ولم يفعل شيئاً أمام تغول الفساد والمافيات، ولم يفكك المليشيات التي طالبت الولايات المتحدة بتفكيكها، بل على العكس سمح لها بافتتاح مقرات مراكز في المحافظات السنية المنكوبة مؤخراً
ويعكس ذلك حالة الإحباط من تشكيل الحكومات المتعاقبة، كما أن النزاع على أشده في استكمال الكابينة الحكومية المتصارع عليها بين الأحزاب المهيمنة، والتي يصر كل منها على تقديم مرشحه في الوقت الذي تحولت فيه الوزارة إلى مصدر مالي يدر دخلا وافراً للأحزاب الدينية والكتل السياسية، لم تقدم الحكومة جردة حساب لما قدمته من إنجازات بعد مرور مئة يوم على تشكيلها، ولا تزال المشاكل التي توارثتها الحكومات السابقة بلا حل أو علاج، منها التجاوز على القوانين، والاستيلاء على عقارات الدولة، واعتماد الاقتصاد العراقي على النفط، وعدم تنمية الصناعة والزراعة، واستمرارية ملف الفساد المالي، وسرقة النفط العراقي من خلال الأنابيب الموازية وبيعها في السوق السوداء، والألف قضية المقدمة إلى لجنة النزاهة مجمّدة، واستيلاء مجالس المحافظات على المال العام، إضافة إلى الملفات الساخنة مثل ملف البصرة والبطالة والتنمية وتفعيل قطاع الدولة وسيادة القانون، وبناء دولة المؤسسات والخدمات وغيرها، وهذا إن دل على شيء فيدل على أن الحكومة الحالية لا تختلف عن مثيلاتها في هذه الأمور.
ولا يزال الصراع محتدماً بين السلطات التشريعية والقضائية من جهة، وبين القوى السياسية والكتل البرلمانية من جهة أخرى، وإبعاده عن الإنجاز الخدمي واستحقاقاته، بل تحول رئيس الوزراء إلى محافظ لبلدية بغداد أي اقتصرت همومه على العناية ببغداد، ونسيان المحافظات الأخرى، ومن بين أهم تلك المسائل الجوهرية التي أغفلها عادل عبدالمهدي هي ضرورة دعم المحافظات السنيّة المنكوبة وعودة المهجرين إليها بعد زوال تنظيم داعش الإرهابي، حتى أن الأمم المتحدة طالبت الحكومة العراقية باستخدام الشفافية في إعادة المهجرين إلى مناطقهم وتوفير سبل العيش لهم، وإعادة بناء مدنهم المهدمة، وقد كشف مشروع الموازنة الاتحادية لعام 2019، المطروحة أمام مجلس النواب بغرض مناقشتها والتصويت عليها عن حصة كل محافظة عراقية، ويظهر أن السليمانية حصلت على النسبة الأعلى من النفقات بين المحافظات، وبما يساوي (16%) منها، أي نحو 3.5 تريليون دينار، فيما جاءت العاصمة بغداد بالمرتبة الثانية بـ(15%)، وبما يساوي 3.22 تريليون دينار، وأربيل بـ(10%)، وبما يساوي 2.1 تريليون دينار.
أما المحافظات ذات النسبة الأقل، فهي (نينوى، كركوك، الأنبار، وصلاح الدين) حصلت على (1 %) فقط، وهو ما يتنافى من حاجة تلك المحافظات المنكوبة لإعادة تأسيس البنى التحتية ومؤسساتها الخدمية بعد فترة داعش، هذا وتعادل الميزانية التي خصصت للحشد الشعبي ميزانية هذه المحافظات مجتمعة، والتي هي بأمس الحاجة إلى تخصيصات أعلى، لذلك لا يبدو أن عادل عبدالمهدي يستطيع تقديم أي حل للأزمات التي يعاني منها العراقيون؛ إذ إن مؤشر الأداء الحكومي يكاد يكون في حالة الصفر.
لم يحقق عادل عبدالمهدي الاستقلالية التي أعلن عنها في خطاباته وبرامجه، بل سرعان ما خضع لرغبات الأحزاب الدينية والكتل السياسية التي تهيمن على المشهد السياسي، وبذلك تبدد أوهام القائد والمنقذ الوطني، لأنه ابن العملية السياسية والمدافع عن حكم الإسلام السياسي بصيغته الشيعية التابعة لإيران، ولا تزال العلاقة بين الحكومة والقوى الأخرى تصارعية في أساسها، ولم تهدأ عن التأزيم الطاغي على الأجواء بسبب نشوب التوتر بين الكتل والأحزاب الدينية حول استكمال الكابينة الوزارية المعطلة.
لقد مضت مئة يوم دون أن يضع البرنامج الحكومي حداً للحرب الطائفية، أو المحاصصة أو أوضاع السجون السرية، ولم يفعل شيئاً أمام تغول الفساد والمافيات، ولم يفكك المليشيات التي طالبت الولايات المتحدة بتفكيكها، بل على العكس سمح لها بافتتاح مقرات مراكز في المحافظات السنية المنكوبة مؤخراً.
لا تزال المعضلة الأولى قائمة، وهي المحاصصة الطائفية، جذر المشاكل كلها، خاصة في ظروف التدخل الإيراني وتقبل املاءاته وشروطه، في السياسة والاقتصاد والمجتمع، والسؤال الذي لا يستطيع الإجابة عليه: أين تذهب مليارات الدولارات؟
ثمة يأس كبير لدى العراقيين من إحداث التغيير المطلوب بسبب انعدام البرامج الوطنية الواضحة؛ إذ لا توجد حلول ولا إصلاح البنية التحتية ولا علاج البطاقة التموينية أو لـ"جولات التراخيص" في النفط، ولا إحياء آلاف المصانع العراقية المغلقة، ولا لهيمنة البطالة والبيروقراطية، ولا انتشار الرشوة في جميع مجالات الحياة.
ويبقى السؤال الملح:
هل تتمكن برامج رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وضع الحلول وإنقاذ العراق من شبح التمزق والطائفية والانهيار الاقتصادي وانعدام الخدمات وإعادة المهجرين، وبناء المدن المهدمة، والقضاء على الفساد؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة